ما فاز إلا النوّم

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

النوم راحة للمثقلين بهموم الحياة اليومية، وراحة للمكبوتين في صحوهم ، شرط أن لا يروا في نومهم امتدادا لمأساتهم في يقظتهم، ولعل الهم من عادته أن يلاحق أصحابه أينما كانوا ، وحيثما ساروا ، فقد صار جزءا منهم، أو صاروا هم قطعة منه .

وقد يكون النوم غفلة عن الحقيقة، أو تغافلا عنها، إما للهروب من المسؤولية التي لا يجرؤ أحد أن يتحملها خوفا، وإما صعوبة، أوتثاقلا ،أو رغبة في السلامة .......

وهذا يذكرني به الشاعر المتنبي في قوله :

نامت نواطير مصر عن ثعالبها ......

أو ما قاله أحد الشعراء – محمد مهدي الجواهري - ، وهو من ذوي الإحساس المرهف الحزين إذ رأى أمته غارقة في ذل المسألة ومستنقع الحياة الآسنة ، تبحث عن لقمة العيش ،فلا تجدها إلا مغموسة بالدم والهوان فقد ألهاها الظلمة من حكامها عن المطالبة بحقوقها ، وهل لها من حقوق؟!!

فقال :

نامي  جياع الشعب  نامي
نـامـي-  فإن لم تشبعي
نـامـي على زبد iiالوعو
نـامـي فقد غنى إله الـ



حـرسـتـك ألهة iiالطعام
مـن يـقـظة فمن iiالمنام
د   يزف في عسل iiالكلام
حـرب الـحـان iiالسلام

بل إن الرصافي  الشاعر العراقي  رأى أن الصحو يؤدي إلى المطالبة بالحقوق ، مما يثير القلاقل، ويستعدي المتنفذين ، فلا بد من النوم ففيه االراحة الوافرة للمتنفذين طبعاً .

يا قوم ،  لا   تتكلموا         إن الكلام محرم

ناموا ، ولا تستيقظوا          ما فاز إلا النوٌم

وإذا اضطروا للحديث فليكن في المباح منه فقط ، كاللغو الذي لا يفهم ، ولا طائل منه ، وحتى في هذا النوع من الحديث عليهم أن يغمغموا ، فلا يفهم ،كي لا يحاسبوا به :

وإذا أفضتم في المبا       ح من الحديث فجمجموا

أرأيتم الاهتمام بسلامة الأمة، والحفاظ عليها من التفكير الذي يعكر المزاج ويؤدي إلى الارتجاج ؟!

إن التفكير يستدعي التأمل والموازنة، والوصول إلى مطالب تثير حفيظة المتنفذين ، وتؤذي مشاعرهم ، فمتى كان الرزين الذكي يطالب بحقوقه الإنسانية من حرية وعدل ومساواة وكرامة ؟!!!ويستنكر الظلم وأصحابه؟!! هذه بدع ممجوجة:

والعدل لاتتوسموا         والظلم لا تتجهموا

والشعب المدجن  أقصد المسالم  ينظر بعيني أسياده ، فما يرونه جميلا فهو الجميل ، وما يرونه قبيحا فهو القبيح، ولا تكون الحقيقة حقيقة إلا إذا أعلنها هؤلاء ورَضُوا بها .

إن قيل إن نهاركم             ليل فقولوا مظلم

أو قبل إن  ثِمادكم             سيل فقولوا مفعم

أما إذا أريد لبلادنا تقطيع الأوصال، وتمزيقها إلى كانتونات هزيلة، مفككة ،لا قيمة لها ولا وزن ، إلى دويلات ممسوخة، سهلٍ نوالها ، يسيرٍ إذلالها، فكيف يريدوننا أن نكون؟!

أو قيل : إن  بلادكم            يا قوم ، سوف تقسم

فتحمٌدوا ، وتشكٌروا            وترنٌحوا، وترنٌموا

هكذا يريدوننا ببغاوات ، ممسوحين ، لنا أفواه تفتح لتأكل ،أن وجدت ما تأكله، أفواه تسبح بحمد أناس ممسوخين ، هم بدورهم يسبحون بحمد من سلطهم على أمتهم قهرا وظلما.

ولله در الهرمزا ن  على سوئه  إذ قال حين رأى الفاروق  رضي الله عنه  نائما في ظل شجرة ، آمنا مطمئنا : عدلت ، فأمنت ، فنمت فهنيئا لك يا عمر . .فقد كان أمير المؤمنين ينام غبا، ليسهر في مصلحة أمته التي تنام  حين تنام آمنة نفوسها ، عزيز جانبها ، منيعة حياضها ،

عمر ينام قليلا ليسهر في الحفاظ على أمته أن يصيبها ضيم أو أذى ...عمر الفاروق شديد على نفسه ، رفيق بأمته ، يخاف الله تعالى فيها ، ويرجو الثواب في خدمتها.

فكيف ينام أولئك ؟ وفيم يسهرون ؟ وممّ يخافون ؟ وماذا يرجون؟ ... أسئلة يعرف جوابها كل من كان له قلب، أو ألقى السمع ، وهو " لبيب "