إرشادات نبوية
د.عثمان قدري مكانسي
لم يترك لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمراً ينفعنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا إلا علمَنا إياه ، ووضّحه لنا ، وكان عليه الصلاة والسلام يضع نصب عينيه الشريفتين قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (1) فاجتهد صلى الله عليه وسلم أن يوصل أوامر الله تعالى ونواهيه إلى الناس جميعاً ، مسلمهم وكافرهم ، كي يقيم الحجة عليهم . وكثير من أحاديثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ انتهت بـ : (( ألا هل بلّغت ؟ اللهم فاشهد )) إلى أن بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة كما أمره بذلك المولى العظيم ، فأعلن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أنَّ الدين نزل كاملاً ونعمة الإسلام أضحت تامة ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (2) .
وفي أحاديثه الشريفة ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثير من هذه الإرشادات ، أوامرَ ونواهيَ للنساء خاصة ، وكذلك للرجال في النساء ، نقف على بعض منها لكثرة ورودها في الأحاديث الشريفة :
1 ـ ففي التنفير من الزنا وعاقبته نجده ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصف من وقع فيه وصفاً مخيفاً في حديثه الطويل في حُلُمِه ، وما رأى فيه من محاذيرَ على المسلمين أن يتجنبوها (( . . فانطلقتنا ، فأتينا على مثل التنور )) . . . (( فإذا لغط وأصوات ، فاطّلعنا فيه ، فإذا رجال ونساء عراةٌ ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضَوْضَوا )) وفي رواية (( . . . فانطلقنا إلى مثل التنور ، أعلاه ضيّق ، وأسفله واسع ؛ يتوقّد تحته ناراً ، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا ، وإذا خمدت رجعوا فيها ، وفيها رجال ونساء عراة )) (3) ، ويبيّن الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنَّ هذه عقوبة الزناة والزواني نسأل الله الطهارة والعفاف .
ويقول عليه الصلاة والسلام محذراُ من الزنا بعامة ، والفاحشة بنساء المجاهدين خاصة هؤلاء المجاهدين الذين نذروا أنفسهم لقتال الأعداء ، والدفاع عن حرمة الإسلام ، وتركوا ذراريهم ونساءهم أمانة بيد الآخرين ، فوجب على هؤلاء حفظ أولئك المجاهدين في أولادهم ونسائهم ، وأداء هذه الأمانة بإخلاص وصيانة للعرض والشرف أن يلوّثا حرمة نساء المجاهدين على القاعدين التي وصلت إلى درجة حرمة أمهاتهم ، (( ما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا :
أ ـ وقف له يوم القيامة .
ب ـ فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضى !! )) .
يقول بريدة رضي الله عنه ـ راوي الحديث ـ : ثم التفت إلينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : (( ما ظنُّكم ؟ )) (4) أي لا تتعجبوا من هذا العقاب الشديد لمن يعتدي على حرمات المسلمين فالأمر خطير ، ومن حارب في سبيل الله مدافعاً عن دينه دافع الله عنه ، وخذل من خانه.
وكما حضّ الإسلام على طهارة الحرائر حثَّ على متابعة الإماء ـ لأنهن جزء من الأسرة والمجتمع ـ وحض على تقويمهن ومعاقبتهن إن وقعن في الزنا مرّة ، ومرّتين ، فإن تُبنَ ورجعن إلى العفّة فهذا لبُّ ما يريده الدين الطاهر ، وإلا فالتخلُّص منهنّ أَولى . . قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إذا زنت الأَمَةُ ، فَتَبَيَّن زناها فليجلدها الحدَّ (5) ، ولا يثرِّبْ (6) عليها ، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحدَّ ، ولا يُثَرِّبْ عليها ، ثم إن زنت الثالثة فليبعها (7) ولو بحبل من شعره )) (8) ، ويزهد الإنسان بثمنها للتخلص منها ، فبقاؤها في الأسرة أشدُّ خسارة من بيعها بثمن بخسٍ ، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج .
وفي حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصنفين من أهل النار لم يرهما نجد قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( ونساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، رؤوسهنَّ كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )) (9) .
إنهنَّ النساء اللواتي خلعن برقع الحياة ، وأمطن حجاب الطهر والعفاف ، يلبسْنَ وهنَّ في الحقيقة لا يسترنَ أجسادهُنّ .
يرتدين الثياب الرقيقة ، فلا تحجب عن العيون النَّهِمَةِ والذئاب الجائعة شيئاً .
ويرتدين الثياب القصيرة ، فلا تَرُدُّ عن السوق والأفخاد وقاحة الغربان الجائعة .
ويلبسن الثياب الضيقة التي ترسم هضاب أجسادهن ووديانها ، فكأنهنّ عاريات .
ويرتدين الثياب الفاضحة ، عارضاتٍ الشعرَ والأعناق ، والصدور والنهود لكل من يرغب ، فلا يتمنّعنَ عن لمس الفاسقين ، وإجابة الفاجرين ، يتزَيَّنَّ للزنا ، ويتهيَّأْن للخنا . . . فسق ودعارةٌ ، ودعوةٌ إلى الفساد ، وترويج للفجور على صفحات المجلات والجرائد ، وفي وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ، في الشوراع والطرقات . . بلاء . . بلاء . . هؤلاء هنَّ الصنف الثاني (10) الذي حذر الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه منهنّ .
2 ـ وفي النهي عن تغيير الخلقة يقول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لامرأة استفتنته في شعر ابنتها المخطوبة ، وقد أصابتها الحصبةُ فانتشَر شعرها ، وسقط ، فأرادت أن تَصِلها بشعر غيرها لتبدو مقبولة في عين من يطلبها : (( لعن الله الواصلة والموصولة (11) )) (12) .
وروى ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعن الواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشِمة (13) .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لعن الله الواشمات والمستوشماتِ ، والمتنمِّصاتِ ، والمتفلّجاتِ للحُسْنِ ، المغيّراتِ خَلْقَ الله (14) .
وعن علي رضي الله تعالى عنه قال : نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تحلق المرأة رأسها (15) ، فهو عنوان جمالها ، وعلى هذا روى داود عن ابن عمر مرفوعاً (( ليس على النساء الحلق ، إنما على النساء التقصير ، وذلك في مناسك الحج والعمرة )) .
3 ـ ومنع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المرأة أن تنوح على الميت ، أما البكاء والحزن فمما يدلُّ على إنسانية المرأة . لكنّ رفع صوتها بالنياحة والندب وشقّ الثياب ، وتمزيق الجيوب وضرب الخدود ليس من سمات المرأة المسلمة ، وقد قال رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ : (( الميت يُعذَّب في قبره بما نيحَ عليه )) وفي رواية (( ما نيح عليه )) (16) ، وقال أيضاً : (( ليس منا مَنْ ضربَ الخدودَ ، وشقَّ الجيوبَ ، ودعا بدعوى الجاهليّة )) (17) .
وعن أبي بردة قال : وَجِعَ أبو موسى ، فغُشِيَ عليه ، ورأسه في حجر امرأة من أهله ، فأقبلَتْ تصيح بِرَنَّةٍ (18) ، فلم يستطع أن يَرُدَّ عليها شيئاً ، فلما أفاق قال : أنا بريء ممن برىء منه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، إنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بريءٌ من الصالقة والحالقة والشاقَّة (19) .
وحين أغمي على عبدالله بن رواحة رضي الله عنه جعلت أخته تبكي عليه وتقول : واجبلاه ، وكذا وكذا ، تعدِّدُ عليه . فقال حين أفاق : ما قلتِ شيئاً إلا قيل لي : أنتَ كذلك ؟! (20) .
ويؤكد هذا المعنى ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( ما مِن ميتٍ يموتُ ، فيقوم باكيهم ، فيقول : واجبلاهُ ، واسيداه )) أو نحو ذلك إلا وُكِّلَ به ملكان يَلْهزانه (21) : أهكذا كنتَ ؟! (22) استنكاراً لما قيل ، ومنعاً له .
وقد توعَّد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ النائحة والتي تستأجر لهذا الغرض ـ إذا ماتت وهي على هذا الامر ـ بالعذاب الشديد يوم القيامة فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( النائحة إذا لم تَتُبْ قبل موتها تُقام يوم القيامة وعليها سربال من قَطِران ، ودِرع من جرب )) (23) .
4 ـ وحذّر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عمل يفضي إلى فساد ، فقد أقبل ابن أم مكتوم وهو أعمى إلى إحدى بيوتات النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وذلك بعد الأمر بالحجاب فقال لاثنتين من نسائه كانتا موجودتين : (( احتجبا منه )) فقالتا له : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ، فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أفعمياوان أنتما ، ألستما تبصرانه !؟ )) (24) ، فالحجاب إذاً عن الرجال ومنهم ، فلا تقع أعين النساء على الرجال ، ولا أعين الرجال على النساء ،فلا يبقى للنفس أن تقع في حبائل الشيطان و (( العينان زناهما النظر )) (25) .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ محذراً أيضاً من النظر والإفضاء (26) : (( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد )) (27) فتنتفي الشهوة الحرام إذ ذاك فلا لِواط ، ولا سِحاق ، نعوذ بالله من ذلكما العملين المشؤومَيْن المغضبين لله تعالى المهدرَيْن لإنسانية الإنسان وشرفه وكرامته .
وحذر كذلك من دخول أقارب الزوج على الزوجة في غيابه فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إيَّاكم والدخولَ على النساءِ ! )) فقال رجل من الأنصار : أفرأيت الحَمْوَ ؟ قال : (( الحمو الموت ))(28) ، وقد توقفنا عند هذا الحديث في فصل سابق وبيَّنا خطر الاختلاط وأثره على الحياة في المجتمع والأسرة ، والفساد الذي يؤدي إليه (29) .
وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( لا يخلَوَنَّ أحدكم بامرأة إلا مع ذي مَحْرَم )) (30) وما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما !! . . . أفهم من هذا أن الشيطان يحرّك الإثم في نفسيهما كليهما ، فهو رسول الرجل إلى المرأة ، يضرم فيها النظرة الآثمة والشهوة الحرام ، ورسول المرأة إلى الرجل يضرم فيه النظرة الآثمة والشهوة الحرام .
5 ـ ولعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ النشاز من الرجال والنساء الذين يحاكي كلٌّ منهم حركات الجنس الآخر ، ويتشبّه به في خَلقِه ، وحركاته ، وكلماته .
فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء )) (31) وفي رواية : (( لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال )) (32) .
ثم خصّص القول في رواية أبي هريرة حيث يروي هذا الصحابي الجليل فقال : (( لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجلَ يلبَس لِبسَة المرأة ، والمرأة تلبس لِبسة الرجل )) (33) .
فالله سبحانه وتعالى خلق للرجل ما يناسبه من صفات الرجولة والخشونة ليتحمّل مسؤوليته التي أنيطت به ، وجعل للمرأة ما يناسبها من سمات الأنوثة واللطافة والدلِّ لتقوم بعملها المنوط بها ، فإن خرج أحدهما من لباسه هذا وقلّد الجنس الآخر فهو ناشز مذموم مخنّث محتقَر من الطرفين فهو كالغراب حاول تقليد القطا في مشيه فلا هو استطاع ذلك ، ولا هو استطاع العودة إلى ما كان عليه .
وقد مرّ معنا في فصل (( حب المرأة زوجَها وطاعتها إياه )) عظيم خطر العقوبة التي تنال الزوجة التي تهجر فراش زوجها وهي لعنة الملائكة إياها ، ولا تلعنها الملائكة إلا بأمر من الله تعالى . قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ (( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ، فأبت فبات غضبانَ عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح )) (34)، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة مرَّت كذلك في الفصل المذكور نفسه مع شيء من التفصيل .
6 ـ ونهى النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن وصف النساء ِ النساءَ للرجال فقال : (( لا تباشر المرأةُ المرأةَ ، فتصفَها لزوجها ، كأنه ينظر إليها )) (35) .
فإن فعلت فهذا مؤشر على :
أ ـ قلة دينها .
ب ـ وجهلها به .
جـ ـ وعدم الاكتراث بفضح الأخريات .
د ـ وضعف دين زوجها ، إن استمع إليها وأصغى .
هـ ـ ضعفِ غيرتها أو دليل على سفاهتها .
وأمور كثيرة تنهى عن الخوض فيما حرّمه الله تعالى ، وكان الأولى أن يتنزّه المسلم المؤمن عنها فهي لا تليق به ، بل هي ثلمة في دينه وأخلاقه .
ونهى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن قذف المحصنات العفيفات ، فحين أمر باجتناب السبع الموبقات . ذكر الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ (( . . . وقذفُ المحصنات المؤمنات الغافلات )) (36) ، وقد قال الله تعالى في سورة النور الآية 23 : ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
7 ـ وحذّر النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ المرأة التي رغبت أن تكيد لضرتها بأن تدّعي أنَّ زوجها يُعطيها مالا يعطيه الثانية فتدّعي فضلها عليها ومكانتها الأثيرة عند الزوج ، فقد روت أسماء رضي الله عنها أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن لي ضَرّة ، فهل عليَّ جُناح ( أي ذنب ) إن تشبَّعت من زوجي غير الذي يعطيني ؟ فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( المتشبِّعُ بما لم يُعْط كلابس ثوبيْ زور )) (37) فلا ينبغي أن تتظاهر بفضلها على ضرتها لتؤذي مشاعرها .
كما لا ينبغي للمرأة إذا خطبها رجل قد بنى بأخرى أن تربط موافقتها الزواج منه بطلاق امرأته الأولى ، أو أن تسأله بعد الزواج أن يطلق الأخرى وتعَنته في ذلك ليصفو لها الجو فتؤذيها عامدةً وغير متعمدة .
يروي أبو هريرة أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن . . . (( ولا تسألُ المرأة طلاقَ أختِها لتكفأ ما في إنائها )) (38) . . . وفي رواية : (( وأن تشترط المرأة طلاق أختها )) (39) .
وتكفأ المرأة القدر حين تكبّه على فمه فيفرغ ما فيه فتصب فيه ما تريد ، والمقصود أنه لا ينبغي أن تطلب طلاق ضرتها المسلمة ليكون الخيرُ بعد هذا كلّه لها .
8 ـ وأخيراً نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعْن الحيوانات المفيدة ، وإيذاء غير الضارِّ منها :
أ ـ ففي الأولى ما رواه عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال : بينما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بعض أسفاره ، وامرأة من الأنصار على ناقة ، فضجرتْ (40) فلعنتها ، فسمع ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : (( خذوا ما عليها ، ودعوها ، فإنها ملعونة )) ، قال عمران : فكأني أراها الآن تمشي في الناس ، ما يعرض لها أحد (41) .
وعن أبي برزة نضلةَ بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال : بينما جارية على ناقة ، عليها بعض متاع القوم ، إذ بَصُرَت بالنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وتضايق بهم الجبل ، فقالت : حَلْ اللهمَّ العَنْها. فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة )) (42) .
فهذه شابة من الأنصار في سفر ، اقتربت بناقتها من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مضيق بين جبلين ، وصعُب عليها أن تقود ناقتها في هذا المكان والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قريب منها ، فهابت هذا الموقف ، فأنحَتْ باللائمة على الناقة ، فلعنتْها ، فكان ما كان منها ، وسمع الرسول الكريم ما قالته ، فأمر أن تُترك الناقة عقوبة للمرأة ، ودفعاً إلى تحمُّلِ المسؤولية ، والصبر على الحيوان ، والرأفة به .
ب ـ وفي الثانية ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( عُذِّبت امرأة في هرّةٍ سجنتْها حتى ماتت ، فدخلتْ فيها النارَ ، لا هي أطعمتْها وسقَتْها إذ حبستْها ، ولا هي تركتْها تأكُل مِنْ خَشاش الأرض )) (43) .
وإذا غرَّتك قدرتك على الآخرين فتذكّر قدرة الله عليك . . . لكنَّ هذه المرأة نسيتْ هذا وتسربلت بسمات الوحوش ، فذابت في نفسها الرحمة وتملَّكها الجبروت ، فحبست الهرة ومنعت عنها الطعام فكانت مثالاً للظلم والطغيان . وما عليها إذ كرهت هذه الهرَّة الطوّافة الألوفة أن تطردَها ، فتنطلق في أرض الله الواسعة تبحث عن رزق الله فيها فنالت جزاءها ، والعياذ بالله تعالى أن ينقلب الإنسان وحشاً والآدميُّ حيواناً.
(1) المائدة : 67 .
(2) المائدة : 3 .
(3) رواه البخاري برقم ( 1386 ، 7047 ) ، وأحمد برقم ( 19590 ، 19652 ) .
(4) رواه مسلم برقم ( 1897 ) ، واحمد برقم ( 22468 ، 22495 ) ، وأبو داود برقم ( 2496 ) ، والنسائي برقم ( 3189 ، 3191 ) .
(5) الأمةُ : الرقيقة ، مُلك اليمين ، والحد : خمسون سوطاً ـ نصف ما على الأحرار من العقوبة ـ
(6) التثريب : التوبيخ .
(7) يبيعها مع بيان عيبها للمشتري ، وفي الحديث مفارقة أرباب المعاصي ، وترك مخالطتهم لضررهم .
(8) رواه البخاري برقم ( 2152 ، 2154 ، 2233 ) ، ومسلم برقم ( 1703 ) ، وأحمد برقم ( 8669 ، 10033 ) وغيرهم .
(9) رواه مسلم برقم ( 2128 ) ، وأحمد برقم ( 8451 ، 9388 ) .
(10) التربية النبوية للمؤلف ص 42 ـ 43 .
(11) الواصلة : التي تصل شعرها ، أو شعر غيرها بشعر آخر .
والموصولة : التي يوصَلُ شعرها .
(12) رواه البخاري برقم ( 5935 ، 5941 ) ، ومسلم برقم ( 2122 ) ، وأحمد برقم ( 24282 ، 26378 ) وغيرهم .
(13) رواه البخاري برقم ( 5937 ، 5940 ) ، ومسمل برقم ( 2124 ) وغيرهما .
(14) رواه البخاري برقم ( 4886 ، 5931 ، 5939 ) ، ومسلم برقم ( 2125 ) ، وأحمد برقم ( 4118 ، 4218 ) وغيرهم .
(15) رواه النسائي برقم ( 5049 ) ، والترمذي برقم ( 914 ) ، وانظر : المشكاة برقم ( 2653 ، 4485 ) .
(16) رواه البخاري برقم ( 1292 ) ، مسلم برقم ( 927 ) وغيرهما .
(17) رواه البخاري برقم ( 1294 ، 1297 ، 1298 ) ، ومسلم برقم ( 103 ) ، وأحمد برقم ( 3650 ، 4100 ) وغيرهم .
(18) الرنّة : الصيحة . الصالقة : التي ترفع صوتها بالنياحة والندب .
(19) رواه البخاري يرقم ( 1296 ) ، ومسلم برقم ( 104 ) .
(20) رواه البخاري برقم ( 4268 ) .
(21) يلهزانه : يدفعانه بجُمع اليد في الصدر غضباً واستنكاراً .
(22) رواه الترمذي برقم ( 1003 ) ، وابن ماجه برقم ( 1594 ) ، وانظر : المشكاة برقم ( 1746 ) .
(23) السربال : القميص . القطران : الزفت . الدرع : زرد الحديد يلبسه المحارب ، لكن هنا درع من الجرب .
(24) رواه أحمد برقم ( 25997 ) ، وابو داود برقم ( 4112 ) ، والترمذي برقم ( 2778 ) ، وانظر المشكاة برقم ( 3116 ) .
(25) رواه البخاري برقم ( 6243 ، 6612 ) ، ومسلم برقم ( 2657 ) ، وأحمد برقم ( 7662 ) وغيرهم .
(26) الإفضاء : الإضجاع متجردين تحت ثوب واحد .
(27) رواه مسلم برقم ( 338 ) ، وأحمد برقم ( 11207 ) ، والترمذي برقم ( 2793 ) .
(28) رواه البخاري برقم ( 5232 ) ، ومسلم برقم ( 2172 ) ، وأحمد برقم ( 16896 ، 16945 ) وغيرهم .
(29) فصل (( المرأة فتنة )) .
(30) رواه البخاري برقم ( 5233 ) ، ومسلم برقم ( 1341 ) ، وأحمد برقم ( 1935 ) وغيرهم .
(31) رواه البخاري برقم ( 5886 ، 6834 ) ، وأحمد برقم ( 1983 ، 2007 ، 2124 ) ، وأبو داود برقم ( 4930 ) وغيرهم .
(32) رواه البخاري برقم ( 5885 ) ، وأحمد برقم ( 2263 ، 27206 ) ، وأبو داود بقم ( 4097 ) وغيرهم .
(33) رواه أحمد برقم ( 8110 ) ، وأبو داود برقم ( 4098 ) ، وانظر : المشكاة برقم ( 4469 ) .
(34) رواه البخاري برقم ( 3237 ، 5193 ) ، ومسلم برقم ( 1436 ) ، وأحمد برقم ( 9379 ) ، وأبو داود برقم ( 2141 ) .
(35) رواه البخاري برقم ( 5240 ، 5241 ) ، وأحمد برقم ( 3598 ، 3659 ) ، وأبو داود برقم ( 2150 ) وغيرهم .
(36) رواه البخاري برقم ( 2767 ، 6857 ) ، ومسلم برقم ( 89 ) ، وأبو داود برقم ( 2874 ) وغيرهم .
(37) رواه البخاري برقم ( 5219 ) ، ومسلم برقم ( 2130 ) ، وأحمد برقم ( 26381 ، 26389 ) وغيرهم .
(38) رواه البخاري برقم ( 2140 ، 6601 ) ، ومسلم برقم ( 1413 ) ، وأحمد برقم ( 7207 ، 8039 ) وغيرهم .
(39) رواه البخاري برقم ( 2727 ) ، وأحمد برقم ( 8039 ، 10271 ) .
(40) ضجرت : أي من علاج الناقة وصعوبة قيادتها .
(41) مسلم برقم ( 2595 ) ، وأحمد برقم ( 19369 ) ، وأبو داود برقم ( 2561 ) وغيرهم .
(42) رواه مسلم برقم ( 2596 ) ، وأحمد برقم ( 19291 ) .
(43) رواه البخاري برقم ( 2365 ، 3482 ) ، ومسلم برقم ( 2242 ) .