المقامة الفرنسية

جمال المعاند -إسبانيا

[email protected]

-  نضب ضحضاح رجائي ، بعدما أمضيت في إسبانية مايقارب عقداً من الزمان، ما اطمأن لي فيها جسم ولا جنان، فقوانينها مما يضعه الإنسان، و تخضع بين فينة وأخرى لغض العنان.

واستشرفت نفسي جارتها فرنسة، وهي بلاد جميلة، لا تخلو بقعة فيها من خميلة، أنهارها كثيرة، وعمارتها تليدة.

بيد أن ما استقر في الذاكرة أنها ولود للخبث من أي فكرة، أَعْمَلَتْ مبضعها في أوصال أمتنا، ولا يزالون يبطنون لنا غلاً لكل فترة . وفي وجهة أخرى نشروا لسانهم ووصلوا به لمرتبة الأستاذية بين لغات البرية، ومجتمعهم الذي بلغ الوصية لمعت في ذهنه لمعة، فرغب بإنساء الأجل، بمد نفسه  بشرايين الأمل، بإنتاج جيل جديد هجين، فعمد إلى تعديل الصفات الوراثية والسلوكية لمن يلدون على أرضه.  ورغم التمدن والتواصل، ورقي الناس وخبرتهم بالنوازل، فإن أساطيلهم تمخر عباب البحار،  وتَجَبُّرُهم رآه وسمع به البدو والحضار. فقلت أثبت الأمر وهم بمرأى مني، وأستبرئ أمرهم، فدامجت الحديث عنهم ممن يعيش بين ظهرانيهم ويتقن لغتهم، وبعد إيراد وإصدار أخبرني من أثق بحصافة رأيه أن معاهدهم للطلاب من كافة الأقطار، ففسرتها لعلهم  يريحون تعب ضمائرهم مما جنته جوارحهم . غير أن في طيات الكلام وتفحص أحوال من البشر فئام، بان لي ملمح سوء الطوية ، فطلبتنا لديهم يأتمون بسمتهم ويطؤون مواقع أقدامهم، ويطبعون بخاتمهم إلا من رحم ربي . وعلاوة على ذلك يهيئون لمصانعهم ومزارعهم عمالة مثقفة ، فيما تفرغ أبناؤهم لعلوم التقانة فلا يدخل العلوم النظرية منهم إلا من نشأ في الحلية، أما من كان على غير هذه السوية فالأساطيل بانتظاره .

 وطلبتنا عندهم يحفظ عن مولير وعبارته الرقيقة ما لا يحفظ للجاحظ ومن لف لفه ممن هم في الكلام صاغة ، ويعرف عن هيجو جامد الروية ما لا يعرفه عن ابن المقفع رفيع الطبقة ، وقرأ لسارتر وفي رأيه ضم ضجعة ، ما لم يقرؤه لابن خلدون وحجته الدامغة .

واستقصيت عن إرضاعهم لأبناء المسلمين من أفاويق علمهم ، فإذا به عقوداً من الزمان ما نابنا نحن أبناء جلدتهم.

إلا إمعاناً في التنكر للدين، وفرنجة في العادات ما كان يفعلها حتى القيان، وعجمة تأنف منها لغة عدنان . 

ولازال بين تقانتنا وتقانتهم بعد المشرق عن المغرب.

تساءلت لماذا لبس طلابنا العلم على غثيثة ، وعنوا بالقشور دون البذور؟.

فما نبت في أرضنا  عارف يشار إليه بالبنان . فحوقلت واسترجعت من جهد دعاتنا الذين لم تثمر تربيتهم لِنَشْئِنا إلا ثماراً عجافاً ورضوا منها بمحاصيل آنية خفاف.