الإسلاميون والغرب

الأعداء رغم أنوفهم

زهير سالم*

[email protected]

 باختزال شديد يصنف باحثون ودارسون وصناع قرار غربيون (الإسلاميين) في خانة العداء للغرب. ويستتبع ذلك سياسات وقرارات ومواقف لا تخدم الحقيقة كما لا تخدم المصالح المتبادلة بين شعوب عالمنا المسلم وعالم الغرب بآفاقه المتعددة.

 وعنوان (العداء للغرب) مفهوم ضبابي ومختلط ويحمل الكثير من المغالطات والتباينات والمفارقات. فهل حقاً أن العالم الإسلامي بشكل عام وأصحاب المشروع الإسلامي فيه بشكل خاص هم (أعداء للغرب) بالجملة وبكل ما فيه..

 لا يؤثر في هذا الاعتقاد في رؤوس أصحابه وقلوبهم أن الإسلاميين على اختلاف تجسداتهم متفقون على موقف إيجابي من المشروع الحضاري الغربي. فهم ينظرون منذ رفاعة الطهطاوي إلى المشروع الحضاري الغربي على أنه مشروع ناجح ورائد وتجربة تُحتذى في ميادين كثيرة. و هم يحاولون تتبع آفاق التجربة الغربية العملية في أسسها ومبانيها لينقلوها إلى عوالمهم المحكومة بعوامل الإخفاق. كل ما في الأمر أن الإسلاميين يتمسكون بحقهم، كما الغربيين، في التمييز بين ما يقبلون وما يرفضون. وهم يؤكدون أن لديهم قواعدهم الخاصة التي على أساسها يميزون بين الجميل والقبيح. وهم يتشكون دائما أن بلادهم محرومة من الاستفادة من المعطى الغربي الإيجابي بفعل فاعل ، وقرار صاحب قرار.

 والإسلاميون هم الأسبق، فيما يظنون ويؤكدون، إلى تقرير ضرورة الاعتراف واحترام الآخر الإنساني والحضاري والديني، فقد كانت العقائد والأفكار والملل والنحل تتماوج تحت رايات الإسلام السياسية يوم كانت الحروب الدينية ومحاكم التفتيش هي السائدة في حضارة وعالم الغرب.

 يؤمن الإسلاميون على هذا الصعيد بضرورة أن تبقى النوافذ الحضارية مفتوحة بين بني الإنسان على قاعدة وحدة الأصل الإنساني، والاشتراك في الكرامة الإنسانية، وكون الحكمة، وهي العنوان الجامع لكل ما هو نافع ومفيد، غاية كل عاقل رشيد، أنى وجدها فعليه أن يسعى إليها.

 على هذا الأساس فإن الإسلاميين ومِن ورائهم أو أمامهم كل شعوب الجغرافيا الإسلامية لا يضمرون (كراهية) أو (شراً) أو (حقداً) لأبناء أي حضارة أو عرق أو اتباع أي دين بوصفهم الإنساني المجرد، الذي هو حسب العقيدة الإسلامية محط الكرامة للجنس الإنساني باعتباره المطلق (ولقد كرمنا بني آدم..)

 

الإسلاميون لا يرفضون أياً من القيم الإنسانية الخيّرة في الحرية والعدالة والمساواة والتعاون والتعاطف والسعي إلى الإنجاز؛ بل هم الدعاة إلى ذلك والسباقون إليه، وإن حدث خلاف مفاهيمي على بعض هذه القيم فهو خلاف يقوم على التكييف البيئي أكثر من قيامه على المفهوم النظري التجريدي.

 الإسلاميون يُكبرون في الغرب مشروعه المعرفي في بعديه: الإنساني والتقني. وهم كثيراً ما يلومون قياداتهم وحكوماتهم على التقصير الذي يضرب أطنابه في عالمهم في ميادين البحث العلمي، وتمكين الإنسان من المعارف التي تعينه على أن يكون صانع حضارة وليس فقط مستهلكا لمنجزات الآخرين من بني الإنسان.

 والإسلاميون لا يختلفون مع الغربيين في مشروعهم لتكريم المرأة، وتحريرها وتمكينها. ولكنهم يملكون مفهومهم الخاص للتكريم والتحرير والتمكين. مفهوم لا يتحمل وزر الواقع التاريخي الذي تعيشه النساء المسلمات في هذا العصر بالتأكيد، كما لا يتحمل وزر الاجتهادات المنغلقة التي تصدر عن بعض المتحدثين باسم المسلمين، أو الممثلين السياسيين لهم، بل إن وجود هذه الاجتهادات دليل مادي على سعة صدر مشروع الإسلام. يتساءل الإسلاميون لماذا يعتبر الغربيين أن من حقهم أن ينظموا قواعد العلاقات الاجتماعية في مجتمعاتهم ولا يقروا بمثل هذا الحق للمسلمين . وهل يملك أحد على الصعيد الحضاري القائم على الحوار والاحترام أن يفرض نفسه على العالم بأنه الأكمل والأجمل على كل صعيد!!

 والإسلاميون في الكثير من أقطارهم أعلنوا إعجابهم بالآليات السياسية التي توصل إليها الغرب لتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ووضع قواعد الدولة الحديثة، من حيث حرية الاختيار وقواعد الشفافية والمساءلة المنظمة وآليات التداول السلمي للسلطة، والتكافؤ في الحصول على الفرصة، وكذا قواعد بناء المجتمعات  التعددية الحرة التي تعتبر المواطنة مناطا عاماً للحقوق والواجبات يلتقي عليه الجميع كقاعدة سواء..

 ينظر الإسلاميون إلى التجربة الحضارية الغربية على أكثر من صعيد كأنموذج، وهم دائما قادرون على المقارنة مع أنموذجهم التاريخي الذي لا يزال حيا في أنفسهم. ولعل هذه المزاوجة أو المقارنة لا تضر حقيقة المشروع في شيء. ونعتقد أن الإنسان الغربي في حالة من النضوج تجعله فوق الالتصاق بالحالة النرجسية للدعوى التي يحرص عليها المتبجحون.

ومع ذلك يصر الغربيون على تصنيف المجتمعات المسلمة والإسلاميين بوجه خاص كأعداء للغرب!! إنهم الأعداء رغم أنوفهم.

 أين تكمن المشكلة إذن؟!

هل المشكلة في التاريخ تاريخ الإنسان الغربي الذي تعود أن ينظر إلى الخارطة الإسلامية كموطن للأعداء؟!

 هل المشكلة في الكينونة الغربية التي بنيت تاريخيا على رفض الآخر ونبذه ومحاولة استئصاله. نتوقف عند الشعارات المرفوعة ونذكر العلاقة بين الطبع والتطبع!!

 هل المشكلة في حاجة السياق التاريخي الغربي إلى نقيض أو عدو سياسي ليعطي للحراك التاريخي الغربي معناه، لئلا يُحاصر هذا الحراك في قرارة نهاية التاريخ، على ما قرره يوما فوكوياما، ولاسيما بعد أن حسمت الرأسمالية الأمريكية التناقضات الغربية الداخلية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.  

 هل المشكلة ذات سياق سياسي يعبر عن حقيقة واقعة. حقيقة أن الغربي يريد في الجغرافيا الإسلامية (أتباعاً) ينزلون على أمره، ويقولون بقوله، ويؤمنون مصالحه..

 قد تكون المشكلة هي مزيج من كل ذلك، ولكن هذا الواقع لا تتحمل مسئوليته الشعوب المسلمة ولا الإسلاميون. الإسلاميون ليسوا، كما يحاول أن بصورهم بعض الغربيين وبعض مجنديهم في بلاد المسلمين، أعداء للحق والعدل، ولاهم أعداء للمعرفة والتقدم، ولاهم أعداء للخير والجمال. إنهم يقدمون أنفسهم للعالم، كما الغربيين تماما، رسل حب وخير وصناع حضارة، وشركاء في تحمل مسئولية سعادة الإنسان. 

 وهم يرون أنهم قادرون بالمزاوجة بين ما يمتلكون من خلفية ثقافية وحضارية وبما يستفيدون من علوم وتجارب عصرية أن يجعلوا العالم وليس فقط بلدانهم أكثر أمنا وأكثر رفاها وأن يضبطوا العلاقات الإنسانية برحمة أكثر.

 فقط عندما يحمل الغربي مشروعه للهيمنة أو السيطرة فإن الإسلاميين يكونون في رأس الأعداء الرافضين والمقاومين، تماما كما يفعل كل غربي شريف متحضر عندما تراد بلاده بمثل هذا المشروع.

               

(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية