وتظلُِِِِِِِ في قلوبنا
فاطمة عبد المقصود
تمر الـأمكنة علينا عبر الذاكرة فنقف أمام بعضها يشدنا الحنين ونتحول عن أمكنة أخرى لا تملك من الحب والتعلق نصيبا.. لكن تعلقنا بك وتوقنا إليك لم يأتى عبر الذكرى أو قرب المكان.. فقد ابتدأت علاقتنا بك منذ زمن بعيد بعيد.. لم نكن قد وُجدنا بعد حين أُلقيت بذرة الحب فى قلوبنا لتكون طاقة ترسل الأشواق وتبث الحنين.. كان ذلك فى ليل نورانى اجتمع فيه علو السماء مع طهر الأرض، لامست تربتك المقدسية أقدام تطهرت بالرسالة وسمت بالإصطفاء.. هاأنت تعبق من شذا رياحينهم فتتضوع مسكا يصل إلى أنوفنا، هاهو خير الأنام يقود جمع الأخيار فترتسم على أرضك خطوات مباركة تبدأ من عندك وتنتهى إليك..كنت أيها المقدس شاهدا على تكامل البناء واكتماله كما أراد له رب الكون ومدبره أن يكون.. واكتمل عقد الضياء حين انتشرت فى آفاقك تكبيرات خفاقة وارتجت أرضك بتأمين يخترق السماء ليصل لرب السماء.. ثم علا اسمك فوق كل اسم حين امتزجت حروفه بحروف النورالربانية وجاورت فى المكانة أطهر البقاع وأقدسها فزدت شرفا وزدنا لك حبا ووجدا..
صرت غرسا يانعا فى قلوبنا.. صرت القريب البعيد.. بعيدٌ لأننا لا نملك أن نصل إليك فنكسر عنك القيد ونغتسل سويا بدموع الشوق واللقاء .. وقريبٌ لأنك تسكن فى الحنايا وتنام بين الضلوع، تتألم فيبكى القلب توجعا.. وتدمع حزنا فينفطر الدمع من مآقينا عجزا وحزنا..
كنا صغارا ننظر إلى صورتك فى الأسردامعة حزينة - وفى خافقنا أنك كنت يوما قبلة الوجوه مع القلوب والعقول المتوجهة إلى خالقها بالمناجاة والدعاء- فنود لو كانت لنا أجنحة نطير بها إليك فنمسح الدمعة الغالية، ونضمك إلى قلوبنا فتسكن ونسكن..ثم نتحول إلى قطرات زيت تمتص من ضوء مصابيحك وهجا فتشرق أنت عزة وسلاما..
كنتَ تنادينا فكنا نهدر بالآهات ونجيبك أنا "قادمون" وبأن الفجر قريب.. لكن ظلت كل الخطوات بعيــــــدة لم تتقدم وبقيت بقيد لم يتكسر..
ثم كبرنا.. تمدد الحلم وطال حتى توارى فى ساعات الغفلة خلف سحائب وهم كادت أن تردينا.. لكنّا مازلنا رغم العجز ورغم البعد نتطلع بحب إليك ونرى الطعنات المتسابقة إلى حماك فينتفض بداخلنا نبض مشتعل هو جزء منك قد سكن فينا.. نمد الأيدى نحوك نرجو أن نحمى طهرك لكنا نبصر بها بعضا من قطرات دمك المتناثر فندرك أننا آثمون.. متآمرون...قد طالت لدينا ساعات الغفلة وأغرى نومنا الهانىء تلك الذئاب المتراكضة إليك كى تظفر بك وتنال من قدسية تربك، وتجعل كل الأمكنة سواء فى الدنس وفى الرجس..
هل لنا أن نبكى حقا؟ هل لنا أن نناجيك كما كنا نفعل قبلا ونقول "نفديك"؟!
هل ستقبل عذرنا بعد أن ولينا ولم نرعى النبتة فى أعماقنا لتصير أشجارا تحوطك وتذود عنك؟..هل ستصرخنا كى نحيى ما مات فينا؟
ها أنظرإليك فأرى نظراتك العاتبة تقول بأن الأشجار حولك لا تنام ولا تبيع، أنهم وأنهن أمل يسمو نحو الحلم ..يحوطونك.. يدفعون عنك..ولن تبقى معهم وحيدا..
ها أنت لم تحول وجهك عنا غضبا، بل تدعونا أن نستعيدك معنىً راسخا فى القلب.. معنىً يفجر اليقين ويُنبت الولاء..
أسمعك تستحثنا لبدء الخطوات المتدافعة من الآن.. فالطريق إليك يقصر بالهمة والترقى ويطول باليأس والقعود..
سنمضى أيها الحبيب على الطريق.. بإيمان يقربنا وعمل يبلغنا، وستجد الروح تتوقد قريبا فى زهرات يانعات وبراعم مشرقة ورياحين تتطلع لموعد النصر.. ستعود الروح فينا لأن دقات قلوبنا هى أنت..نسائم الفرح هى اسمك الغالى.. وتحليق الروح هو اقتباس معانيك..
مازلنا نبصرجراحات الجسد الكبير فندرك أنك أنت النبض الذى يبقيه حيا، بل سامقا عزيزا.. منك سنقتبس معالم الهدى وندرك طريق الوصول..
نحبك يا مسجد الطهر والإباء.. نحبك أيها الأقصى الشريف..يا مسرى خير الأنام وقبلة الوجوه فى العهد الأول...وإنا على الطريق إليك لسائرون..