أين الخلل

أين الخلل ؟

د.محمد سالم سعد الله *

[email protected]

أحببت أن أكون بين جوانحي ، سائحاً متأملاً سر مطامحي ، فمنذ زمن لم يعرف النبض فؤاده ، ولم يتقن حركته ، قد تكون نفسي ملهمة ، عاشقة ، مولعة ، مولهة ، .. ، أو قد تكون جريحة ، أسيرة ، مكبلة ، عندما لا تعرف الأشواق طريقاً نحو المستحيل ، فكيف ترجو منها احتضان البسمة وشفاء العليل ، لا تسترسل .. فكلامك ما عاد مسموعاً ، وشجنك لم يزل خنوعاً .

يا ترى أين الخلـل ، وأين يرتسم الخطأ والزلل ؟ .

رجعت إلى نفسي أندب فعلها ، فلم تجبني وسارع إلى قلمي وصفها ، باتت لا تعرف الهوادة ، ولا تركن لثبات ولا لنصح ولا لابتسامة ، صوتها أسمع الآفاق ، ولم يبق من صديق ولا أنيس ولا رفاق ، تُرِكتُ أنا وهواي ، نتبادل القبلات .. اللعنات .. الضربات ، ونرجع كلانا لنتأمل كلينا ، بعضنا فينا ذائب ، وكلنا إلينا صائب ، لم تجر رياحنا بما تشتهي سفننا ، كنا نسمات بين أخريات .. ناعمات .. كثيرات ، وكنا كمن بطرت معيشتها ، فاستمتعت وزال عنهن ودّها . ودّها !! الود طريق مغلق يسلكه أرباب النبض الحنون ، لكنهم سرعان ما يدركوا أنهم كصاحب الجب المفتون .

  أحبك يا نفسي ، لكني لن أقوَى على مجابهة رأسي ، إنه يرفدني .. يمنحني .. بل يجرني إلى أفكار تلو أخرى .. أفكار لا تنتمي إلى خارطة السكينة والحب والحنين ، وتقتل معها كل شوق وكل حب وكل يقين .

يا إلهي .. أعترف بين يديك ، وأسجد تائباً بين غفرانيك ، فإني مشيت وذنوبي إعصاراً وبركاناً ، ولم أرعوِ لا إلى ألم يأن .. ولا إلى سابقوا .. ولا إلى سارعوا .. ولا إلى رضواناً ، تاهت نفسي ببعدي عنك ، وتضخم ذنبي بتقصيري نحوك ، أحبك وأحب أن أصارحك ، أبث لذاتك ، أشكو مني إليك ، أحمد صفاتك ، لا أبغي إلا عفوك ، أعلم أن كل ما يصيبني هو مني ، وأن كل ما يحييني هو منك عني .

شممت زهوراً عديدة ، قطفت رياضاً مديدة ، زعزعت بنى سديدة ، كنت ليثـاً تطارده الغزلان ، وتركن إلى رحابه حور الجنـان ، وكنت لا أكتفـي ، كمن فتح حضناً للنار ليكتـوي ، آه .. ثم آه .. تعبت من مسار متعثر الخطوات ، مللت من طريق مليء بالمطبات ، أين الكلمات ، ما بالها تخونني العبارات ، ركضت ضارياً أسعى لاكتساب الحنان ، مقبلاً بذلّ العبد إلى الرحمن المنـان ، يا سلالة أحبابي ، اعتذر شوقاً لأسبابي ، لعلي أصلح خللاً قد يضمحل ، أو جرحاً نازفاً قد يندمل .

أين الخلل ، وأين يتضح الخطأ والزلل ؟

أسكن معي ، آكل معي ، أنام معي ، لكني لم أكرهني ، لم أجلد مودتي ، لم أغتصب بسمتـي ، لم أعلن على الملأ لعنتي ، ما زلتني طيباً ودوداً ، محباً للناس ولأجلهم خادماً حموداً ، كلما أراني في مرآتي ، أحزن لحال مرساتي ، فكم ذهبت وغابت وتوارت ساعاتي ، آه على دمعاتـي ، سُكِبت لعبرات أو لطاعات أو كونهن حبيسات .. لا أعلم ، المهم أنهن أعلن عصياني ، وفضحن ما كان في فؤادي من أحزاني ، آهٍ على بنياني ، كنت أرسمه عظيماً شامخاً متعالياً ، وأتطلع إليه نبيلاً مثالياً .

شققت أجزائي ، سجنت أعضائي ، كبلتُ عطائي ، أقفلت سمائي ، أجلت سرائي وضرائي ، بحثاً عن وفائي ، وفاء متوارٍ قد يكتسي ألواني ، يهز كياني ، يبتلع حناني ، يزلزل وجداني ، ومعها سأعلن وفاة أحزاني .

إذن أين الخلل ؟  

               

    *عميد كلية اللغات / جامعة المدينة العالمية/ماليزيا