دروس من التاريخ

محمد فاروق الإمام

المخططات الصهيونية لتهويد فلسطين

مؤتمر بازل عام 1897م

محمد فاروق الإمام

[email protected]

إن ما تقوم به إسرائيل اليوم من هجمة على القدس ومحاولة لتهويدها، ومن طرد لسكان القدس والاستيلاء على منازل وأحياء المقدسيين، وما تبنيه من مستوطنات حول القدس والضفة الغربية، والعبث بالمسجد الأقصى الشريف وحفر الأنفاق من تحته، والتي تهدد بناء هذا المسجد سعياً لانهياره. هو بداية النهاية لمشروعها الكبير الذي بدأت التحضير له عندما عقدت مؤتمرها الصهيوني الأول مع مطلع عام 1897، والعرب والمسلمون منشغلون في حروب من فعل أيديهم أو فرضت عليهم منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، دون أن يعو حقيقة ما تخططه لهم الصهيونية والغرب.. وحتى نفشل مخططات الصهيونية لابد من توعية الأجيال الشابة وتعريفها بهذه المخططات التي تستهدف فلسطين وتهويدها، لاستنهاض هممهم في التخطيط الحكيم للوقوف أمام هذه الهجمة الصهيونية الشرسة التي هدفها ليس تهويد فلسطين من البحر إلى النهر فقط بل إقامة دولة إسرائيل من ضفاف نهر الفرات إلى ضفاف نهر النيل.. فتعالوا نتلمس خطوات بني صهيون لنأخذ منها العبر والدروس:   

مؤتمر بازل الصهيوني الأول:

كان مقرراً عقد هذا المؤتمر في ميونخ بألمانيا، لكن عندما أرسلت الدعوات الرسمية غضب اليهود الغربيون وأعلنوا سخطهم على المؤتمر، واعتبرته الصحافة الألمانية اليهودية خيانة، كما رفضت رابطة رجال الدين اليهود في ألمانيا هذا المؤتمر بشدة.

أدت هذه الحملة إلى نقل مكان المؤتمر إلى بازل في سويسرا، وانصرف هيرتزل إلى مراسلة زعماء اليهود قاطبة، يحثهم على انتخاب النخبة البارزة بينهم.

عقد المؤتمر أخيراً في بازل (29ـ31 آب 1897م)، وحضره 204 أعضاء من اليهود، يمثلون 15 دولة، وترأس هيرتزل المؤتمر.

وضع المؤتمر ما عرف فيما بعد باسم "برنامج بازل" الصهيوني، والقرار الأساسي الذي اتخذه المؤتمر هو: (إن غاية الصهيونية هي خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام).

وحدد المؤتمر الوسائل الكفيلة لتحقيق هذه الغاية بما يلي:

1- تعزيز الاستيطان في فلسطين باليهود المزارعين، والحرفيين، والمهنيين، وبناء على قواعد صالحة.

2- تنظيم اليهود كافة، وتوحيدهم بواسطة إنشاء المؤسسات المحلية والعامة الملائمة، وفقاً للقوانين السارية في كل بلد.

3- تقوية الشعور اليهودي القومي والضمير القومي.

4- اتخاذ الخطوات التحضيرية للحصول على موافقة الحكومات التي يجب الحصول عليها، لتحقيق هدف الصهيونية.

ومن الناحية التنفيذية، أسس المؤتمر (المنظمة الصهيونية العالمية)، وانتخب هيرتزل رئيساً للمنظمة الصهيونية، وتم إقرار النظام الداخلي للمنظمة وهيكلها التنظيمي وشروط العضوية، فمنح حق العضوية لكل يهودي في العالم يلتزم ببرنامج بازل، ويدفع اشتراكاً سنوياً يسمى (شيقل) - وهو وحدة العملة التي كان يتداولها العبرانيون القدامى - وللمنظمة رئيس ولجنة تنفيذية ومجلس عام يتمتع بصلاحياته المؤتمر ما بين دورات انعقاده. كما أقر المؤتمر شكل العلم الصهيوني (ترس داود) ونشيداً قومياً.

وجدير بالذكر أن مؤتمر بازل قد تعمد أن يستعمل في قراره الرئيس تعبير (وطن)
لأسباب دبلوماسية، بينما كان القصد الحقيقي للمؤتمر منذ البداية هو "دولة يهودية". وقد أكد هيرتزل نفسه هذه الحقيقة في مذكراته بقوله : " لو أردت أن ألخص مؤتمر بازل بكلمة واحدة ـ وهي كلمة سأحرص على ألا أتلفظ بها علناً ـ لقلت : (في مؤتمر بازل أرسيت أسس الدولة اليهودية).

كان مؤتمر بازل انعطافاً أساسياً في تاريخ الحركة الصهيونية، ولكنه ـ على الرغم من ذلك ـ مجرد خطوة على طريق طويل، وهكذا توجهت الحركة الصهيونية، بعد ذلك المؤتمر، للعمل على جبهتين بوقت واحد: الجبهة الداخلية بهدف استكمال تنظيماتها وكسب ولاء اليهودية العالمية، والجبهة الخارجية بهدف كسب تأييد حركة الاستعمار الأوروبي العالمي...... يتبع.