وصفة عملية لامتلاك الاستقلالية الشخصية
للكبار والشباب
جمال سعد حسن ماضي
يقول تعالى : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم , قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذى جاءك من العلم مالك من الله من ولى ولا نصير } البقرة : 120 .
فقد جاء الإسلام ليغرس فى النفس استقلاليتها ، وفق مباديء ثابتة ، تخطو بالإنسان نحو أكمل وأنضج وأمتع حياة ، فالاستقلالية هى التى تولد الاستقرار والتطوير فى الشخصية ، يقول تعالى : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } آل عمران : 28
والاستقلالية هى التى تمنح العزة والكرامة للإنسان ، فيعمد إلى تجديد حياته دائمًا ، ومن ثم تختفى بيننا ما يعرف بالشخصية الاعتمادية ، التى تميل إلى الاعتماد على الآخرين للحصول على ما تريد ، سواء كان ذلك شعوريًا أو لا شعوريًا ، غير عابئة بأى مسئولية تقع على كاهلها شعوريًا أوتنفيذيًا.
وبهذه الشخصية الاعتمادية تغلق أبواب التربية الذاتية ، حيث تختفى كل مظاهرها ، فالشخصيات الغير مستقلة تبحث عن القوة فى الآخرين ، ودائمًا تستجدى العواطف بالمذلة والهوان , لضعفها واعتمادها على منح الآخرين ، حتى فى العواطف .
ولذلك فهى تخاف من الحرية حينما تمنح لها ، لأنها لم تتعود على أن تكون صاحبة قرارها ، فقرارها دائمًا بيد غيرها ، وهذا ما يعرف فى الإسلام بالشخصية الإمعة المسايرة للآخرين ، وكلما تحررت الشخصية من كل صور الاعتماد على الغير والتبعية له ، أصبحت مستقلة ، لأنها هنا هى التي تؤثر فى غيرها ، وقد صور القرآن ذلك فى قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا } لقمان : 21
ولهذا وجّه النبى صلى الله عليه وسلم كل مسلم إلى التميز والاستقلالية الشخصية , فى فكره , ومواقفه , وسلوكه , وآرائه , فقال : [ لا يكن أحدكم إمعة ] .
وهذه خطوات عملية لغرس الاستقلالية فى ذواتنا :
1ـ اعرف نفسك جيدًا
فأنت الوحيد الذى يعلم نفسه ، وأنت الوحيد الذى تعرف عيوبها وقصورها وضعفها ، وأنت الوحيد القادر على التعامل معها وتربيتها , فمَن غيرك يكتشف مجاملاتها وتصرفاتها ؟ ومَن غيرك الأقدر على علاج جوانب تقصيرها ؟ .
وأسأل نفسك هذه الأسئلة :
ـ هل تطلب رأى الغير فى كل شيء ؟
ـ هل تعتمد على الغير فى كل أزمة ؟
ـ هل تحاصر الغير بكثرة طلباتك ؟
ـ هل تأخذ الكثير من وقت وجهد الغير ؟
احذر من الإجابة بـ ( نعم ) على هذه الأسئلة .
2ـ احترس من التأثيرات الخفية :
هناك تأثيرات خفية للذات ، تمنعك من الاستقلالية ، فاحترس منها , لأن الحذر من الوقوع فى شباكها ، هو أول خطوة لك فى الاستقلالية ، فمن تأثيراتها الخفية ، إشعارك بالإهمال إن تركتها وتخليت عن الاستجابة لنزواتها ، أو إشعارك بالذنب لعدم تحقيقك ما تريد ، ولذلك يجب أن تكون واضحًا منذ البداية ، من إفهامها بأن اهدافك لا تتحقق إلا بك وحدك ، وعليها أن تساعدك ، فلن يساعدك إلا ذاتك ، بالارتفاع عن الشهوات والنزوات والرغبات .
3ـ ساعد ذاتك فى النمو الذاتى :
تهيئة الفرص المناسبة نحو الاستقلالية ، ليس لها إلا معنى واحد مع النفس ، إنه فى إكسابها الخبرات والمهارات اللازمة للنجاح ، حيث تتقوى على النمو الاستقلالى ، وتتغلب على كل ما يواجهها من عقبات تحول دون النمو الذاتى ، والطريق إلى ذلك يكون بالمزيد من المرونة والتلطف , والمحاولة بعد المحاولة ، والسماح لها بالتعبير الحر مع التوجيه والتهذيب .
4ـ الاعتراف بالخطأ وإصلاحه :
فالاعتراف بالخطأ قوة للذات ، ويرفع من قدر استقلاليتها ، فى إصلاح خطئها ومعالجته ، وهذا ما يحتاج إلى إرادة وعزيمة وإصرار وإيمان ، ثم تعزيز دائم لها ، وبمنحها مكافأة عند النجاح ، بقدر اعترافها بالخطأ وتصحيحه ، وبقدر عزمها وقوتها ، وهذا ما أوصى به النبى صلى الله عليه وسلم ابن عباس فى قوله : [ احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ] رواه الترمذى .
5ـ ابدأ متوكلا على الله :
ابدأ بالعمل والفعل ، حتى تتعود على الإحساس بالمسئولية الشخصية ، وتعرّف على أسرار العمل والحياة ، فإن ذلك يزيدك شعورًا بقوة الشخصية ويؤكد ذاتك وثقتك بقدراتك ، وبتحقيقك للعمل تكون قد رسمت لك طريقًا فريدًا , مع أسرتك أو فى عملك أو مع الناس .
6ـ كن عمليا مع ذاتك :
خذ بها إلى العمل الدائم ، والسلوك المتواصل ، مما يكسبك مهارات التعامل معها ، والمهارات لا تكتسب إلا بالتدريب ، فكلما كانت الممارسة كان التأثير الأعظم ، والممتد فى الحياة .
ومن أجل أن تكون عملياً كن واضحًا , فلا تفعل فى الخفاء غير العلن ، وكن واقعيًا فلا تطلب المثاليات أو تحملها بالحد الأقصى بل وفق قدراتها ، وكن مرنًا بمعنى أن تهتم بالهدف دائمًا .
وبذلك تضمن إكسابها القدرة على حل المشكلات ، وتملك براعتها فى الإنجاز ، وتحافظ على مثابرتها في العمل ، وتحظى بمواجهتها للفشل والإخفاق ، وهذه هى مهارات الاستقلالية الشخصية .