مضى عشرون عاماً على تفكيك جدار برلين!!
فيصل الشيخ محمد
تصادف هذه الأيام الذكرى العشرون على تحطيم جدار برلين الذي قسم المدينة الألمانية إلى مدينتين واحدة غربية والأخرى شرقية.
وقد ظن الزعيم الألماني الشرقي أريش هونكير – واهماً وقد أخذته العزة بالإثم – أن جدار برلين وجد ليدوم، وأنه لن ينهدم في يوم قريب، فقد تصور أنه سيبقى لأكثر من مئة عام، كما قال، بل إن قادة برلين الشرقية أسسوا دستورهم في سبعينات القرن الماضي على أن هناك أمتين ألمانيتين، بتطور مختلف ومتفاوت اجتماعياً واقتصادياً وفكرياً، ونظام سياسي متعارض، يفصل بينهما أربعين عاماً ما بعد الحرب، وإن كانت فصيلة الدم جرمانية واللغة ألمانية.
وللذكرى – وأخص بها بقايا الطغاة – فإن هونكير في العام 1989 كان يستعرض في عيد العمال العالمي – الأول من أيار – كتلاً بشرية متراصة، كلها تهتف له ولحزبه وللاشتراكية، وهو منتفخ الأوداج كالديك الرومي يشعر بزهو ما بعده زهو وهو يستعرض جيشه وقد أحاطت به جوقته التي خبرت وأجادت أساليب دفع الجماهير للهتاف له (بالروح بالدم نفديك يا.. هونكير.. هونكير.. زعيمنا إلى الأبد).. وقد عميت بصيرة هذا المغرور عن حقيقة أن المجتمع الألماني كان يخفي في الوقت نفسه هشاشة تركيبة نظامه الاجتماعية، والنقص الحاد في الديمقراطية وحرية تفكير الناس، وتعطل عملية التنمية وانحسار الثقة بين الحاكم وجمهوره، بعكس ما تحياه برلين الغربية، وما تنعم به من حرية وديمقراطية واحترام للرأي الآخر دون إقصاء أو إبعاد أو نفي أو تمييز أو استئثار.. أو موافقة أمنية للألماني لزيارة بلده والتعرف على أهله وعشيرته!! ناهيك عما تنعم به برلين الغربية من نمو اقتصادي، جعل منها القوة الاقتصادية الثالثة في العالم، بينما ألمان برلين الشرقية يتضورون جوعاً وتلهب ظهورهم سياط رجال الأمن الذين جيّشهم هنكير لحمايته وحماية نظامه.
كان هنكير ينام في برجه العاجي وسط قلاعه الأمنية قرير العين يحلم بأحلام وردية، وقد خدّرته الهتافات التي تصدح بها حناجر الجماهير، مطمئناً لحصنه الذي بناه على قواعد أمنية وجاسوسية، ظناً منه أنها ستكون مانعته من أي خلل قد يصيب نظامه، أو أي تهديد يريد شخصه وأسرته والجوقة التي تعيش من حوله.. ولم يتبادر إلى ذهن هذا الطاغية أن الجدار قد انهار منذ ساعات بنائه الأولى، ونمت بذرة تفكيكه في ضمائر وعقول وأفئدة الناس، وهذا ديدن كل الأنظمة الاستبدادية التي لا ترى إلا ما تريد أن ترى!!
وذهب الطاغية إلى الجحيم وتهدم جدار برلين وتعانق الأحبة والأهل والأصحاب والأصدقاء عناق شوق وحنين، وضم الأخ أخاه والولد أباه والأم فلذة كبدها.. وراحة اللعنة تلاحق هنكير ومن كان حول هنكير وتطارده إلى يوم الدين ولم يحل الجدار بينه وبين أنكر ونكير!!