حيا الله الدكتور عمارة
السيد علي علي شعيب *
قرأت مقال" المزورون الماركسيون" للدكتور محمد عمارة في موقع "المصريون" بتاريخ 15 يوليو 2009، والذي يتهم فيه العلمانيين بتزوير وتزييف كتاب الأستاذ الإمام محمد عبده (الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية) والذي تجاوز تزوير العنوان إلى تزوير رسالة الكتاب!!.
ولقد صادف ذلك الموضوع شرائي لكتاب بعنوان "الإسلام دين العلم والمدنية" تأليف الشيخ الإمام محمد عبده تحقيق ودراسة دكتور عاطف العراقي طبعة مكتبة الأسرة التابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب.
والحقيقة أني أهملت الكتاب فترة حتى فاجأنا الدكتور عمارة بمقاله الخطير وسرعان ما أخرجت الكتاب لأقف على حقيقته.
وللأسف أدركت لأول وهلة حقيقة ما يقوله الدكتور عمارة حيث إن الكتاب الذي بين يدي يحمل نفس العنوان المزور وهو "الإسلام دين العلم والمدنية" ليس قط بل أشار الدكتور عاطف العراقي محقق الكتاب أن موضوعات هذا الكتاب قد ظهرت أولا كمجموعة مقالات بالمجلات وخاصة في مجلة المنار وذلك في عام 1901 وقد طبع أكثرها عدة مرات في كتاب "الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية" دون أن يبين أو يشير من قريب أو بعيد ما هي علاقة الكتاب الذي حققه بالكتاب الذي طبع في عام 1901 ! وهل قام بحذف موضوعات من الكتاب الأول وبخاصة ما يهم النصرانية كما يقول الدكتور عمارة أم لا ...إلخ
بل إن الدكتور العراقي يحمل على الإمام محمد عبده في هذا الكتاب حملة شعواء في الوقت الذي أنصف فيه هانوتو في كثير من آرائه ومن ذلك (على سبيل المثال لا الحصر) :
1ـ يدعي الدكتور العراقي أن الإمام محمد عبده قد وقع في أخطاء عديدة من بينها أنه أخذ على أوربا قوتها لمجرد التغني بالماضي والسلف وكأنه يدعوها إلى الضعف... ص:19.
2ـ يزعم الدكتور العراقي أن الإمام محمد عبده لم يضع في اعتباره وهو يتحدث عن تقدم علوم كثيرة عند العرب أن هذه العلوم نفسها قد أخذ العرب أكثرها من حضارات أخرى غير عربية ..ويقول: "يبدو أن البضاعة الفلسفية عند محمد عبده كانت بضاعة ضحلة شأنها شأن البضاعة الفكرية والفلسفية التي كانت عند أستاذه جمال الدين الأفغاني .."ص 20 ، ص24
3ـ يلجأ محمد عبده إلى نوع من المبالغة حين يذهب إلى أن العرب قد تميزوا عن غيرهم بالمشاهدات والتجارب ولا يضع في اعتباره أن المفكرين قديما قبل الميلاد قد اعتمد بعضهم على المشاهدات والتجارب، بل إن العرب أنفسهم كانوا إلى حد كبير عالة على نتائج العديد من المشاهدات التي نجدها عند أرسطو وغيره من المفكرين والفلاسفة ص:36
وهكذا يمتليء الكتاب بالغمز والطعن في قدرات الإمام محمد عبده الفكرية والفلسفية والحط من شأن العرب والمسلمين لصالح الحضارة الغربية سواء القديمة المتمثلة في الحضارة اليونانية أو الحديثة المتمثلة في الحضارة الأوربية.
لذلك إنني أتساءل: هل هذا التزوير العلني والمغالطات الفاضحة هي رسالة التنوير التي اضطلعت بها الهيئة العامة المصرية للكتاب!!
هل أصبح الطعن في الأئمة والعلماء الإسلاميين وقلب الحقائق هدفا من أهداف الهيئة!!
إنني أهيب بالهيئة المصرية الهامة للكتاب وفروعها ومؤسساتها أن تعدل عن هذا المنهج الأثيم لأن تربية النشء وتثقيفه ينبغي أن تقوم على الموضوعية والإنصاف والبحث الحر النزيه.
وأخيرا أحيي الدكتور عمارة على شجاعته وغيرته على تراثنا وأعلامنا (حيا الله الدكتور عمارة)
*ماجستير في الفلسفة الإسلامية
21 شارع حمد سالم حمد متفرع من شارع العشرين فيصل الجيزة