الواقع الراهن ،
على مستوى الدول والشعوب :
كثرة التخمينات .. وقلّة التطمينات !
عبد الله القحطاني
المراقب العاقل ، لما يجري في عالم اليوم ، يكاد يتصوّر أنه يعيش في عالم الغابة ، بدءاً بالقوانين التي تحكمه : قوانين القوّة ، والقوانين التي تمنح القوّة حقاً في التحكّم بقوانين العالم !
لذا ، يصعب على المراقب ، أن يجزم بشيء ما ، أنه سيحصل يقيناً ، أو أن يجزم بشيء ما ، أنه لن يحصل أبداً !
بعض المحلّلين يصنّفون سياسياً ما ، أحياناً ، بأنه لايمكن التكهّن بردود أفعاله ؛ أيْ أن أفعاله خاضعة لتقلّبات مزاجه !
لكن ، يبدو العالم ، اليوم ، كله ، مبتلى بهذا الداء ، على تفاوت بين جهة وأخرى ، وبين بلد وآخر ، وبين شخص وآخر ، وبين موقف دولي ، أو حزبي .. وآخر !
خطاب الرئيس الأمريكي أوباما ، الأخير، في القاهرة ، بما تضمّنه من أفكار وطموحات ، أثار موجة هائلة ، من التكهّنات والافتراضات والتخيّلات ، والآمال والطموحات ، والهواجس والمخاوف .. لدى شرائح واسعة من البشر، في عالمنا العربي والإسلامي ! لكن ، ليس ثمّة جزم بأيّ شيء ، لدى أيّة جهة ، أو شخص ، حول أيّ شيء ، يمكن أن يبنى على خطابه .. على مستوى الواقع العملي !
انتخابات لبنان الأخيرة ، أثارت زوبعة من التكهّنات ، شملت الساحة اللبنانية ، كلها ، ومساحات واسعة من الساحات العربية .. بنتائج الانتخابات ، نفسها ، وبما واكبها ، وتلاها ، من خطب وتصريحات ، من الساسة اللبنانيين ، الفائزين في الانتخابات ، والخاسرين فيها .. دون أن يجد المواطن اللبناني ، في هذه الزوبعة ، أيّ شيء يمكن أن يطمئنه ، إلى شيء يتعلّق بمستقبله .. ودون أن يجد المراقب ، أيّ شيء يمكن أن يجعله يجزم ، بأيّ شيء يمكن أن يحصل ، في المستقبل القريب ، في لبنان وما حوله !
ومثل انتخابات لبنان ، انتخابات إيران ، وما واكبها ، وما تلاها ، من بيانات وتصريحات ، واحتجاجات واعتراضات ، ووعود ومناشدات !
ومثل ذلك ، ما يجري في أفغانستان وباكستان ، والصومال واليمن والسودان !
ومثل ذلك ، ما يجري في فلسطين ، حول حاضرها ومستقبلها ، بين فئات الشعب الفلسطيني، والقوى المؤازرة له ، من ناحية .. وبين الفئات الإسرائيلية المختلفة ، من ناحية أخرى.. وبين الفلسطينيين والإسرائليين ، من ناحية ثالثة !
ومثل ذلك : الصراع السوري الإسرائيلي ، وما يجري فيه ، من أخذ وردّ ، ومحاورات ومناورات ، ومفاوضات سرّية ، أو علنية !
ومثل ذلك ، مايجري بين شعوب المنطقة وحكوماتها ، وبين المعارضات وحكوماتها ، وبين الفصائل المعارضة ، المتوافقة والمتعارضة .. وأحياناً داخل كل فصيل ، من فصائل المعارضة !
علامَ يدلّ هذا ، كله !؟ هل يدلّ على أن الشكّ بات ، اليوم ، هو الأساس الذي تبنى عليه مواقف البشر وتصوّراتهم ؛ الشكّ بكل أحد ، وبكل شيء ، وبكل علاقة ، وبكل كلام ، من أيّة جهة صدر !؟
وإذا كان الشكّ ، يعدّ من الأمور المشروعة ، في السلوك الإنساني ، عامّة ، والسياسي منه ، خاصّة .. فإلى أيّ حدّ ، يجب أن يطغى الشكّ على سلوك البشر!؟ وإلى أيّ حدّ ، ينبغي أن يغيب الاطمئنان عن حياة الناس ، فيما يتّصل بمصائرهم ، وحاضرهم ومستقبلهم !؟
وإذا كان طغيان الشكّ ، بهذا الشكل المزعج ، على حياة الناس ، حالة مَرضيّة ، فما تداعياتها المتوقّعة !؟ وما النتائج المترتّبة عليها ، في مستقبل العيش الإنساني ، الذي غامت ملامحه ، بين أنفلونزا الطيور، وأنفلونزا الخنازير.. وأنفلونزا القردة ، التي قد تظهر قريباً .. وبين جنون البقر ، وجنون البشر ، وجنون الذئاب التي تـلبس لبوس البشر !؟