العمل في الإسلام

العمل في الإسلام

 ( قدسية العمل )

عبد المعز الحصري

[email protected]

1 – لماذا خلق الله الحياة ؟ .

2 – لماذا خلق الله الموت ؟ .

3 – ما المقصود بقوله تعالى " وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون " . الذاريات الآية 56

4 – ما علاقة الإسلام بالعمل ؟ .

 الحمد لله الذي جعل الجنة جزاءً لمن عمل في الدنيا و آمن و لم يشرك بالله تعالى ، الحمد لله بجميع المحامد التي في علمك يا رب  و نعوذ بالله من النار و ما قرّب إليها من قول أو عمل ونصلي بصلاة  ربنا على خير من عمل صالحاً – حتى أتاه اليقين - من عباده المؤمنين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسلِّم تسليماً كثيراً، أما بعد :

من فضل الله تعالى علي َّ أني قد وجدت مخطوطة لسيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري رحمه الله  بعد حوالي أربعة عقود من الزمن و ها أنا ذا أضعها بين أيديكم أيها الأفاضل الكرام وكان عنوانها

 المؤمن و العمل

 المؤمن بالدين الإسلامي  خاصة لا يندفع إلى العمل الدنيوي ولا يساق سوق القطيع لا يدفعه إليه قهر حكومي أو ضغط خارجي أو رقابة من سلطة تهدده بالجوع و الحرمان و العذاب الهون، وإنما يندفع المؤمن إلى العمل بحافز من نفسه وباعث من ذاته  ألا وهو الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم  وبمهمته في عمارة الأرض وسيادتها.

 1 -   إن المؤمن ليشعر بأن السعادة في الآخرة والنجاح في الأولى موقوف على العمل، فالجنة في الآخرة ليست جزاء لأهل العطالة والكسل والفراغ بل لأهل الجد والعمل والإتقان "و تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ". سورة الزخرف الآية 72.  " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ".سورة السجدة الآية 17

روي أن مجلساً ضم جماعة من اليهود والنصارى و المسلمين  فزعمت كل طائفة منهم أنهم أولى الناس بدخول الجنة ، اليهود قالوا : نحن أتباع موسى الذي اصطفاه الله برسالته و بكلامه ، و النصارى قالوا : نحن أتباع عيسى روح الله و كلمته  ، و المسلمون قالوا : نحن أتباع محمد خاتم النبيين و خير أمة أخرجت للناس فنزلت الآية حاكمة فاصلة " ليس بأمانيكم و لا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به و لا يجد له من دون الله ولياً و لا نصيراً . ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون نقيراً " .

 2 – المؤمن لا يكتفي بالاندفاع الذاتي  إلى العمل ، بل يهمه أن يجوده و يبذل جهده لإحسانه

و إحكامه لاعتقاده الجازم أن الله يراقبه و يراه في مصنعه أو مزرعته و في أي حال من أحواله ، إن الله كتب الإحسان على كل شيء و الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .

و قوله إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه .

 3 – و الأمانة و الإخلاص يتوقف عليهما جودة العمل لا مجرد الكسب المادي . " و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون " . و المؤمن يحرص على الوقت لأنه عنه مسؤول فإن الله سائله عن عمره فيما أفناه و عن شبابه فيما أبلاه .

قال عمر بن عبد العزيز  : إن الليل و النهار يعملان فيك فاعمل فيهما .

و المؤمن يشعر بأن كل يوم تبزغ شمسه يخاطبه بصوت جهير ( أيها الإنسان أنا خلق جديد و على عملك شهيد فتزود مني و اغتنمني بعمل الصالحات فإني إذا مضيت لا أعود أبداً .

 4 – المؤمن يعمر أرض الله و يعلم أن الله مستخلفه فيها " هو أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها " . " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله " .

عمر رضي الله عنه والقوم القابعون في المسجد فسألهم من أنتم قالوا نحن المتوكلون على الله فعلاهم بالدرة و قال لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق يقول اللهم  ارزقني و قد علم أن السماء لا تمطر ذهباً و لا فضة و أن الله يقول " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله " .

انتهت مخطوطة سيدي الوالد رحمه الله

 الإسلام هو العمل

إن علاقة الإسلام بالعمل علاقة وثيقة مترابطة متماسكة لا تنفك و هي شبيهة بالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً فحيثما وجد الإسلام وجد العمل على أكمل وجهه و يوضح هذا الكلام تعريف الإسلام من قول الإمام علي رضي الله عنه حيث قال :

" لأنسبنَّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحدٌ قبلي ، الإسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين و اليقين هو التصديق و التصديق هو الإقرار و الإقرار هو الأداء و الأداء هو العمل .

من كتاب علي كرم الله وجهه للمؤلف محمد رضا .

 يقول الأستاذ محمد المبارك : ( و قد كان للإسلام فضل عظيم في أن أسبغ  على جميع أعمال الإنسان صفة العبادة إذا  قصد بها وجه الله و مرضاته  و عُمِلت على وجهها المشروع و كانت في سبيل تحقيق أهدافها المقصودة  المشروعة ، فالزارع و التاجر والطبيب و المهندس و العامل و الموظف و المعلم

و المتعلم و غيرهم من أصحاب الأعمال .... تعتبر أعمالهم عبادة  إذا قصد بها نفع عباد الله ،

 و الاستغناء عن الحاجة إلى الناس ، و إعالة العيال .  و من أرفع أنواع العبادة الجهاد في سبيل الحق  و الخير. و العقيدة الصحيحة ، و القرآن لم يقصر وصف الصلاح على العبادات المخصوصة بل شملها للأعمال أخرى ،  ( من كتاب مبادئ تربوية في آيات النداء للذين آمنوا للدكتور مأمون صالح النعمان )

 إن المؤمن يلتزم بالعمل بدوافع إيمانية تحثه عليه حتى آخر رمق من حياته لأنه موكل بعمارة الأرض ، وقد رأيت سيدي الوالد رحمه الله الشيخ أحمد الحصري – إمام  المعرة – حريصاً كل الحرص على العمل فكان بعض عمله ضمن نشاطه العلمي الشرعي اليومي حيث يبدأ نشاطه منذ صلاة الفجر إلى بعيد صلاة العشاء  ، يتخللها ربما ساعة أو بعض ساعة راحة ، (  وفي أيام الصيف أثناء جباية أموال الزكاة من القرى المجاورة يبدأ عمله من الفجر حتى الثانية عشر ليلاً ) – قال هذا الكلام الشيخ محمود الغانم وهو   ازهر ي و من تلاميذ سيدي الوالد  رحمه الله واسكنه الفردوس الاعلى امين اللهم امين  -  و لقد رأيت أخي الفاضل الدكتورالشيخ  محمد صالح الحصري حفظه الله و رعاه – رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة سابقاً -  في حرصه على إنجاز عمله أثناء تحضيرة لكلمة للإذاعة في السعودية

لا تتجاوز عشر دقائق و أمامه القرآن الكريم و عشرة مراجع  فجزاهما الله عن المسلمين خيراً .

  لقد خلق الله في جسد الانسان أجهزة تعمل بلا كلل  و لا ملل لتكون دليلاً و حثاً على أن العمل عند المسلم لا ينتهي طالما هو مستخلف على هذه الأرض ، بل إن هناك أعمال تسطر للمؤمن حتى بعد موته لحديث الرسول صلى الله عليه و سلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم .

 فعلى المؤمن أن يبني و يعمل حتى و لو كان حصاد النتائج لغيره و قديماً قالوا زرعوا فأكلنا و نزرع فيأكلون ، بل العمل مطلوب من المؤمن و لو كانت الساعة قائمة " إذا قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة فليغرسها " حديث شريف . و الفسيلة هي خلفة النخلة . فالمؤمن ينفذ أمر الله تعالى و يثاب على ذلك من الله تعالى على قدر جهده و نيته .

و المؤمن مستمر في عمله و لو كان الموت نصب عينيه و هذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله ينصح الامة في خطبته قائلاً :"  أيها الناس لا يبعدن عليكم و لا يطولن يوم القيامة فإن من وافته منيته فقد قامت عليه قيامته "  . و هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه و هو على فراش الموت و في جسده بضع طعنات من خنجر مسموم ينصح شاباً بأن يقصر من ثوبه فإن ذلك أنقى لثوبه و أرضى لربه .

و هذا نبي الله الملك – سيدنا سليمان عليه السلام واقفاً يتابع أعمال الجن فمات وهو على رأس عمله

 و" .... ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته " . سورة سبأ الآية 14

و خلق الله السماوات و الأرض - و كان عرشه على الماء – ليختبر الإنسان في عمله قال تعالى : "وهو الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام و كان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً " سورة هود الآية 7 ، قال الزمخشري في تفسيرها " ليبلوكم " متعلق بـ " خلق " أي خلقهن لحكمة بالغة و هي أن يجعلها مساكن لعباده و ينعم عليهم فيها بفنون النعم و يكلفهم فنون الطاعات و اجتناب المعاصي ، فمن شكر و أطاع أثابه و من كفر و عصى عاقبه ، و لمَّا أشبه ذلك اختبار المختبر قال ليبلوكم يريد ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لأحوالكم كيف تعملون ... من تفسير الزمخشري . و لقد زين الله الأرض ليختبرنا أينا أحسن عملاً قال تعالى " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً " سورة الكهف الآية 7 .

 العمل الأحسن

: هو شعار يرفعه المؤمن في حياته كلها ففي صلاته – صلوا صلاة مودع -  يتم خشوعها و يطمئن في أركانها حتى تدعو له الصلاة فتقول : خفظك الله كما حفظتني و إن لم يحسنها كان الجواب منها : ضيعك الله كما ضيعتني .

فصلاة المؤمن و نسكه و حياته و مماته كلها لله و الله شاهد و ناظر إلى عمله فلا بد للمؤمن المحسن من إنجاز ذلك على التمام و الكمال

 إن الله خلق الموت و الحياة ليختبر الإنسان في إنجازه لأحسن الأعمال قال تعالى " الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً .....  " سورة الملك الآية 2

 و إن الله يحب العامل المحترف لقوله تعالى "أيكم أحسن عملاً " و لقوله صلى الله عليه و سلم إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه .

قال الإمام علي رضي الله عنه : قيمة كل امرءٍ بما يُحسن .

 إذا كانت كلمة التوحيد هي التي ننال بها رضى الله فإن كلمة السر التي نفوز بها في الدارين هي العمل بما يرضي الله تعالى و بمعنى آخر إن كلمة السر للوصول إلى الجنة هي كلمة التوحيد و الجسر الذي نعبر عليه هو العمل  الأحسن .

 اليد العاملة – الخشنة – يحبها الله و رسوله قال صلى الله عليه و سلم : " ما أكل العبد طعاماً أحب إلى الله من كدِّ  يَدِهِ ومن بات كالاً من عمله بات مغفوراً له " . 1179 ج 24 ص 298 صحيح و ضعيف الجامع الصغير  . ، و قد حرص الإسلام على إعطاء الأجير حقه  قال صلى الله عليه و سلم : " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " . سنن ابن ماجه ج 7 ص 294 .

و هذه بعض الشروط الواجب توافرها في العامل .

·       الحفظ و الأمانة و الخبرة و العلم و القوة على إنجاز العمل و الإلتزام بساعات العمل ... قال تعالى :" إن خير من استأجرت القوي الأمين . سورة القصص الآية 26 .

" قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " . سورة يوسف الآية 55

و خلق الله الإنسان ليقوم بعبادة ربه كما أمره تعالى في  جميع حركاته و سكناته " قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين " الأنعام الآية 62

إن بعض الناس اشتاقت أرواحهم إلى ربها و أحسنوا في اختيار الميتة التي ترضي الله فكان من دعائهم اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك ، قلت :  اللهم أمتني على أحب هيئة ترضيك مع الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم  و لعل هذا من حُسْنِ صِناعة الموت .

 قال تعالى " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون " الذاريات الآية 56

قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير"  إلا ليعبدون " أي ليعرفون  

و تقاس قدسية أيِّ شيء بالجوهر الذي يحمله و قدسية العمل ترجع إلى أصله و هو العلم و لذلك كان أول ما أنزل من القرآن ( اقرأ ) . و قدسية الشيء ترجع إلى ارتباطه الوثيق بالملك القدوس .

فإن جميع أعمال المؤمن التي ترضي الله مقدسة لأن فيها تنفيذاً لأوامره تعالى – الملك القدوس – و رضاه و عبادة له و نيل الثواب منه ( و في بضع أحدكم صدقة ، قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته و يكون له فيها أجر ؟ .... ) صحيح مسلم 1674 ج 5 ص 77 .

إن عملاً بلا علم كجسد بلا روح أو كعقل بلا تدبر و تتجلى قدسية العمل لأنه يشبه القلب

والعقل فالعمل هو أيضاً محل نظر الله ( و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون و ستردُّون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون  )  التوبة الآية 105 .

و العمل و العلم توأمان ووجهان لعملة واحدة ، فترى دائماًاقتران الإيمان بالعمل في كثير من الآيات

 " و العصر ، إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات ، و تواصوا بالحق ، و تواصوا بالصبر . " سورة العصر.  ، " . ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون نقيراً " وقال تعالى : " إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً " سورة الكهف الآية 30 .

 .ً فلا إيمان – أي إيماناً كاملاً – بلا عمل ،  و لا عمل بلا إيمان فكانت حصيلة العمل بلا ايمان هباء منثوراً قال تعالى :  "  و قَدِمْنَا إلى ما عمِلوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً " . الفرقان الآية 23

و العمل المقدس : هو كل عمل صالح تخدم فيه مولاك تعالى و تحب أن تقابل به ربك ،

و من قدسية العمل أن يكون موافقاً لما جاء به الشارع الحكيم على طريقة النبي صلى الله عليه و سلم

 و العمل الأحسن هو العمل الصالح المتقبل عند الله لا بد أن يكون موافقاً للكتاب و السنة  ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا ً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه أحداً ) الكهف الآية 110 .

و الإيمان هو رحم كبير – أكبر من رحم النسب -  يسع الأمة كلها قال تعالى " إنما المؤمنون إخوة " الآية .

و العمل الغير صالح و الذي يصل بصاحبه إلى الشرك فإنه يلغي نَسَبَ الرحم و الأقارب ، "  إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح " .  الآية.

فالأعمال غير الصالحة كالذنوب مثلاً تنكت نكتة سوداء على القلب فتزداد و تزداد حتى يَسُودَ على القلب الران فيعمى القلب فلا يحل حلالاً و لا يحرم حراماً . قال تعالى : " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " الآية 14 من سورة المطففين  قال الحسن البصري الران هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت و كذا قال مجاهد و قتاده و ابن زيد و غيرهم ( من تفسير ابن كثير ) . فمن قصر في عمله أو تهاون فقد أخطأ في حق نفسه و صدق القائل : من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل .

و قد حذرَ سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري رحمه الله في رسالة منه لي قائلاَ : حذار حذار أن يكون عملك شكلياً أو مما لا بد منه و إياك و المثل القائل غَّيِّب شموس و عُدَّ  فلوس فإن مغبة ذلك لا تحمد عولقبه عند الله ،   وأن الله أمر نبي الله داوود عليه السلام أن يصنع سابغات من الدروع و يحكم حلقاتها لتكون متينة و قوية ً  قال تعالى : "  أن اعمل سابغات و قدِّر في السرد واعملوا صالحاً إني بما تعملون بصير " . سورة سبأ الآية 11 .

  و أمر الله تعالى نوحاً عليه السلام أن يحسن صناعة السفينة فإن الله رقيب عليه قال تعالى :

" واصنع الفلك بأعيننا و وحينا ..... " سورة هود الآية 37 .

و أجلُّ الأعمال المقدسة هو عمل الأنبياء ألا و هو الدعوة إلى الله بالعلم و العمل به  ، فكان للأنبياء صناعاتٌ مختلفةٌ فزكريا عليه السلام كان نجاراً و داوود كان يجيد صناعة الدروع و يأكل من كسب يده

  و ما من نبي من الانبياء عليهم الصلاة و السلام  إلا و رعى الغنم .

و لابد للعمل أن تسبقه نية خالصة  و هذان الشرطان ( النية و الإخلاص ) ، و أن يكون  العمل صالحاً و بما يرضي الله و أن لا يشوبه أية شائبة من رياء و سمعة أو شرك و حب ظهور  حتى يكون العمل مقبولاً عند الله و من قدسية العمل أنه لا محل للمتواكلين و الكسالى في الدنيا و لا حظَّ لهم في الآخرة وإن وجد الإيمان   كان حظهم في آخر القافلة.

فما أقل حياء المرء الذي يطلب الجنة بغير عمل و بسوء الظن و لو أحسن الظن لأحسن العمل، فلا شك أن الجنة لأهل الإيمان و العمل و كلما كان التزامك بالعمل الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم كلما ارتقيت في الدرجات العلى من الجنان فقد تحرم درجة بسبب بعدك و تهاونك بالعمل بسنة المصطفى صلى الله عليه و سلم ، فأكمل الخلائق عملاً لله هو الرسول صلى الله عليه و سلم فهو قدوتنا و أسوتنا فعلينا أن نتمسك بسنته و نعض عليها بالنواجذ فذاك الفلاح و النجاح في الدنيا و الآخرة فإن اليوم عمل و لا حساب  و غداً حساب ولا عمل رواه البخاري في صحيحه باب الأمل.

إن خير من عمل من هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أولئك الصحابة الأولون الأخيار الذين كانوا كالنجوم نهتدي بهم في حياتنا إلى قيام الساعة أمثال ِ أبي بكر و عمر و عثمان و علي

-  و الكثير الكثير-  رضي الله عنهم أجمعين فكان عند الصحابة شيء من الموازنة بين الدين و الدنيا بل رجح الدين على الدنيا و كان من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم ستة من أصحاب الملايين و الذين أنفق بعضهم كل ماله في سبيل الله أمثال أبي بكر الصديق رضي الله عنه و عثمان ذي النورين رضي الله عنه الذي أنفق و أنفق الكثير الكثير حتى قال صلى الله عليه و سلم : " ما ضرَّ عثمانَ ما فعل بعد اليوم " .

فأعمال الأمة كلها في صحائف أولئك الأجلاء العظماء الصحابة الأبرار لهذا الدين فلو أنفق أحدنا مثل جبل أحد ذهباً ما عَدَل مُدَّ أحدهم أو نصيفَه  ، قال صلى الله عليه و سلم : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم و لا نصيفهُ " . صحيح الترمذي 4134ج10ص158 .

و لا تقوم حضارة بلا عمل ولا عمل بلا علم و لا علم بلا إيمان و لا إيمان بلا إخلاص ولا يستقيم أمر الحضارة  بدون إخلاص لله تعالى ،فالعمل رأسمال الحضارات الماضية و الحاضرة و لن يكتب التاريخ لأي حضارة ما لم تقم على عمل لا سيما العمل المميز و البارع – كحضارة المسلمين في الأندلس-  فهي خير شاهد حتى زماننا .

 فالإسلام يدعو إلى أحسن الأعمال و الإحسان في كل شيء .

1-  في الإتباع قال تعالى : " واتبِعُوا أحسَن ما أُنزل إليكُم من ربكم ..." الزمر الآية 55 .

2- و في الأقوال " قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ..."الإسراء  الآية 53

 

و في ذلك تنفيذاً لأوامر الله لقوله تعالى : " استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأٍ يومئذٍ و ما لكم من نكير "  و قوله تعالى : " فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم # و إنه لذكرٌ لك و لقومك و سوف تسألون  " الزخرف الآيتان 43 – 44

 و هذه قصة  يتناغم فيها العلم و العمل :

 كان لامرأة أرملة  فَتيان توفي أحدهما- وكان يطلب العلم – فشيعه بضع رجال وأمه فلما وصلوا المقبرة دفعت المرأة بعض النقود لصاحب المقبرة وقالت له : جهزه ثم انصرفت وانصرف الرجال فبينما يلحده- صاحب المقبرة - في قبره إذا بنور يسطع من صدره إلى السماء وبعد فترة زمنية قليلة إذا بجنازة تشبه الجنازة الأولى وبامرأة تدفع بعض النقود وتقول لصاحب المقبرة : جهزه وقام بدفن الشاب وإذا بنور يسطع من صدره إلى السماء وما أن انتهى حتى ذهب إلى بيت تلك المرأة فسألها ماذا كان يعمل ابنك الأول فأجابت كان يطلب العلم وسألها ماذا يعمل ابنك الثاني ؟  فقالت : كان نجاراً ينفق على أخيه وقالت له لماذا تسأل فحكى لها القصة من أولها فترك عمله  وقام بطلب العلم من عند أهله حتى أصبح الناس في دمشق ينادونه بالشيخ و يقصدونه للفتوى والعلم  سمعت هذه القصة من سيدي الدكتور الشيخ " محمد هشام البرهاني (حفظه الله ورعاه ورحم الله والديه والمسلمين)"

  و العمل غير المنتج تندرج في طياته  البطالة المقنعة و هو وسيلة الفشل  و الإنهيار .

 ( و ما أمروا إلاَّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيمة )  البينة الآية 5 .

يقول سيدي الخواص رحمه الله ليس مراد الأكابر من حثهم العمل على موافقة الكتاب

و السنة إلا مجالسة الله تعالى في ذلك الأمر لا غير فإنهم يعلمون أن الحق تعالى لا يجالسهم إلا في عمل شرعه هو سبحانه و رسوله صلى الله عليه و سلم  و أما المبتدعة فلا يجالسهم الحق تعالى  . ( 1 ) .

و من قدسية العمل أن لا فائدة للعلم ما لم يترجم إلى عمل فالأعمال لها وزن و ثقل في الميزان ، " إليه يصعد الكَلِمُ الطيبُ و العمل الصالح يرفعه " من القرآن الكريم .

و قد ورد في القرآن الكريم الحث على العمل أكثر من 800 مرة منها 77 مرة ورد فيها العمل المفضي إلى النجاح ، و 81 مرة تدعوا إلى العمل الصالح ، و 7 مرات تدعوا إلى التوسط في العمل ، و 39 مرة تبين الفلاح و السعادة ،  و 5 مرات تبين النجاح في العمل ، و 45 مرة تبين مسؤولية المرء عن عمله ، و مرة واحدة تبين الخطأ في العمل ، و 12 مرة تبين التيسير في العمل .. و العمل من لوازم الإيمان 67 مرة منها قوله تعالى " و بشر الذين آمنوا و عملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار"  سورة البقرة الآية 25 والاستقامه في العمل 24 مرة..... إلخ .

نعم لا فائدة للعلم بلا عمل و لا خير في عمل خالطه الشرك فإن أول من تسعر النار بهم الجواد ( الكريم ) و المقاتل الشجاع و قارئ الفرآن لأنه خالط عملهم الشرك .

فإن عرفت أركان الصلاة و كل ما يتعلق بها مثلاً  و لم تصلي  فإن علمك سيكون عليك وزراً و للعقل عمل و هو الفكر و للسان عمل و هو الذكر و في النهار عمل و في الليل عمل خاص به . ومن رحمته تعالى أن جعل الليل والنهار يخلف أحدهما الآخر " وهو الذي جعل الليل والنهار  خلفة ً لمن أراد أن يََّذكرَ أو أراد شكورا " الفرقان  الآية

و ينبغي لكل ذي لب أن يحث على العمل حتى و إن كان عاجزاً عن العمل ، فإن من الناس من قسم له العلم و لم يقسم له العمل ، و منهم من قسم له العمل و لم يقسم له العلم ، و منهم من لم يقسم له واحد منهم كبعض العوام . ( 2 )

و العامل المخلص لله في زماننا  أجره كأجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم  لأنه   لا يجد من ينصره حتى و إن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله و ربما أتهم بالرجعية و الإرهاب و أصبح مهجراً هنا و هناك .

و العمل المقدس ما كان يتصف  بد يمومته ففي كل يوم لابد    من اعمال نقوم بانجا زها   و      " أحب الأعمال إلى الله أدومها و إن قل " حديث شريف،  فإن البركة فيها  و    قليل دائم خير من كثير منقطع و من صفاته البكور فيه  ( التبكير ) . فإن بركة الأمة في بكورها

" بورك لأمتي في بكورها " .

و على  العامل أن يكون على علم و دراسة و خبرة  وقوة و أمانة وعامل بلا خبرة قد يعطي نتائج لا تحمد عقباها فلا بد من الاستعانة بأهل الخبرة في كل فن من فنون الحياة ( فاسألوا أهل الذكر ) و أن يتصف العمل بالصلاح فعلينا نحن معاشر المسلمين أن نترجم و نأخذ أفعال و أعمال الرسول صلى الله عليه و سلم سلوكاً في حياتنا حتى نسير على الصراط كالبرق  أما إذا  لم يكن العمل صالحاً فإنه يترجم إلى عرق ٍ يلجم صاحبه يوم القيامة .

روى الطبراني و غيره "  يكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه و منهم من يكون إلى ركبتيه و منهم من يكون إلى حقويه و منهم من يلجمه العرق إلجاماً و أشار صلى الله عليه و سلم إلى فيه  " . ( 3 )

ومن قدسية العمل إجلال الكبار و الصغار و تقدير الناس لأهل العمل و ذم الكسالى و العاطلين و المتواكلين . ( .......... فاعمل عمل امرئٍ يظن أن لن يموت أبداً و احذر حذر امرئٍ يخشى أن يموت غداً ) حديث شريف .

( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً و اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً )  جاء الحديث مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك جاء موقوفاً على عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره ورواه ابن قتيبة في الحديث الغريب( 1/46/2) ورواه ابن المبارك في الزهد من طريق آخر(218/2 ).

   و إذا كان الدهر يومين يوم لك و يوم عليك فلا بد من المبادرة إلى الأعمال  الصالحة لأنك لا تدري ما يحمل لك القدر من مرض أو هرم أو فقر أو موت .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :" بادروا بالأعمال ( 1 ) سبعاً هل تنتظرون إلاَّ فقراً منسياً أو غنىً مطغياً أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً ( 2 )  أو موتاً مجهزاً ( 3 ) أو الدجال فشرٌ غائبٍ يُنتَظَر أو الساعة فالساعة أدهى و أمَر" . رواه الترمذي و قال حديث حسن غريب  .

1) أي الأعمال الصالحة .

2) أي موقعاً في الفند وهو كلام المخرف .

3) مجهزاً أي سريعاً .

 فإذا كان العمل فرض على الانسان حتى تقوم به حياته و معاشه فيصبح عبادة عندما نخلص النية به لله تعالى دون التهاون في الفرائض التي أمرنا الله بها كالصلاة مثلاً ، فهي من أعظم الفرائض فكانت الصلاة على وقتها أفضل الأعمال و أحبها إلى الله تعالى ، فالصلاة على وقتها تجعل المؤمن يلتزم

و ينضبط بالوقت و يخلص بالعمل لأن في الصلاة إخلاص و خشوع لله تعالى .

ومن قدسية بعض الأعمال الشاقة التي يتحملها المؤمن قد تكون له كفارة إن صبر و احتسب الأجر عند الله فإن من بات كالاًّ من عمل يده بات مغفوراً له .

و من قدسية العمل أنه عبادة لله و أجلُُّ و أفضلُ  العبادات هي الصلاة على وقتها  " عن عائشة رضي الله عنها  أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل عليها و عندها امرأة قال من هذه قالت هذه فلانة تذكُر من صلاتها قال مهٍ عليكم بما تطيقون فوالله لا يملُّ الله حتى تـَمَلُّوا و كان أحب الدين إليه ما دام صاحبه عليه " متفق عليه رياض الصالحين .

و عن ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم " أي الأعمال أفضل  ؟ قال الصلاة على وقتها قلت ثمَّ أي ؟ قال برُّ الوالدين ، قلت ثمَّ أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله " متفق عليه  رياض الصالحين . إن عادة المؤمن تتحول إلى عبادة بإخلاص النية لله تعالى

و ذلك في قوله  تعالى " ذلك بأنهم  لا يصيبهم ظمأٌ و لا نَصَبٌ و لا مخمصةٌ في سبيل الله و لا يطئون موطئاً يغيظ الكفار و لا ينالون من عدوٍ نيلاً إلا كُتِبَ لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين # و لا يُنفِقون نفَقةً صغيرةً و لا كبيرةً ولا يقطعون وادياً إلاَّ كُتِبَ لهم لِيَجزيهمُ الله أحسن ما كانوا يعملون " . سورة التوبة الآية 120 – 121 .

              

 المراجع :

- القرآن الكريم

 صحيح البخاري -

- - رياض الصالحين

( 1 ) ، (2 ) ، ( 3 ) : لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية : عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراوي .