العلم

سلسلة المعرفة

الحلقة التاسعة

العلم هو الشيء الأعظم في الدنيا والأسبق والأبقى، وحياة الإنسان في الدنيا وسعادته ونهضته فيها تكون بالعلم، وهلاك الإنسان وشقاؤه وإنحطاطه يكون بالجهل، نقيض العلم .

فترى الأفراد والشعوب والأمم تسود الدنيا بتطور العلم فيها، وتنحدر وتخضع للعبودية بتأخر العلم فيها، وتظل السيادة فيها للأقوى أي لأصحاب العلم، والأوضاع الحالية في العالم خير دليل على ما نقول كما هو الحال بين أمريكا وأوروبا من جهة ( أصحاب العلم) والعالم الثالث من جهة أخرى(أصحاب الجهل) .

مجالات العلم تكون في كل نواحي الدنيا كافة، إلا أن هناك علوم تستند إلى علوم أخرى، فإن صلُحت العلوم هذه صلُحت باقي العلوم وصلحت الحياة معها، وإن فسدت فسدت باقي العلوم وفسدت الحياة معها، وتخلفت الشعوب ووقعت تحت العبودية المباشرة والغير مباشرة .

هذه هي علوم الأصول، فعلم الأصول العقائدية، هو علم  يُبنى فوقه كل باقي العلوم المنهجية والنظامية للأفراد والشعوب والدول، وينطلق منه باقي العلوم الأخرى المتعلقة بأنظمة الحكم وبناء الدولة، وهو الأصل الذي يؤثر في عقول الأفراد والشعوب لرسم أفكارهم ومقاييسهم وقناعاتهم، أي في تشكيل حياتهم وفي رسم أعرافهم وتقاليدهم وعلاقاتهم كافة، ويمتد تأثير علم الإصول العقائدية حتى يصل إلى نهضة الشعوب الصناعية، والزراعية، والتجارية، والعسكرية، والتربوية، والتقنية وأشياء أخرى كثيرة.

علوم الأصول العقائدية الرأسمالية التي تتزعمها الدول الأوروبية وأمريكا، ويتبعهم فيها إجباراً العالم الثالث أجمع اليوم، فإنها مبنية على أصل واحد، وهو الحرية من أي نظام سماوي، والحرية من أي نظام ملكي أو إمبراطوري ( ماعدا دول العالم الثالث)، ومبنية على الديمقراطية (حكم الشعب) كنظام تشريعي، وعلى أساس هذا العلم وهذا الفكر تشكلت الكرة الأرضية اليوم سياسياً.

ما يجب العلم به هو أن كل علوم الأرض عادة تصب عند البشر في أصل المبدأ الذي يعتنقونه، فالناس عندما يأخذون العلم، يصبونه تلقائياً في بوتقة الفكر الذي يحملونه، فتتشكل بالتالي حياتهم بالشكل الذي يرسمه مبدأهم، وهذا يفسر توجهات الفكر الرأسمالي، الذي لم يرَ بأساً في صناعة أسلحة تحرق الأخضر واليابس، وتقتل الأطفال والشيوخ والناس، وتدمر الأرض والبيوت والمنازل فوق رؤوس أصحابها، وهو يفسر عيشهم في رفاهية وترف مطلق ورخاء على حساب بلدان وشعوب وثروات بلدان أخرى تشكل ثلثي العالم قد قاموا بإحتلالها وإستعمارها وإغتصابها هي وعلومها وعلمائها.

ولو قُدّر للمسلمين بفكرهم وأصول عقيدتهم أن يتابعوا النهضة العسكرية وصناعة الأسلحة، لما قاموا بصناعة أسلحة مدمرة تحرق الزرع أو تفسد الأرض أو تقتل النساء والأطفال والشيوخ والأبرياء، ولو قدر لهم مثلاً صناعة السيارات لما قاموا بصناعة سيارات تلوث البيئة وتضر بصحة الناس .

نرجع لأصل موضوعنا أن كل علم ذو قيمة عظيمة، وتزداد عظمته إذا حمله الناس وتعلموه،، وتزداد عظمته مجدداً إذا تبنته الدول واستخدمته لنهضتها،، ويكون العلم في أعظم مظهر إذا أستخدم في خير الناس جميعاً. فالعلم ذو حدين، إما أن يُستخدم في الخير أو يُستخدم في الشر، وخير مثال على ذلك النفط، وعلم استخراجه، وعلم استخدامه، وعلم الاستفادة منه، ومن قوته العلمية والإستراتيجية والسياسية .

إذن فإن العلم وطلب العلم كغيره من كل الأمور يقوم دائماً على أساس عقائدي بين الكفر والإيمان، فإذا قام الفرد بطلب العلم على أساس أن يستخدم هذا العلم بالكيفية التي توافق أمر الله سبحانه وتعالى، وفي الوُجهة التي ترضي الله سبحانه وتعالى، كان له من الأجر والثواب الذي أعده الله سبحانه وتعالى لطالبه ومستخدمه ومسخره وناشره، بخلاف من يتعلم العلم ويطلبه وينشره أو يكتمه على أساس عقائدي آخر غير متعلق بأمر الله ودين الإسلام . 

وتندرج هذه القاعدة على الدول كذلك، فإن كانت عقيدتها الإيمان أعانت الناس على دراسة وتدريس العلوم، وصرفت الأموال وسخرتها فيما يخدم مصالحهم من الصناعة والزراعة وغيرها، وبالكيفية والوجهة التي فرضها الله سبحانه و تعالى، وإن كان غير ذلك، كان هدفها ووجهتها غير التي فرضها الله سبحانه وتعالى .

وكما يتبين لنا أن الدول تقيم العلم وتستخدمه وتنشره بين شعوبها بحسب عقيدتها هي، وعلى الأساس الذي قامت عليه، حتى يُبنى كل شيء في الحياة بحسبه، أما في الدول الكرتونية في العالم الإسلامي فهي دول لا تقوم ولم تقم على أساس العقيدة الإسلامية، ولذلك فإنها بطبيعة نظامها ومنهجها العدو الأول لمنهج الإسلام وطريقته، وفاقدة القدرة على بناء الشخصية العلمية الإسلامية في الأفراد وفي المجتمع والدولة، وبالتالي فإن ليس لها القدرة على النهضة الصناعية أو الزراعية أو التقنية، أو الحفاظ على مقدراتها أو ثرواتها المادية أو الفكرية أو البحوث أو الابتكارات كما يريد الله سبحانه وتعالى ورسوله محمد r، والنتيجة الآن أن قد تمت لهم صناعة شعوب مستعبدة لعدوها الأمريكي والأوروبي، وخاضعة لصناعاته وزراعاته وتجاراته وبنوكه وحمايته، وشعوب بحاجة إلى علوم عدوهم الفنية والتقنية وجامعاته ومهندسيه وأطبائه، وإلى كل ما يمكن لحرّ أن يحتاجه لحياته بدون استثناء .

وما يتلقاه المسلمون اليوم من علوم في المدارس والجامعات والمعاهد ليس منها ما يصلح للنهضة الإسلامية أو يعين عليها، إنما هي علوم للخدمة الاستهلاكية لمنتجات العدو، أو لتعزيز الولاء للحاكم، أو لبناء شباب جاهزين للتصدير لخدمة أوروبا وأمريكا، أو عن طريق نتاج عقولهم في صورة رسائل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه ليستخدمها الغرب لنهضتهم .

ولذلك فليس كل علم أو طلب علم هو مما يوافق أوامر الله ونواهيه، وليست كل كيفية لإستخدام أو تطبيق هذا العلم أو ذاك يوافق الكيفية التي أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله محمدr  بها، فأي علم أو طلب علم خال من الإدراك الإيماني بأنه لخدمة الإسلام والمسلمين بالكيفية التي أمر الله بها، ولا يراد به وجه الله، فهو لغير الله سبحانه وتعالى، وهو في النار .  

قال الله سبحانه وتعالى في سورة سبأ الآية 6:

وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

عن أبي هريرة  t قال قال رسول الله r :

من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله جهنم‏.‏‏