رسائل الإصلاح 6

رسائل الإصلاح

(6)

الهوية أولا

د. موسى الإبراهيم

[email protected]

الحمد لله, والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين, وبعد

إن أمتنا الإسلامية تعيش اليوم ظروف الصراع والتحديات الحضارية الكبرى, وإن الهوية الإسلامية هي محور الصراع المحتدم هذه الأيام.

فالآخر الحضاري يتقمص ثوب الحرية والديمقراطية, وينازلنا في عقر دارنا ليفرض علينا ثقافته ويسلبنا هويتنا الحضارية المتميزة.

ومن هنا فالشباب المسلم والطلبة المسلمون على وجه الخصوص هم أول المعنيين بهذا التحدي, وعليهم أن يقرؤوا الواقع قراءة صحيحة, ويسبروا أغوار الأحداث ويدركوا أبعادها وخلفياتها, ومن ثم يستشرفوا المستقبل واحتمالاته ليكونوا عين الأمة الباصرة فيكشفوا لها أبعاد المؤامرة التي تستهدف هويتهم بل وجودهم ومصيرهم.

فالخطر الداهم اليوم إنما هو من الغزاة الصهيوصليبيين الجدد, ومن بعض النخب الثقافية من أبناء جلدتنا الذين تربوا على موائد أولئك الغزاة وتحت مظلاتهم الفكرية والإعلامية.

خطر يختفي وراء شعارات براقة أحيانا, فمن الأصولية إلى الإرهاب إلى العولمة إلى الإخاء الإنساني إلى تطوير مناهج التعليم إلى السلام العالمي والتعايش السلمي مع الآخر, حتى ولو كانت يده ملطخة بدمائنا صباح مساء!! بل حتى حجاب المرأة المسلمة قد أصبح إرهاا تعقد المؤتمرات الدولية لإعلان الحرب عليه, بل حتى قرآننا ورسالة ربنا لم تسلم آياته من إبعادها وتغييبها عن الجيل – تحت شعار محابة الإرهاب – لئلا يصير جيلا مجاهدا يدافع عن حقه ويثأر لكرامة أمته.

وإننا تجاه ذلك لا يسعنا إلا أن نعود لبنائنا الداخلي وموروثنا الثقافي والفكري ونعيد تجديد المفاهيم وتأصيل الثوابت وتعميق الهوية, ولا بد أن ندرك أن الهزيمة النفسية والفكرية هي أخطر بكثير من الهزيمة العسكرية.

وحتى لا يتشعب بنا الحديث وتتداخل الأفكار, وحتى لا يكون خطابنا مرسلا لا بد من التأكيد في معركتنا اليوم – معركة الهوية – على المعاني التالية:

معالم الهوية الإسلامية المتميزة:

1.                 إن الهوية التي تحدد شخصية أمتنا وتميزها هي الهوية الإسلامية.

2.      المرجعية العليا التي نصدر عنها عقائدنا وأفكارنا وثقافتنا وثوابتنا هي القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة, وفي مجالات الحياة العامة نحترم ما تعارف عليه المجتمع الإسلامي مما لا يتعارض مع كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

3.      المثل الأعلى في حياتنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم والربانيون من العلماء المسلمين وقادة الفتح الإسلامي الذي كان رحمة للعالمين.

4.      العروبة والإسلام في مفهومنا الإسلامي لا يمكن الفصل بينهما, فالعربية لغة القرآن الكريم والعروبة مهد النبوة والوحي الرباني والإسلام روح العربية ونورها, والأمر كما يقول العلامة الهندي أبو الحسن الندوي رحمه الله: لا خير في العرب بغير الإسلام, ولا يبلغ الإسلام سؤدده إلا إذا قاده العرب.

5.      المسلمون والمسلمات إخواننا وأخواتنا مهما كانت لغاتهم وألوانهم, والتفاضل بالتقوى والعمل الصالح (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

6.      الأقليات غير المسلمة التي تعيش في بلادنا لها كامل الاحترام والتقدير, وحقوقها محفوظة وحريتها متاحة مع كامل التسامح الإسلامي الذي لمسه الجميع عبر المسيرة الإسلامية الممتدة من خلال أربعة عشر قرنا ونيفا.

7.      الحوار من الآخر من صلب اهتماماتنا, وأبوابه مشرعة بغض النظر عن معتقد ذلك الآخر أو لونه أو لغته, والوصول إلى الحقيقة هد المسلم, والحكمة ضالته, وأنى وجدها فهو أولى بها.

8.      علاقتنا مع الآخر غير المسلم تقوم على قاعدة "مصالح بمصالح" والعلاقات الحضارية في جوانبها المادية والتقنية يكمل بعضها بعضا, وتلك طبيعة الأشياء, أما تحصيل المصالح على حساب المبادئ فلا, ولا كرامة لمن يساومنا على ذلك.

9.      السلام العالمي مطلب من مطالبنا, ولكن لا تفريط في الحقوق, ولا مكان عندنا للتنازلات, ومن ثوابتنا أن الحق الذي ليس لجانبه قوة تحميه حق ضائع.

10. الحرية في مفهومنا الأسلامي قضية بدهية, ونحن المسلمين من رفعنا شعار "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟" ويومها كانت أوروبا تعيش في الظلام ولم تكن أمريكا قد دخلت التاريخ بعد.

نعم هذه هويتنا, وتلك ملامح من ثقافتنا الحضارية, نريد أن يعيها شبابنا وينشروها في مجتمعاتنا التي وهنت عزيمتها وتشوشت أفكارها أمام غشاوات الثقافات الوافدة الغربية.

فإلى الجد والعزيمة أيها الشباب يا رواد المسستقبل الواعد الحالم بإذن الله.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.