الانتخابات النيابية في ضوء التوجيهات النبوية
الانتخابات النيابية
في ضوء التوجيهات النبوية
الشيخ يوسف القادري
ربما سنتعجب إذا علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبأنا بالظروف التي نعيشها وبسيطرة العَلمانية (فصل الدين عن الدولة)، وأنه دَلّنا على الطريق الصحيح للوصول إلى هدفنا (طاعة الله وإرضائه) ولإعادة الإصلاح وتحقيق القوة والعدل، فلنسمع إلى الكلام النبوي المعجز:
روى الحافظ أحمد بنُ مَنيع في مسنده عن مُعاذ بن جبل رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خُذُوا العطاء ما دام عطاءً، فإذا صار رِشوةً على الدين فلا تأخذوه، ولَسْتُم بِتاركيه، فيَمنعكم من ذلك المَخَافةُ والفقر.
ألاَ إنَّ رَحَى الإيمانِ دائرةٌ، فدوروا مع الكتاب حيث يدور، ألا إن السلطانَ والكتابَ سيفترقان، فلا تُفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أُمَراء، إن أطعتموهُم أضلُّوكم، وإن عَصيتُموهم قََََتلوكم» قالوا: فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال: «كما صَنع أصحابُ عيسى، حُمِلوا على الخُشُب، ونُشِروا بالمناشير. لَمَوتٌ في طاعة الله خيرٌ من حياةٍ في معصية الله» [المَطَالِب العالية بِزَوائد المسانيد الثمانية لابن حجر، الحديث رقم:4408].
وكما نرى فالحديث يوجهنا إلى الطريق الثاني (اجتناب زعامات السوء) ويحذر من الاغترار بالمال إذا كان تلميعاً لصورة من يمتهنون شراء ذمم الضعفاء من المسلمين بالمال، وسماه "رِشوة على الدين". ووضح لنا ضراوة المعركة بين الإيمان وكل أنواع الكفر والطاغوت، وأمرنا وأكّد (وكرر) علينا الأمر بالانحياز إلى صف الإيمان متمثلاً في "القرآن" ولو كان في الطرف المقابل مُغْرِيات السلطة والقوة والجاه، وبيّن أن الثبات على طاعة الله عِزٌّ ولو كلَّفنا ذلك تقديم أرواحنا، وأن الانحطاطَ إلى معصيةِ الله وموالاةِ الطاغوت المتسلِّط ذلّ ومهانة.
لقد جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقام دولة العدل التي تحكم بشرع الله وتركَنا على المَحَجَّة البيضاء، ثم تطاول الزمن بين مَدٍّ وجَزْر حتى أُسقطت دولة الخلافة سنة 1924م وقُسمت إلى أكثر من 50 دولة ودويلة، كلها حُكمت باحتلال مباشر أو بزعماء موالين لدول الاحتلال، لا يطبقون شرع الله بل دمروا الأنظمة السياسية والاجتماعية التي بناها رسولنا صلى الله عليه وسلم فوجد المسلمون أمامهم أربعة طرق للتعامل مع تلك الأنظمة غير الإسلامية:
1. الارتماءُ في أحضان هذه الأنظمة الظالمة والانتماء إليها لتحقيق المصالح الشخصية مع الرضا عن نهجها.
2. اجتنابُها وإعلان الكفر بها ليستبين للجميع أنها طاغوتٌ مغتصِبٌ وأنها سبيل المجرمين، والعمل الجادّ مع كل مسلم لإعادة تكتيل الطاقات لنصرة الإسلام واستعادة عدالة دولته.
3. استغلال اللُّعبة الديمقراطية للمشاركة في النيابة والتشريع والدخول إلى جسم تلك الأنظمة لمحاولة تخفيف ظلمها أو تحقيق بعض الخدمات والمصالح المستحقة للمسلمين من داخلها.
4. وفئة رابعة "لا تهشّ ولا تنشّ" همها الرغيف ولقمة العيش أو الانغماس في الشهوات، وتنتظر نزول النصر أو القائد من السماء!.
فأيّ الطرق نسلك؟ نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نتخبط أو نغامر لأننا مسؤولون عن آثار أعمالنا.
ففي صحيح البخاري عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قال: كَانَ النَّاسُ يَسْاَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أسْاَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ "نَعَمْ". قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ". قُلْتُ: وَمَا دَخَنُه؟ُ قَالَ: "قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ". قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى اَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ:"هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِاَلْسِنَتِنَا". قُلْتُ: فَمَا تَأمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإمَامَهُمْ". قُلْتُ: فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أََنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأنْتَ على ذَلِك".
فهل نطيع رسولنا صلى الله عليه وسلم في كلامه أو نتبع الواقع المخالف لشرع الله؟
والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه قد طبق هذه الاستراتيجية في ظروف قاسية مشابهة لِما نحن عليه أو أشد، وذلك حين انتدبتْ قريشٌ عُتبةَ بنَ ربيعة ليفاوضه فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: "قد أتيتَ قومك بأمر عظيم فرّقتَ به جماعتهم وسفّهتَ أحلامهم، وعِبتَ آلهتهم ودينهم وكفّرتَ من مضى من آبائهم.. أيها الرجل اسمع مني أعرضْ عليك أموراً تنظر فيها لعلك تَقْبلُ بعضها.. إن كنتَ تريد بما جئتَ به من هذا الأمر مالاً جمعناه لك من أموالنا حتى تكون أكثرَنا مالاً، وإن كنتَ تريد الشرَفَ سوّدناك علينا حتى لا نقطعَ أمراً دونك، وإن كنت تُريد مُلكاً ملّكناك علينا.. فرفض النبي r وتلا عليه افتتاح سورة فُصِّلت". روى القصةَ بألفاظ متقاربة الإمامُ الحافظ عبد بن حُمَيْد والحاكم وصححها والحافظ أبو يعلى بسند جيد. والشاهد من الحادثة أن النبي r لم يتخذ هذا العرض المُغْري فرصة للوصول إلى سلطة سياسية في ظلّ النظام العامّ غير الإسلامي، ولا ليستخدمها لتخفيف البلاء الشديد النازل بالمسلمين وبالدعوة، ولا لإحداث التغيير من خلال هذا الموقع، بل سعى صلى الله عليه وسلم بدعوته فأصلح الإنسان وربّى مؤمنين منظَّمين وأقام القوة والسلطان في المدينة المنورة بعيداً عن موالاة الكافرين. وكيف ننسى تحذير الله لنا من أنْ نجالس من يكفر ويستهزئ بآيات الله: )وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا( [النساء:140]؟!.
وكيف نخالط المفسدين في مجلس يشرِّعون فيه بغير إذنٍ من الله فيُحلّون الحرام ويحرِّمون الحلال!! فنشوّش الناس بأن: يُحْسنوا بهم الظن، أو يفقدوا الثقة بإمكان تطبيق شرع الله عزّ وجلّ وينسَوْا وجوب التغيير، أو يُحْبَطوا ويَيْئسوا من إمكانه؟! فنكون خالَفْنا بذلك أحد أهم مقاصد الشريعة وأهداف القرآن: )وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِين( [الأنعام:55]
وما أجدَرَنا بتأمُّل قول الله عزّ وجلّ:
)رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( [الممتحنة:5].
وأخطر من ذلك إنْ سلكنا منهجية سياسية نَفتِنُ بها المسلمين قبل الكافرين!!.
اللهم سمعنا وأطعنا فوفّقنا، ويا من تسمعون هذا التوجيه النبوي لأول مرة، وتقرؤون هذه الآيات: هل أنتم منتهون عن طريق الضياع والتمييع لنتفرغ لنصرة الإسلام بالوسائل المشروعة في الشريعة الإسلامية؟!.