التبشير مهمة الأنبياء

صالح خريسات

لابد من الإقرار الآن، بأن لكل ديانة متطريفيها، ولكل عقيدة خوارجها. فدعونا نتصور كيف يتحول العالم فجأة إلى فوضى دينية مرهقة، ترافقها اهتزازات،  وتصدعات، فكرية، وسياسية، واجتماعية، تشبه تلك التي تحدث في باطن الأرض، قبل وقوع الزلازل والبراكين، ثم لا تلبث أن تنفجر، فيتحول العالم كله إلى صراعات دموية، لا قبل لأحد بها. كل ذلك عندما يترك الأمر، لمن هب ودب، أن يرشد الناس، ويبشر بالدين الذي يؤمن به، أو عندما تسمح الدول، لفرق التبشير، أن تعمل من أجل دينها، أو مذهبها، أو طائفتها، حسبما تدعى وتعتقد، وليس من بينها من لا ينتصر لعقيدته، أو مذهبه، أو يحسب من قتل في سبيلها، في عداد الشهداء. هنالك سيبتلى الناس ابتلاء عظيماً، ويصبح القتل وسيلة للتقرب إلى الله.

فليست الديانات السماوية الثلاث الكبرى، اليهودية، والمسيحية، والإسلامية، بالديانات الوحيدة على وجه الأرض. فمن الواضح أن تحقيقاً كاملاً، عن الظاهرة الدينية، ومظاهرها المختلفة، لابد أن يقودنا إلى دخول عالم الأديان الصغيرة، والطوائف المتعددة من كل نوع.

هذه الأديان تتكاثر في كل مكان اليوم، أكثر من أي يوم مضى. وكلها تدعي بأنها على حق، وبأنها ستنتصر على الأرض،  لأنها تنفذ إرادة الله. ولابد أن يتيح لنا الإستماع إلى دعاة هذه الديانات، وفرق التبشير، الذين لا يجلبون معهم أي شئ جديد، في غالب الأحيان، لكن تصغي إليهم جماهير يوازي تعطشها الديني لجهلها، يتيح لنا معرفة، أنه كلما زادت مساحة الجهل، في عقول الناس، وجدت الأفكار المضللة، مكاناً لها، لتنمو وتزدهر ، وتقود صاحب الرأس من ناصيته، بطريقة حلزونية ملتفة، لا يدري أولها من أخرها، إلا بعد فوات الأوان. لذلك كله، لابد من تكوين رأي عام دولي، يحظر كل أشكال فرق التبشير الديني، مهما كانت الدوافع والأسباب. سيما وأن الله تعالى، اختص الأنبياء والرسل وحدهم، بمهمة التبشير، من دون سائر الناس، فما من نبي إلا وصفه الله " مبشراً ونذيراً " وفي جملتهم، وصفهم عليهم السلام " مبشرين ومنذرين ".

فالتبشير، وظيفة، أو مهمة دينية، منوطة بمن هو مكلف من الله وحده، وليس لأي مخلوق، أن يقوم بهذه المهمة، لارتباطها بالسلوك الشخصي القويم، الذي يهبه الله لمن يشاء من خلقه، فيختار منهم الأنبياء والرسل، للقيام بمهمة التبشير، حسبما أمرهم الله به.

إن الدين بالنسبة إلى جميع أتباع الديانات السماوية الثلاث، هو ما يفعله الفرد في عزلته الخاصة، في مناجاته مع ربه، وما يؤديه من فروض الصلوات، ليكفر بها عن ذنوبه، فالدين هو العزلة، ومن ليس منعزلا  أبدا، ليس متديناً أبداً،  وإنما غاوي مظاهر ، أو مشاكس في الدين.

إن الحماسات الكبرى، الجماعية والتجديدات في الإيمان، والمؤسسات، والأشياء الطقوسية، والوصايا، والأخلاقيات، ليست سوى زينات، وأشكال عابرة للدين، ويمكن أن تكون نافعة، أو ضارة،  وقد تكون مفروضة من قبل السلطة، أو  لا تكون إلا ذرائع، من أجل غايات شيطانية، كما تفعل الكثير من فرق التبشير، لكن غاية الدين، هي أبعد من ذلك بكثير.

إن الإنسان، قد يصنع الأعمال، والحرف، ويخلق العلوم والمعارف، ولكن لا يخلق عقيدته الدينية، بل تأتيه العقيدة مفروضة، على سريرته وشعوره، قابله للبحث في بعض جوانبها، غير قالبة لشيء،  سوى التسليم في جوانبها الكبرى، ولهذا، تسخره العقيدة، ولا يسخرها، كما يشاء ويهوى، وإن خيل إليه، أنه يعمل في تحيزها بهواه.