هل من حاكم يحتاج إلى موعظة؟!
فيصل الشيخ محمد
دانت لهارون الرشيد ممالك وأراضين امتدت من المحيط الأطلسي غرباً حتى سور الصين وجنوب الهند شرقاً، وكانت الغيمة إذا ما مرت من فوقه تبسم لها وقال: اذهبي أنّا شئت، وأمطري في أي أرض تشتهين، فخراج ثمرك سيأتيني ولو بعد حين.
هذا الخليفة العظيم الذي كتب على ظهر رسالة نقفور عظيم الروم: من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى كلب الروم نقفور.. الجواب ما تراه وليس ما تسمعه.
هذا الخليفة كان إذا ما شعر عَجباً في نفسه أو كِبر، ارتجف من شدة الخوف والخشية من عقاب الله وسخطه وغيرته وكبرياءه وجبروته، فيلتفت إلى أقرب الناس مجلساً منه، ويطلب إليه أن يعظه!!
وكان مرة إلى جانبه الشاعر أبي العتاهية، فالتفت إليه، وقد انتابه الخوف من غضب الله وقد شعر ببعض العجب يصيبه، فقال له: عظني يا أبا العتاهية، فقال له: أخافك، فقال له: أنت آمن فعظني. فأنشد أبو العتاهية واعظاً الخليفة هارون الرشيد:
لا تَأْمَنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفَسٍ ... إذا تَستَّرتَ بالأبواب والحَرَسِ
واعلَمْ بأنّ سِهامَ الموت قاصدةٌ ... لكلِّ مُدَّرعٍ منّا ومُتَّرِسِ
ترجو النجاةَ ولم تسلُكْ طريقتَها ... إنّ السفينةَ لا تجري على اليَبِسِ
فبكى الخليفة الرشيد حتى بَلّ كُمَّه.
وفي السياق نفسه.. غضب الرشيد على أبي العتاهية لأمر ما فحبسه، فأرسل أبو العتاهية من حبسه إلى هارون الرشيد قصيدة يخوفه فيها من عاقبة الظلم، فيقول:
أما واللهِ إنّ الظُّلمَ لُومُ ... وما زال المُسيءَ هو الظَّلومُ
إلى دَيّان يوم الدِّين نَمضي ... وعند اللّه تجتمع الخُصومُ
لأمرٍ ما تصرّفت الليالي ... وأمرٍ ما تُوُلِّيت النُّجومُ
تموت غداً وأنت قريرُ عينٍ ... من الغَفَلات في لُجَجٍ تعومُ
تنام ولم تنّمْ عنك المنايا ... تَنَبَّهْ للمَنِيّة يا نَؤوم
سَل الأيام عن أُمَم تَقَضَّتْ ... سَتُخبِرك المعالمُ والرُّسومُ
تَروُم الخُلْدَ في دار المنايا ... وكم قد رام غيرُك ما تَرُوم
ألا يا أيّها الملكُ المُرجَّى ... عليه نَواهضُ الدنيا تَحُوم
وعندما قرأ الرشيد قصيدة أبي العتاهية أمر من فوره بإطلاقه والإنعام عليه وتعويضه عن حبسه.
فهل من معتبر، فهل من متعظ يا حكام العرب والمسلمين، فكم من أسوار من الحرس من بطانة السوء حولكم؟ وكم من مظاليم في سجونكم يدعون ليل نهار عليكم؟ وأنتم لاهون سامدون لا يرق لكم قلب ولا يختلج لكم فؤاد، والظلم ظلمات والعدل نور وضياء.
أمراض وأوبئة لم تكن عند أسلافنا ولم يسمع بها الأولون (أنفولنزا الطيور بالأمس، واليوم أنفولنزا الخنازير.. وغداً...!!).
كل هذه الأمراض نواقيس خطر تدق في مسامع الدنيا، ونحن أحوج الناس إلى نصغي إليها بقلب واع وعقل منفتح، والدواء بين أيدينا، وقد غفل عنه الجميع: تَراحموا تُرحموا...!!