إذا كان الكلام مجرّد حبر على ورق

عبد الله القحطاني

فمتى يكون السكوت من ذهب !؟

عبد الله القحطاني

في المثل الدارج المعروف : إذا كان الكلام من فضّة ، فالسكوت من ذهب !

1)  لكن ..

* حين يكون الكلام ، مجرّد حبر على ورق ، لاقيمة له في نظر صاحبه ، الذي قد يكون فرداً ، أو حزباً ، أو قبيلة ، أو دولة .. فمِن أيّ معدن ، يكون !؟

* وحين يكون الكلام لاقيمة له ، في نظر الناس الذين يوجّه إليهم ، بسائر أصنافهم .. فمن أيّ معدن ، يكون !؟

* وحين يكون ضرّ الكلام ، أقرب من نفعه .. فمن أي معدن ، يكون !؟

2) لكن .. أيضا :

  ـ كيف تقدّر قيمة الكلام !؟ وكيف تحسَب !؟ وكيف توزن !؟

  ـ ومَن الجهة المخوّلة بتقدير قيمته ، والمؤهّلة لذلك !؟

  ـ وما العناصر الأساسية ، التي يبنى عليها تقدير القيمة !؟ أهي نوع الكلام ، مثلاً !؟ أم صفة المتكلّم وموقعه !؟ أم الرسائل المتنوّعة ، التي يحملها الكلام ، إلى الجهات المختلفة !؟ أم الظروف التي يقال فيها الكلام !؟ أم مايحمله الكلام ، من نفع وضرر، للجهات المختلفة ، كل جهة بحسَبِها : صديقة ، أوعدوّة ، أو محايدة !؟

3) أمثلة :

 ـ  حين يكون الكلام ، من شخص مندوب لقوله ، أو قول مثلِه.. ويجتهد هذا الشخص ، في تقدير المصلحة ، في قول كلام معيّن ، يريد به النفع ، للجهة التي ندبته .. ويظهر نفع الكلام ، موضوعياً ، على أرض الواقع .. ويعطي شهادة جيّدة ، للجهة المنتدِبة .. ثمّ تقوم هذه الجهة ، بمعاقبة المتكلّم المندوب .. كما حصل هذا ، مع أحد مندوبي الكلام ، في دولة ما ، لحساب دولة ما ، أو حكومة ما .. فماذا يعني هذا !؟

ـ وحين يكون الكلام ، خاضعاً لمراقبة مئة عقل ، وألف مزاج ، منها : الأمني ، والسياسي ، والخلقي ، واللغوي ، والفضولي .. ثمّ يُردّ الكلام في فم صاحبه ، المتكلّم المندوب ، بحجج شتّى ، أهمّها تقدير المصلحة ، وأهمّ مسوّغ في ردّ الكلام ، هو الصلاحية .. فماذا يعني هذا !؟

ـ وحين تكون الجهة الأساسية ، المراد توجيه الكلام إليها ، تتأذّى من سائر أنواع الكلام، لأنها ، كلها ، تمسّ مشاعرها ، مساً غير مريح لها ، سواء أكان الكلام عن الفساد بمعناه العامّ ، أم عن الاستبداد بآفاقه الواسعة ، أم عن الظلم ، أم عن الجور، أم عن السرقة ، أم عن الرشوة .. وكان ذلك ، كله ، في الأطر الإنسانية العامّة ، دون تسمية لأحد بعينه.. حين يكون الأمر كذلك ، وتكون هذه الجهة المتأذّية من الكلام ، مطلوباً رضاها ، أو عدم إغضابها .. لأنها تشعر بشوكة تخزها ، في كل كلمة عامّة ، وتتحسّس (البطحة التي على رأسها !) حتّى لو كان الكلام ، نوعاً من الحديث العامّ ، عن الامانة والصدق والشرف .. حين يكون الأمر كذلك ، فهل المطلوب من الجهة الحريصة على الرضا ، أن تَلمس هي رقبتها ، لتتحسّس وقع الوخزة ، نياية عن الجهة المطلوب رضاها .. أو تلمس البطحة على رأسها ، نيابة عن الجهة المطلوب عدم إغضابها !؟

  ونعود إلى ضرب المثل ، لنقول :

 إن كلمة الإرهاب ، صارت فزّاعة رهيبة ، للكثيرين .. لأن أمريكا أرادتها أن تكون فزّاعة ! فصارت أيّة كلمة فيها توحيد لِلـّه ، أو صلاة على بعض أنبيائه .. توحي بأن وراء هذه الكلمة ، قلباً يحمل بعض الإيمان ، الذي هو مادّة أساسية ، للإرهاب المحتمل ! أيْ : أن هذه الكلمة ، هي إرهاب بالقوّة ، ينتظر الظروف ، ليصبح إرهاباً بالفعل .. لذا ، يجب قمعه ، بدايةً ، بالضربات الاستباقية ، كيلا يتطوّر ، بعد قرن ، أو قرنين .. إلى إرهاب بالفعل ! وانطلاقاً من هذه الفلسفة ، صار الكثيرون ، المتحالفون مع أمريكا ، والخاضعون لأمرها .. يلمسون رقابهم ، نيابة عن أمريكا ، ليتحسّسوا أثر الوخزة ، الناجمة عن الكلمة .. أو يلمسوا البطحة التي على رأس أمريكا ؛ يلمسوها على رؤوسهم ، هم ، نيابة عن أمريكا ! وقد صار حالهم مع أمريكا ، كحال ذلك الشاعر المسكين ، المبتلى بتلك المرأة الغضوب ، حين عبّر عن مأساته ، بقوله :

أبكي إذا غضبتْ ، حتّى إذا رضيتْ        بكيتُ عند الرضا ، خوفاً من الغضبِ

4) عودة إلى السؤال : إذا كان الكلام مجرّد حبرعلى ورق ، فمتى يكون السكوت من ذهب !؟