الدين مفيد للأخلاق
صالح خريسات
نستطيع أن نقرأ حكايات الأنبياء، من آدم، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، ويوسف، وموسى، وأيوب، وداود، وسليمان، و زكريا، ويسوع المسيح، ومحمد ،عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، فلا نجد أحدهم يحاول إلغاء الآخر، وإنما نجد رؤية تصويرية، للقيم التي يرغب المؤمنون في التباهي معها، بوصفها القيم الكونية، التي كرستها تجربة بشرية على مر العصور .
ولا نجد في كل الأديان، سوى الدعوة إلى الحب، والتواصل، والتراحم، وقدرة الإنسان المؤمن، على مواجهة أشكال الشر والشرك، في سياق إثبات براءته، واستقامته لله تعالى، ونتبين بأن عيسى عليه السلام، وآل عمران معه، يحتلون جزءاً كبيراً من القرآن الكريم ، كذلك يحتل موسى عليه السلام، قسماً كبيراً في مواجهته مع الفرعون، ترد في أكثر من سورة، وحياته تشغل حيزاً واسعاً .
أما بالنسبة إلى الإسلام، فقد انتشر بين الأمم والشعوب، لأنه كان النظام الاجتماعي والسياسي الأفضل، حتى ذلك الوقت ،وعلى مر الأزمنة . لقد ساد الإسلام ،لأنه حيثما حل، وجد شعوباً منهكة مضطهدة ومفككة ، ووجد حكومات أنانية جائرة، فقدت صلتها بشعوبها، فكان الإسلام، الفكرة الأعرض، والأنقى، والأحدث، والأكثر تسبباً في عالم الوقائع الفعلية، كما قدم للبشرية، شروطاً للحياة والعيش، لا تقاس بسواها .
كذلك المسيحية، فقد انتشرت لأنها تحمل مشاعل التطور، وتسير تحت لواء التحرك إلى أمام، ويرجع المؤرخون ظهور المسيحية، إلى شيوع الظلم والفقر، وأن الأغلبية من الطبقة المحرومة المغلوبة على أمرها ،كانت مستعدة لتقبل دين، يقف إلى جانب الضعيف.
فجوهر المسيحية، قائم على مذاهب الخطيئة والتكفير. وأن القوة التي استطاعت بها المسيحية أن تتغلب على اليهودية أولا،ً ثم على وثنية اليونان والرومان، إنما تنحصر في تشاؤمها فقط . أي في اعترافها بأن حال الناس ، في ذلك الوقت، شديدة البؤس، ومسرفة في الخطيئة، مع أن اليهودية والوثنية، كلتاهما كانتا متفائلتين.
حسبت اليهودية والوثنية أن الدين رشوة يقدمها الإنسان إلى الآلهة. أما المسيحية، فقد رأت للدين غرضاً ،غير طلب السعادة في هذه الدنيا، لأنها رجاء همها أن يتحقق، ولقد نهضت المسيحية في عالم يملؤه الترف، والزهو بالسلطان الدنيوي، فرفعت مثلها الأعلى، الذي صورته في حياة القديس المنصرف في عبادته إلى الله، ويستطيع أن يهزم الإرادة الفردية، هزيمة منكرة.
أما الإسلام، فقد جعل الإرادة غاية الدين، لكن بعض الذين أرادوا الإصلاح، حملوا في أيديهم معاول الهدم، لما هو قائم، وانشغلوا بالدفاع عن الماضي، بأسلحة لا تتجاوز حدود التغني بالأمجاد، والحديث عن عموميات الإسلام.
لقد اكتفى كل فريق بما عنده، واعتبر حدود الأرض عند حدود المذهب أو الطائفة، التي ينتمي إليها. ونشأت الأجيال المتتابعة على ذلك، واعتبرت المذهب، هو الحصن الحصين، وسفينة النجاة، وما حولها أرض القتال، وكل الطوائف الأخرى موج وصخور وسفن أعداء.هكذا ينظر كل منهم إلى غيره.
ويبدو أننا لسنا وحدنا الذين نعاني من ذلك ، فكل الأديان مرت بظروف مشابهة ، ولو رجعنا إلى التاريخ قليلاً، لرأينا هذا ونظائره، في الصراع بين الكاثوليكية والبروتستانتية في أوروبا . كمثال نذكر مذبحة سان بارثليمو 1572، التي راح ضحيتها عشرون ألفاً من القتلى البروتستانت في عهد الملك شارل التاسع ،وكيف لجأ البروتستانت إلى الدفاع المسلح،وقد استطاعوا في السنة 1598، تحقيق مستوى من التسامح الديني ، وصلوا به إلى تحقيق قدر من حرية العقيدة، والحقوق المدنية ،غير أن لويس الرابع عشر ألغى هذا المرسوم، في السنة 1685، وأعتبر الوجود البروتستانت غير قانوني، ولم يستعد البروتستانت في فرنسا حقوقهم، إلا في عهد نابليون .
كما أن الفاتيكان، يبذل عناية متزايدة بالحوار المسكوني، و وفر لرجال المذاهب الدينية، والطوائف المختلفة، إمكانية الحوار المستمر على مائدة البحث ، يلتقي حولها المختصون من أديان شتى، ويزداد كل منهم معرفة بما عند الآخرين،حيث تبدلت عندهم أساليب الرعاية والاتصال بالآخرين، أو بأصحاب العقائد الحية . كل هذا أحتاج إلى إعادة نظر في مواصفات رجل الدين، ومناهج إعداده، واللغات التي ينبغي أن يلم بها، والعلوم الأصيلة، والحديثة التي يتزود بها ، ودراسة المناهج، التي تؤهله الدوائر المختصة للعمل فيها .
وكما ينطبق هذا على النشاط الكاثوليكي، ينطبق على النشاط البروتستانتي، الذي استطاعت كنائسه تنظيم جهودها، إلى جانب نشاطات جماعة تنوعت اتجاهاتها، تحت مظلة مجلس الكنائس العلمي الرئيسي في جنيف بسويسرا .
كل هذا ينسحب على الأديان السماوية الثلاثة، وغيرها من الديانات الوضعية المختلفة ،إذ كان من الضروري، أن تبذل الجهود العلمية النظرية منها والتطبيقية،للبحث عن سبل التلاقي والاتفاق، والتقريب بين المذاهب والأديان،وتعميق صلات التعاون الفكري والحضاري، من اجل كرامة الإنسان بصرف النظر عن معتقده، أو ديانته ،واحتراماً للحكمة الإلهية ،ومغزاها العظيم في قوله تعالى"ولقد كرمنا بني ادم ".