حكم الأكثرية، تقبله النفوس على مضض
فكيف تقبل حكم الأقلية !؟
عبد الله القحطاني
1) قال الشاعر المهجري إيليا أبو ماضي :
لمّـا سألـتُ عن الحـقيـقةِ ، قـيلَ لي : الحقّ ما اتّـفَق السواد عليهِ
فعَجبتُ ، كيف ذبَحتُ ثَوري في الضحى والهند ساجدةٌ هناك ، لَـديهِ !
نَـرضى بحكـم الأكـثـريّة مثـلـما يَرضى الوليد الظلمَ مِن أبَويهِ
إمّا لـغـُنـمٍ يَرتَـجـيـه مـنهـمـا أو مِن مَخافةِ أنْ يجارَ عليهِ
2) مالم يقبله موسى النبيّ ، مِن الخضر المؤتى علماً ربّانياً .. هل يَقبل مثلَه رجلٌ عادي ، من رجل عادي !؟
* موسى نبيّ ، من أولي العزم .. التقى بالخضر ، بتوجيه ربّاني ، ليعلّمه بعضَ ماعنده من العلم ! وأخذ منه الخضر وعداً ، بألاّ يسأله عن شيء ، حتّى يحدث له منه ذكراً ! ومع ذلك ، لم يستطع موسى الصبر ، حين رأى من الخضر ، أفعالاً خطيرة أحدها : خرقُ السفينة في البحر ، بصورة تهدّد حياة الناس بالغرق .. والثاني : قتل غلام بريء دون ذنب ارتكبه ..! ثم رأى فعلاً ، يدعو إلى العجب والدهشة ، وهو : إقامة الخضر جداراً يوشك على الانهيار ، في قرية أبت أن تقدّم لهما ، لقمة طعام ، يأكلونها ! لم يستطع موسى الصبر ، على أيّ من الحالات الثلاث ، برغم تعهّده في كل مرّة ، بأنه سيكون صابراً ، ولايسأل الخضر عن شيء ، ممّا يرى ، من أفعاله ! وبعد أن أوضح له الخضر ، الحكمة من كل فعل فعلَه ، وأنه ، إنّما فعله بتوجيه رباني .. عرف الحقيقة واطمأنّت نفسه !
* وعلى ضوء هذه القصّة القرآنية ، يمكن طرح بعض التساؤلات ، حول القرار الفردي ، أو قرار الأقلّية ـ إذا كان حكم الأكثرية ، أو قرارها ، مقبولاً على مضض ، لدى الناس الذين يرون فيه خطورة ، أو أموراً تدعو إلى الدهشة والعجب ـ ! إذ كيف يصبرون على ما لمْ يحيطوا به خبراً ، وليس صانع قرارهم ، ممّن يحملون علماً لدنّياً ربّانياً ، وليس لهم نبوّة كنبوّة موسى !؟
رأي الفرد غير المعصوم ، أو مجموعة الأفراد غير المعصومين .. كيف يتعامل الناس معه ، إذا كان له مساس خطير ، بأمور حياتهم ، ومصير أهليهم وأوطانهم .. سواء أكان الفرد ، أو مجموعة الأفراد ، في بعض مواقع السلطة .. أم في قيادة مدينة ، أو قبيلة ، أو قرية ، أو حزب ، أو ناد ، أو مؤسّسة اقتصادية ، أو اجتماعية !؟
هنا يطرح سؤال آخر ، متفرّع عن هذا السؤال ، هو :
ـ هل الجهة صانعة القرار ، فرداً كانت ، أم مجموعة .. مفوّضة من قبل الناس ، الذين تصنع لهم القرار ، أم لا !؟
- فإذا كانت مفوّضة بذلك ، وفق قواعد واضحة ، للتفويض ، بعرفها الجميع .. فإن القرار يكون قرار أكثرية ، وينطبق عليه قول أبي ماضي ، في الأبيات الأربعة ، المتقدّم ذكرها ! أيْ أن القرار ، قد يكون مقبولاً على مضض ، لدى بعض الأفراد ، أو الفئات .. ولا حجّة لأحد ، في نقضه ، أو الاحتجاج عليه.. مادام خالياً من الخطأ ، ومن التعسّف في استعمال الحقّ ، الذي هو ، هنا ، الصلاحية في اتّخاذ القرار ، وفي كيفية تنفيذه !
- إذا صدر القرار، عن جهة غير مفوّضة من قبل الأكثرية ، باتّخاذه ، أو اتّخاذ مثله.. فإنه يكون مدعاة لاحتجاج واسع ، من قبل أطراف كثيرة .. حتى لو كان فيه نفع للمجموع ! لأن تجاوز الصلاحية ، هو ، بحدّ ذاته ، يحمل خطراً كبيراً ، على المجموع ، وينذر بأن ثمّة شراً مستطيراً ، ينتظر هذا المجموع ، من قبل الجهة التي صنعت القرار دون تفويض ! إذ ، ربّما تجاوزت صلاحيتها ، في اتّخاذ قرارات أخرى ، فيها تدمير للمجموع .. ولا يحقّ لأحد محاسبتها ، عندئذ ! لأن مَن عوّدها على غضّ النظر، عن تجاوز صلاحياتها ، بقبوله القرار الصائب منها ، دون مراجعة أو اعتراض .. يصعب عليه ، أدبياً ، الاعتراض على القرارات الأخرى ! وهكذا يكون خطأ الصمت ، على القرار الصائب غيرالشرعي .. سنّة لازمة ، لتكرار خطأ الصمت ، على القرارات الأخرى !
*) على ضوء ماتقدّم ، يتّضح مقدار الخطر، الذي تتعرّض له الشعوب ، من الحكم الاستبدادي .. سواء أكان المستبدّ فرداً ، أم مجموعة من الأفراد !