أكمات السياسة كثيرة

عبد الله القحطاني

ولكلٍّ أكمتُه التي يَسأل عمّا وراءها !

عبد الله القحطاني

·  لا تقتصر الأكمات على السياسة .. ففي الحياة أكمات كثيرة ، في الأمور الاجتماعية ، والاقتصادية ، والثقافية ، وغيرها ! فكل قرار ذي أهمّية ، لايعرف الآخرون أهدافه ومسبباته ، يتساءلون : ماذا وراء الأكمة !؟ أو يقول بعضهم : إن وراء الأكمة ماوراءها !

·  الأكمات في السياسة ، عامّة ، أكثر ممّا هي في غيرها ، وأخطر! لأن المسائل السياسية ، ذات طابع عامّ ، يشمل الأوطان ، بكل من فيها ، وما فيها !

ـ حاكم دولة ، يصدر قراراً مفاجئاً ، غير متوقّع : سياسياً ، أو اقتصادياً ، أو أمنياً .. يدفع الناس ، الذين لايعلمون شيئاً عن أسباب القرار وأهدافه ، إلى التساؤل عمّا وراء الأكمة ! ويدفع بعض الناس إلى القول ، بنوع من الحذر والترقب : لعلّ وراء الأكمة ماوراءها !

ـ جهة سياسية معارضة ، تتّخذ موقفاً ما ، مفاجئاً ، غير متوقّع .. تدفع الناس إلى التساؤل ، عمّا وراء الأكمة.. كما تدفع آخرين ، إلى القول : لعل وراء الأكمة ماوراءها !

* الذين يصنعون القرارات المفاجئة ، لأنفسهم وأسَرهم ، تكون دائرة الاهتمام بقراراتهم ، ضيّقة ، محدودة بحدود الأقارب والأصدقاء ! أمّا الذين يصنعون القرارات ، أو المواقف ، لأناس آخرين ، على مستوى الشعوب ، والقبائل ، والأحزاب ، والمدن .. فإن دائرة الاهتمام بقراراتهم ومواقفهم ، تكون واسعة ، باتّساع دائرة الناس ، الذين يتأثرون بقرارتهم ومواقفهم ، سلباً أو إيجاباً ! وبقدر خطورة القرارات والمواقف ، وشدّة تأثيرها على الناس ، يكون اهتمام الناس بها ، ولهفتهم على معرفة ماوراء الأكمة ، التي تَحجب عن عيونهم ، أو عقولهم ، أموراً تتعلق بمصيرهم ، ومصير أهليهم وأوطانهم !

* أخطر التساؤلات ، عمّا وراء الأكمة ، هي تلك ، الصادرة عن أناس ، قريبين من دائرة صنع القرار المفاجئ ، الذين لهم فيه ـ بحسب الأصل ـ نوع من الشراكة : النظرية ، أو العملية ، أو الشورية ، أو التنفيذية..! و يفاجأون بالقرار، كما يفاجأ غيرهم ! فمواقف هؤلاء ، تتراوح ، عادة ، بين الشكّ بشركائهم صنّاع القرار، والعتب عليهم ، ونزع الثقة منهم ، كلياً أو جزئياً ، والتخلي عن مناصرتهم في تسويغ القرار أمام الناس ، والدفاع عنه .. وغير ذلك ، من أمور سلبية ، يصنعها القرار المفاجئ ، في نفوس المتأثّرين به ، الذين لهم نوع ما ، من أنواع الشراكة ، فيه ! حتى لو جَزمت الجهة التي تصنع القرار ، بأن هذا من حقّها ، ومن صلاحيتها! فالناس لاتقاد بالصلاحيات ، وحدها.. وإلاّ ، لكان فرعون ، أولى الناس ، بانقياد الناس ، له ، طوعاً ، بناء على صلاحياته وحدها ، وهو القائل: ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي.. ) ! كلاّ ، بل ثمّة أمورأخرى كثيرة ، لابدّ منها ، من بينها الثقة والاحترام والودّ .. ونحو ذلك !

* أمثلة :    

ـ النبيّ المعصوم محمد (ص) ، الذي كان يوحى إليه من ربّ العالمين ، ويثق به أتباعه ، ثقة مطلقة .. حين اتّخذ قراراً ، يوافق فيه ، على بعض بنود صلح الحديبية .. تأثّر أصحابه تأثّراً كبيراً ، وفي مقدّمتهم بعص أكابرهم ، الذين لايخالج نفوسهم أدنى شكّ ، بقائدهم المعصوم ، من حيث الثقة بإخلاصه ، وحكمته ، وحرصه على مصالح أمّته ! ولم تنحسر موجه الحزن والقلق ، إلاّ بعد حين ؛ عندما بادر النبيّ ، وبعض أصحابه ، إلى معالجة الأمر، بحكمة ، وعندما أشار النبيّ ، إلى أن مافعله ، كان بأمر الله ، وأنه لن يعصي أمر الله ، ولن يخذله الله !

* بعض كبار الساسة المصريين ، الذين كانوا في مواقع صنع القرار الخارجي ، في بلادهم ، حين تمّت معاهدة كامب ديفيد ، بين السادات وإسرائيل .. بعض هؤلاء الساسة الكبار، الذين كتبوا عن معاهدة كامب ديفيد ، وعن انفراد السادات بصناعة القرارات ، دونهم ، ودون الأخذ بآرائهم.. ظلّوا يحملون في نفوسهم مرارات شديدة ، من فعل السادات ، ويحمّلونه المسؤولية ، كاملة ، عن كل حَيف وقع على مصر، من جرّاء انفراد الرئيس ، بالموافقة على بعض بنودها الهامّة ، دون الإصغاء إلى آرائهم.. وهو الذي وضعهم في مواقعهم ، للإفادة من هذه الآراء !  ولم يشفع له ، ولم ينفع مصر ، احتجاج الرئيس ، بأنه ، هو ، وحده ، صاحب الصلاحية ، وأنه ، هو ، وحده ، المخوّل بصناعة القرار ، رسمياً ! ومعلوم أن عدداً من أعوانه ، استقالوا من مناصبهم ، احتجاجاً على قراراته الفردية ، بدءاً من إعلانه ، بأنه سيزور إسرائيل ، وانتهاء بمواقفه ، في أثناء صنع السلام ، مع الصهاينة ، في معاهدة كامب ديفيد !  

هكذا كان حال أعوان السادات ، معه ، وهو رئيس دولة ، مطلق الصلاحيات ، لايستطيع أحد من شعبه ، الاحتجاج على قراراته ، حتى حين كان البلاء الكامن وراء الأكمة ، واضحاً لأعوانه منذ البداية ..!