الوثنيات الحديثة

عبد الله القحطاني

السياسية والعقدية والفكرية والفنية ..

وآثارها في تدمير الأمم !

عبد الله القحطاني

· أن يجعل الحكام من أنفسهم ، في بلد ما ، أوثاناً تعبَد من دون الله ، يسبّح لها أتباعها وعبيدها ، صباحَ مساءَ .. فأمر مألوف ، من قديم الزمان ! وفرعون نموذج صارخ ، يتردّد ذِكره بين الأجيال ، على امتداد الزمان والمكان : ( ماأريكم إلاّ ماأرى وما أهديكم إلاّ سبيلَ الرشاد )..( ما علمتُ لكم مِن إلهٍ غيري ..) !

· وأن يتّخذ الفراعنة ، القدماء والمحدثون ، الكبار والصغار.. سدَنةً للمعابد التي يؤلَّهون فيها ، وأبواقاً لنشر ألوهيتهم ، وتزيينها وتمجيدها .. من إعلاميين ومفكّرين ، ومفتين وسياسيّين .. فأمر متوقّع مفهوم !

· لكن .. أن يُطلب من الشعوب ، أن تؤلّه هؤلاء السدنة ، أيضاً ، وتخلع عليهم من هالات القداسة والتمجيد ، بعضاً ممّا هو حقّ الأوثان الأصلية .. فهذا ممّا لم يكن في سنّة الأولين ! وإذا كان المثل القديم يقول : كلب الأمير أمير.. فهذا معناه : أن كلب الأمير، أمير على الكلاب ، لاعلى البشر ! إلاّ أن عصر التنوير والتحرير، هذا ، عصر فريد من نوعه ، بسائر المقاييس ! ونحسب إيراد بعض الأمثلة ، يوضح الأمر بجلاء :

ـ العالم العلاّمة ، فلان ، الذي يصدِر لفرعونه الفتاوى الدينية التي يحتاجها ، لتسويغ سلوك معيّن ، أو موقف معيّن .. في نظر عامّة المتديّنين البسطاء .. هذا العالم ، صار، هو ، نفسه ، وثناً واجب التعظيم والتمجيد والتقديس .. عند طبقات من العلماء والمفتين والمشايخ ، ومَن لفّ لفّهم ! بل صار هذا العالم ، المفتي الكبير، يرى نفسه وثناً للشعب كله ؛ لأنه ظِل الوثن الكبير، يلازمه في كل جولة رياء ، يمارس فيها الوثن الكبير بعض الطقوس ، التي يخدع بها العامّة ، لتشهد له بالصلاح والتقى والورع !

ـ الأديب فلان ، الشاعر والكاتب والخطيب .. صار وثناً ، في نظر نفسه ، وصار من حقّه ، أن ينال من التعظيم والتمجيد والتقديس .. ما يستحقّه ، بصفته أحد سدنة الألوهية ، في بلده .. وله في أعناق الناس حقّ ، لايجوز التفريط به ، وإلاّ كانوا مفرّطين بحقّ الوثن الكبير ، نفسه ! أليس بوق الأمير أميراً ، وظِلّ الأمير أميراً ، وثور الأمير أميراً !؟ وبالطيع ، ينسى هذا الوثن الصغير، المبدأ المذكورآنفاً ، وهو أن كلب الأمير أمير للكلاب ، وظلّ الأمير أمير للظلال ، وثور الأميرأمير للثيران.. ينسى الوثن الصغير هذا المبدأ ، ويطالب الناس بعبادته ، حتى لو كان ثوراً ؛ لأن ثيران الهند التي يعبدها عبيدها ، ليست خيراً منه ، ولا أكرم !

 ومن غرائب هذا العصر، أن بعض الناس يتطوّعون تطوّعاً ، لتقديس هذه الأوثان  الصغيرة ـ ومن باب أولى.. الكبيرة ـ في حياتها ، وبعد موتها .. انطلاقاً من أمور شتّى ، قد يكون بعضُها الإعجابَ ، بمهارات هذه الأوثان الصغيرة ، ومواهبها الفذّة ، في فنون التزييف والنفاق ، وقلب الحقائق ، وإدهاش العقول !

· فأيّة أمّة هذه ، التي يكثر فيها أمثال هؤلاء !؟ وما مصيرها !؟ وما قيمتها ، في نظر العالم !؟ وأيّ مستقبل لأجيالها القادمة ، في ساحة الصراع بين أمم الأرض !؟