وقفات مع الصديق رضي الله عنه

د. طارق البكري

[email protected]

- لو قلنا إنَّ الصديق كان يضمر ما في قلبه ولا يكشفه فكيف والرسول الكريم قد أعلمه الله بكل منافق في المدينة فهل يخفي عنه حقيقة أبي بكر

- عاش مع نبي الله سنوات طويلة قبل الإسلام وبعدها ورافقه في كل الظروف قسوة وفي كل المعارك فكيف ينقلب عليه بعد ساعة من وفاته صلى الله عليه وسلم

تزداد الحياة عجباً كلما سمعنا حواراً حول التشكيك بعدالة الآل أو الصحابة..

والأعجب هو التشكيك بعدالة الخلية الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه.. وابنتهُ هي زوجةَ الرسولِ الكريم.. والزوجة منْ آل البيت، كما هو مُقَّرر ومعلوم.

وهو الوحيد بين الصحابة الذي ورد ذكره في القرآن الكريم {صاحباً} محدداً للرسول الكريم.. وهذا أمرعليه إجماع ولا ينكر أحد أنّه كان الصاحب في رحلة الهجرة المباركة وإن شكك البعض بالرواية أصلاً، أو قال عن الصاحب المذكور إنه سيدنا علي رضي الله عنه.. والقرآن امتدح ابنته الشريفة الطاهرة.. ولأنَّ زوجات الرسول أمهات للمؤمنين.. فهل بعد هذا من فضل على أبي بكر الصديق؟

بين الرجال أول

والصديق هو بينَ الرِّجال أوّلٌ؛ أوَّلٌ فيمَنْ أسْلمَ.. وأوَّلٌ بين من أحبَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم)..

وهو أوَّلُ خليفة.. وأوّلُ من جمع القرآن في كتاب.. وأوّلُ من صدَّقَ بالرِّسَالة ومعجزات الرسول من الرجال فعُرفَ بالصِّديق.. وأوُّلُ من أظهر الإسلامَ علناً دون رهبة ولا خوف.. وهو أوَّلُ الوزراء.. وأوَّلُ من صلى بالناس بأمر الرسول الكريم عند مرض وفاته.. وأوَّلُ من واسى النبي بماله ونفسه، وأوَّلُ من كان يتكلمُ بحضرةِ الرَّسُول (صلى الله عليه سلم)... وهو المستشار العسكري الأوّل.. وأوّل شاهد على صلح الحديبية...  وأخيراً وليس آخراً: هو أوُّل من دُفن في جوار النبي (صلَّى الله عليهِ وسلَّم).. ثمَّ تبعه إلى هذا الجوار الشريف خليفته أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. ولم يسكن في جوارهما أحد من الخلق..

وهو أوَّلُ وآخرُ من أوصى لخليفة واحدٍ محددٍ من بعده بين الخلفاء الراشدين..

رحلة الهجرة

والمشكلة أنَّ الكلامَ عن شخصيةِ أبي بكرٍ وبُطولاته قدْ يشكّكُ البعض فيها ولا يقبلها.. ومهما جمعنا من كلام وعِبَر وقصص قد يعترض من يعترض.. لذا علينا أن نذكر ما لا يمكن إنكاره.. من الناحية المبدئية طبعاً..

فلو نظرنا مثلاً إلى الصُّحْبةِ الغالية في الهجرة الشريفة.. فهل يمكن لرسول الله عليه وعلى آله أفضلُ الصلاةِ والسَّلام أنْ يختارَ رفيقاً لدربه الطويل ولا يعرف جيداً هذا الرفيق.. ثم لو شككنا باختيار النبي لرفيق دربه الطويل.. وصحبته الطويله؛ فكيف نشكك بوصفأبي بكر صاحباً من السماء.. ثمَّ بلْ كيفَ يُخْطِئُ الرَّسُولُ في اختيار صاحبه كلَّ هذه السنين.. ثمَّ إنَّّ الرَّسولَ معصومٌ عن الخطأ.. فهل يمكن أنْ يَختارَ صَاحباً في أعظم رحلة في التاريخ ويكون الرفيق غير رفيق... ألا ترون عُمُقَ المسألة؟

ثمَّ.. إنّ الرحلة من مكَّة إلى المدينة أخذتْ أياماً عديدةً زادتْ عن سبعة أيام.. ومن الكتب من يرفعها إلى أكثر من عشرة أيام.. فهلْ يمكنُ أنَّ رجلاً كأبي بكر رَضِيَ الله عنه.. بهذه القامة العالية بما عُرفَ عنْه في الجاهلية من امتناع عن عادات كانت سائدة مثل شرب الخمر والسجود للأصنام وغير ذلك من عادات جاهلية.. واستجابته لدعوة الإسلام فور تبلغها من رسول الله.. ويعيشُ إضافة إلى ذلك نحو عشرة أيام بلياليها.. مع نبي.. وليس نبياً كسائر الأنبياء والرسل.. لوحدهما.. يأكلان معاً.. ينامان معاً.. يتكلمان.. يفكران معاً.. ويتبادلان الأفكار.

هذه نِّعمة عظيمة..  فأنَّى لهذا الرَّجل أنْ يخالفَ أمرَ صاحبه (صلى الله عليه وسلم) عند موتِه.. ليس بعد فترة طويلة.. بل بعد أقل من ساعة كما يقال؛ فهل يمكن لهذا أنْ يحدثَ؟؟ خاصَّة أنَّه عاشَ مَعَهُ سنواتٍ طوالاً في الإسلام إضافة إلى صداقتهما في سنوات ما قبل البعثة.. وإذا أضفنا أيْضاً هذه الأيام الخاصَّة جداً إلى كل تلك السنين.. مع خصوصيةٍ شديدةٍ لأيامِ الهجرةِ، هذه الرحلةُ العظمى..

فهلْ يمكن أنْ يتغيّرَ هذا الرجلُ في أقلَّ مِنْ ساعة واحدة من موتِ صَاحِبه؟؟ ويصبح كل همه الدنيا وطلب الملك!

ثم هلْ الرَّسولُ الكريمُ لا يعرف كيف ينتقي أصحابه ولا يعرف من يصاهر.. ومن يتزوج؟؟

التغير من حال إلى حال لا يكون في ساعة

أمَّا القول بأنَّ أبا بكر رَضي الله عنه تغيَّر من حال إلى حال ضده بعد ساعة أو أقل من وفاة رسولنا الكريم.. فأمرٌ يدعو إلى التفكير؟

وإذا قيل إنَّه كان متغيراً من قبل ففي ذلك اتهام للرسول صلى الله عليه وسلم..

وكذلك لو قلنا إنَّ أبا بكر كان يضمر ما في قلبه ولا يكشفه.. فكيف والرسول قد أعلمه الله بكل منافق في المدينة قريباً وبعيداً.. فهل يعقل أن يخفي عنه حقيقة أبي بكر.. فإمّا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم هذه الحقيقة وأخفاها.. فكيف وهذا باطل إِذْ كيف يأمره بالصلاة بالنّاس وهو يعلم ما في قلبه وما سيحدث من خلاف من بعده؟؟ وهلْ هُنالكَ أعظمُ منَ الصَّلاة.. وهل ولاية الدنيا أعظم من ولاية الآخرة؟؟ وإما أنَّ الرَّسول الكريم يجهل هذه الحقيقة، وجاء من بعده من يكتشفها.. فهل يصلح ذلك في مقام محمد صلى الله عليه وسلم؟!

هذه نقاط تستوقني.. وللكلام بقية إن شاء الله..