شِعْرُ الغُواةِ المُهْتَدِيْنَ

معتز عبد الحميد صقر

كلية دار العلوم – جامعة القاهرة

[email protected]

دارَ بَيْنَ الوَلَدِ والأُسْتاذِ الشاعِرِ ذاتَ يَوْمٍ حِوارٌ، مِثْلُهُ قَدْ نَدَرَ، وَهَذا لِما كانَ خَبَرٌ:-

الوَلَدُ: يا أُسْتاذُ، أَيُمْكِنْ أَنْ يَكُوْنُ هُناكَ مَنْ يَتَحَلَّوْنَ بِأَخْلاقِ الشُّعَراءِ، وَسِماتِهِمْ، وَقُدْرَتِهِمْ عَلَى خَلْقِ المَعانِيْ، وَلا يُدْرِكُوْنَ خَلْقَ النَّظْمِ لِهَذِهِ المَعانِيْ؟

الأُسْتاذُ: نَعَمْ، يُمْكِنُ.

الوَلَدُ: وَماذا نُسَمِّيْهِمْ؟

الأُسْتاذُ: الغاوِيْنَ[1].

الحِوارُ قََدْ دارَ بَيْنِيْ وَبَيْنَ الشّاعِرِ الكَبِيْرِ والأُسْتاذِ الدُّكْتُوْرِ ( أَبِيْ هَمّامٍ، عَبْد اللَطِيْفِ عَبْد الحَلِيْمِ )، إِثْرَ نَدْوَةٍ عَقَدَها رُعاةُ شَبابِ كُلِّيَّةِ دارِ العُلُوْمِ، يَوْمَ الثُّلاثاءِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ أَبْرِيْلِ عامِ تِسْعَةِ وَأَلْفَيْنِ.

وَبَعْدَ أَنْ انْتَهَى حَوارِيْ وَالأُسْتاذَ، اعْتَرَتْ بالِيْ أَفْكارٌ، مِنْها ما ظَنَنْتُهُ مِنَ الغَيِّ قَبْلِها، وَلَكِنْ بَعْدَ رُدُوْدِ الأُسْتاذِ أَخَذَ رَأْيِيْ يَتَغَيَّرَ، فَأَحْسَسْتُ أَنّها مِنَ الغَيِّ، عَلَى اخْتِلافِ الغَيَّيْنَ.

أمّا عَنْ هَذِهِ الأَفْكارِ، فَهِيَ تَدُوْرُ حَوْلَ ما خالَفَ مِنَ الشِّعْرِ عَمُوْدَ ( المَرْزُوْقِيَّ )، فَكُنْتُ أُرَى أَنَّ الشُّعَراءَ، الّذِيْنَ يَكْتُبُوْن الشِّعْرَ عَلَى غَيْرِ هَذا النَّسَقِ المَعْرُوْفِ مُنْذُ الجاهِلِيَّةِ وَالّذِيْ حَصَرَهُ الخَلِيْلِ فِيْ سِتَّ عَشَرَةَ صُوْرَةً تَقْرِيْبًا عُرِفَتْ بِبِحُوْرِ الشِّعْرِ، الَّذِيْنَ يَكْتُبُوْنَ ما يُسَمَّى الشِّعْرَ الحَدِيْثَ، كُنْتُ أُراهُمْ غُواةً وَأَرَى كَلامَهُمْ مِنَ الغَيِّ، وَهَذا هُوَ ما قَصَدْتُهُ مِنَ الغَيِّ الأَوَّلِ.

أمّا بَعْدَ أَنِ اسْتَمَعْتُ لِكَلامِ الأُسْتاِذ، مَرَّ عَلَيَّ طَيْفٌ وَأَنا جالِسٌ وَحْدِيْ يَقُوْلُ:" رُبَما كانَ هَؤُلاءِ الَّذِيْنَ اعْتَبَرْتَهُمْ غُواةً يَسْتَطِيْعُوْنَ خَلْقَ الصُّوَرَ وَالمَعانِيْ الجَمِيْلَةِ وَلا يَسْتَطِيْعُوْنَ نَظْمَها عَلَى الأَشْكالِ المَأْثُوْرَةِ لِلْقَصِيْدَةِ، وَإذا كانُوْا كَذَلِكَ فَهُمْ مِمَّنْ أَجازَهُمْ الأُسْتاذُ شُعَراءَ، وَسَمّاهُمْ غاوِيْنَ ".

فَفَكَّرْتُ فِيْ كَلام الطَّيْفِ، وَأَحْسَسْتُ أَنَّهُمْ فِعْلا غاوُوْنَ الغَيَّ الَّذِيْ أَجازَهُ الأُسْتاذُ، وَهَذا ما قَصَدْتُهُ مِنَ الغَيِّ الثّانِيْ.

وَكَيْفَ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوْا طَرِيْقَ الشِّعْرِ القَدِيْمَةِ، وَلَكِنَّهُمْ فِيْ الوَقْتِ ذاتِهِ قَدْ اهْتَدَوا إلَى طُرُقٍ جَدِيْدَةٍ مِنَ الشِّدَّةِ أَنْ نُنْكِرَها عَلَيْهِمْ، وَمِنَ الرَّأْفَةِ أَنْ نَتْرُكَها لَهُمْ.

فَيا أَيُّها الغاوُوْنَ، لا يَضُرَّنَّكُمْ ضالٌّ إذا اهْتَدَيْتُمْ.

              

[1] ذَكَّرَنِيْ رَدُّ الأُسْتاذِ بِحِوارٍ آخَرَ كانَ قَدْ دارَ بَيْنِيْ وَبَيْنَ بَعْضِ زُملائِيْ وَأَصْدِقائِيْ عَنِ الشِّعْرِ لاحَظُوا مِنْ خِلالِهِ حُبِّيْ واهْتِمامِيْ الزّائِدَيْنِ لِلشِّعْرِ وَالشُّعَراءِ، عَلَى اخْتِلافِ أَغْراضِهِ وَأَلْوانِهِمْ، فَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ مُداعِبًا قائِلا: " يا مُعْتَزُّ، الشُّعَراءُ يَتَّبِِعُهُمُ الغاوُوْنَ "، فما كانَ مِنِّيْ إلا أَنْ رَدَدْتُ عَلَيْهِ بِقَوْلِيْ: " إذا كانَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُوُنَ، فاشْهَدُوا أَنِّيْ غاوٍ ".