كيف تكون التربية المؤثرة بالقدوة ؟

كيف تكون التربية المؤثرة بالقدوة ؟

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

أولاً : لا تتحدث كثيرًا عن شخصيتك أو تاريخك أو عملك أو نشاطك :

فى استبيان حول التحدث عن النفس ، جاءت أعلى الإجابات والتى بلغت 40% ، حول إجابتين :

ــ أتحدث عن نفسى عندما يكون لى حاجة ملحة .

ــ أتحدث عن نفسى عندما يتحتم إيضاح موقفى .

وجاءت أقل نسبة وهى ( صفر ) حول هذه الإجابات :

ــ احتقر نفسى لأنى أكذب .

ــ الزمن تغير يجب أن أتحدث عن نفسى فى كل موقف .

ــ لا أدرى .

بينما تساوت هذه الإجابات عند نسبة 10% :

ــ لا أتحدث عن نفسى كثيرًا .

ــ يجبرنى الناس أن أتحدث عن نفسى .

ــ التحدث عن النفس سنة شرعية كمدح يوسف الصديق لنفسه عند فرعون.

فالحديث عن النفس بهذه النسب المتدنية يحدث إزعاجًا للآخرين ، ويكون مقززًا ومنفرًا ، والأخطر حينما يتمنى المستمعون لحديثك عن نفسك ، أن تسكت أو أن ينقطع صوتك من أول كلمة .

ثانيًا : علو الهمة والمبادرة والمبادأة :

الهمة هى الباعث على الفعل ، وتوصف بعلو أو سفول ، فمن الناس من تكون همته عالية إلى السماء ، ومنهم من تكون قاصرة تهبط به إلى أسوأ الدركات .

يقول ابن القيم واصفًا الهمة العالية : ( علو الهمات ألا تقف " أى النفس " دون الله ، ولا تتعوض عنه بشيء سواه ، ولا ترضى بغيره بدلاً منه ، ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية ، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالى على الطيور لا يرضى بمساقطهم ولا تصل الآفات التى تصل إليهم ، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها ، وكلما نزلت قصدت الآفات عن كل مكان ) .

يقول أبو الطيب :

لهم همم لامنتهى لكبارها                  وهمته الصغرى أجل من الدهر

وقد قيل: ( من علت همته علت رتبته ) ، ( همتك فاحفظها ، فإن الهمة مقدمة الأشياء ، فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال) .

فالقدوة المؤثر فى غيره ، هو من تعبّر كلماته عن حاله وهمته مثل :

ــ سوف أحقق ما أريد .

ــ الحياة سهلة وأنا متفاءل .

ــ الصعود إلى القمة سهل وممتع .

ــ العمل متعتى .

ــ حققت التوازن بين جوانب حياتى .

فلماذا لا نبدأ ؟ ونحقق دائمًا المبادرة ؟ فهى التى تزع فى الأتباع الاستقلالية ولا ينتظر ما يمليه عليه الآخرون ، وهى التى تربى الأتباع على التميز وعدم تقليد الآخرين ، فالقدوة بالمبادأة يعالج الكثير من أمراض الأتباع مثل : الخوف من نتائج العمل , والسلبية في الحياة , و الاستسلام للعقبات ، ولكى يربى القدوة المبادأة والمبادرة فى نفوس تابعيه ، ينصحه الخبراء بهذه النقاط :

ــ ترك فترة من الوقت اليومى للتنفس والتنفيس بما يتوافق مع الشرع

ــ ترك الزجر المنفر لأنه يزرع الخوف ويغرس الجبن والتردد .

ــ الأخذ بمبدأ الاستشارة ، وأن المحاولات مهما تكررت ، والأخطاء مهما كثرت لا يقلل ذلك من شخصية التابع .

ــ العمل المتواصل فى التوجيه والإرشاد بالحسنى وهذا له مفعول سحرى لدى الأتباع .

ــ نشر ثقافة المبادأة والمبادرة لأنها ثقافة العقل والإنتاج والإيجابية والتخطيط للمستقبل .

وكل ذلك يحتاج من القدوة إلى لباقة وفراسة وعلم ومرونة ونية ، بلا تصنع أو تكلف أو جفاف .

ثالثًا : محاسبة النفس وتقويم السلوك :

قد يحسب الكثير أن القدوة ليس بحاجة إلى محاسبة نفسه أو تقويم سلوكه , بزعم أنه قد تخطى هذه المراحل , ولكن إذا علم العقلاء أن من التأثير البالغ في التربية بالقدوة , أن ينتبه القدوة إلى نفسه الانتباه المتواصل , وأن يغير من سلوكه دائماً نحو الأفضل , لأيقنوا بأن هذه المقولة لا وجود لها في عالم التربية المؤثرة , لأن محاسبة النفس هو طريق استقامتها ، وكمالها ، وفلاحها ، وسعادتها ، يقول الله تعالى ) : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  ( الحشر: 18.

 قال ابن كثير في تفسيره : وقوله : ( وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) , أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادّخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.

وهل قوله تعالى : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا , فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتقواها , قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها , وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) [الشمس:7-10]، ليست للقدوة , أم هي أمس لحاجة القدوة عن غيره ؟ قال الحسن : معناها ,  قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله عز وجل , وقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا أهلكها وأضلها وحملها على المعصية .

والقدوة قوام في الأصل على نفسه أولاً , لا يعجز بالأماني , فيضيع مَن يقتدي به , ويزن نفسه في كل لحظاته , ليربي تابعيه على حساب أنفسهم قبل يوم الحساب , وعلى التزين للعرض الأكبر يوم الميزان , وكلما استعد القدوة ليخف حسابه كمسئول عن تابعيه , علمهم هذا الفهم الدقيق في دنياهم قبل مشقة يوم الحساب .

خطوات عملية من أفواه القدوات التربوية :

-  المحاسبة توجب للقدوة أن يمقت نفسه في جانب حق الله عليه ، روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء أنه قال : ( لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً ) .

-     - وقال محمد بن واسع محتقراً نفسه وهو القدوة العابدة : لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد أن يجلس معي .

-  يقول ابن القيم : ( ومقت النفس في ذات الله من صفات الصدِّيقين، ويدنو العبد به من ربه تعالى في لحظة واحدة أضعاف أضعاف ما يدنو بالعمل ) .

-  وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ( من مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من مقته (.

- وقد رسم الإمام أحمد يوماً لتابعيه ما يقوم به هو مع نفسه , مستعيراً الحكمة , فكان يقول لهم : ( مكتوب في حكمة آل داود : حق على العاقل ، أن لا يغفل عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلو فيها مع إخوته الذين يخبرونه بعيوبه ويَصدقونه عن نفسه ، وساعة يتخلى فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل ، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات وإجماماً للقلوب ) .

- وكان عمر دائماً يوصي كبار رجال الدولة وهم القدوة لغيرهم , قبل وصيته لغيرهم , فقد كتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله : ( حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة ، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة , عاد أمره إلى الرضى والغبطة ، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه , عاد أمره إلى الندامة والخسارة (  .

- ونقل ابن الجوزي في ذم الهوى ما حذر منه أبو محمد الحريري , من تهاون القدوة في محاسبة وتقويم نفسه فكان يقول : ( من استولت عليه النفس صار أسيراً في حكم الشهوات , محصوراً في سجن الهوى , وحرَّم الله على قلبه الفوائد ، فلا يستلذ كلامه ولا يستحليه ، وإن كثر ترداده على لسانه ) .

محاسبة النفس أنواع :

قال ابن القيم  : ( ومحاسبة النفس نوعان , نوعٌ قبل العمل ونوعٌ بعده :

فالنوع الأول : الذي هو قبل العمل فهو : أن يقف عند أول همه وإرادته ، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحان العمل به على تركه ، قال الحسن رحمه الله : ( رحم الله عبداً وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر ) .

 والنوع الثاني : محاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع :

أحدها : محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي , ثم يحاسب نفسه هل قام بطاعة الله على وجه يرضي الله تعالى أم قصر بذلك؟ .

الثاني : أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً من فعله.

الثالث : أن يحاسب نفسه رابحاً ، أو أراد به الدنيا وعاجلها ؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به ))  .

رابعًا : تكرار الفعل الحسن حتى يكون ذلك طبعًا وسجية :

لقد قيل : ( أن السلوك هو تعبير عن الداخل والذات ، وليس عن ظروف خارجية ) ، وربما يكون فى هذا المعنى سر حياة قدوتنا المؤثرة ، فعنوان نجاحنا ، فى جعل تصرفاتنا وسلوكاتنا نابعة من قيمنا وأخلاقنا وديننا ، فمهما كانت الظروف والضغوط والانفعالات ، فإنها لا تؤثر ، على الثوابت الداخلية ، من العفو والتسامح والتغافر والحب والخدمة ، وبذلك يصبح القدوة هو المسيطر على الحياة ، حينما يصل الأمر إلى قولنا : هو هكذا ، طبعه هكذا ، سجيته هكذا ، وهل التكرار لهذه المباديء هو الطريق إلى أن يكون طبعًا وسجية ؟ ... نعم فالاعتياد والألفة للفعل الحسن لن يتحقق إلا بالتكرار والدوام وإن قل ، وهذا أحب الأعمال السلوكية إلى الله كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم : ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ) .

فهل من خطوات عمليةة

 حتى يصبح السلوك والفعل الحسن طبعًا وسجية :

فما الذى يمنع القدوة من هذا الاعتياد ، وهذه السجية التى يُعرف بها ؟ والتى هى طريق التربية المؤثرة فى تابعيه ، حيث يبادر بحل المشكلات لا تراكمها ، وبالنصح والتوجيه وتصحيح المسار لا باللا مبالاة ، وبالإقدام الذاتى فى تقويم السلوكات السيئة لا بالهروب أو الإهمال ..

2ـ احذر الاستجابة لانفعالاتك ، فهي تقف حجر عثرة فى طريقك ، مثل : ( أنا عصبى ، أنا مضغوط ، الحمل ثقيل ، هذا أمر مفروض علىّ ، أعبائى كثيرة ، الأتباع متعبون ، ومستفزون ) ، وهذه أيضًا بالتكرار تصير واقعًا ملموسًا ، وهى فى حقيقتها مجرد أوهام من صنع القدوة ، يجب عليه أن يتخلص منها ، وإلا سرت هذه الروح فى العمل , ثم فى أتباعه .

وللخروج من هذا المأزق إن وجد ، لابد من ترتيب النفس ، يقول الرافعى فى وحى القلم : ( قمة الفشل أن ترتب الحياة من حولك وتترك الفوضى بداخلك ) ، هذا الترتيب الذى يجعلك تعيش مع أقدار الله ، وترضى بقضائه ، ومن ثم هو المحرك الذى يجعلك تقول كلمة : ( أنا ) المحمودة فى مواطن العطاء والعمل والجهاد .

3ـ لا تكن رد فعل فى هذه الحياة ، بل طوّر وأبدع وحسّن وابدأ وخطط ، وكن أنت المبادر فى لعبة الحياة ، اصنع يومك وحياتك وبرنامجك ، واستقبل حوادث الحياة بتوجيهها نحو هدفك ، فإن كانت ثقيلة ، فصوب من موقع آخر ، فقديمًا قالوا فى الحكمة : ( من لايحدد له اختيارًا فقد اُختير له ) ، ومن أعظم ما يجنيه القدوة أن تكون الاحتمالات أمامه متعددة عندما يقرر أن تكون فعلاً لا رد فعل .

وبذلك يغرس فى تابعيه روح الإبداع والتطوير وصناعة الحياة ، لأن سنة الله فى كونه : أنه لا يحدث شيء إلا بمسبب , ونسبة عالية من هذه المسببات فى يد الإنسان ، فكل ما يتم مواجهته فى الحياة سببها فعل ابتدائى ، فإن كان تهاونًا وكسلاً , فماذا يجنى غير الشر ؟ يقول تعالى : { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا  } المزمل : 20 ، أى كان بوسعكم صناعة الخير وفعله ، فلماذا تكاسلتم ؟ .

5ـ لا تأمر بشيء إلا وقد فعلته أولاً :

تحضرنا هنا قصة الحسن البصرى ، الذى كانت كلماته مؤثرة فى الناس ، حيث تدفعهم إلى العمل الفورى وتغيير سلوكهم ، فجاء إليه بعض الناس يشكون إليه سوء معاملة الخدم ، وطلبوا منه أن يحدث الناس فى ذلك ، وانتظروا أن يتحدث فى خطبته ، ولكنه تأخر عن الحديث ، وفجأة حدّثهم ، وتحقق الهدف فى تغيير سلوك الناس اقتداءً بقوله ، وعندما سألوه عن سر تأخره  ، قال لهم مفصحًا عن هذا السر الذى به يستطيع القدوة التأثير الفورى فى سلوك تابعته ، فقال : لم أكن أمتلك خادمًا فاشتريت خادمًا ، وعاملته معاملة حسنة ثم أطلقته حرًا ، ثم تحدثت إلى الناس .

ووصدق فيه قول الشاعر :

وغير تقى يأمر الناس بالتُقى              طبيب يداوى الناس وهو عليلُ

وليس معنى ذلك أن لا يقوم القدوة بآداء دوره فى النصح والتوجيه حتى يفعل ! ، وإنما الذى أردناه أن يفعل ويتحرى الفعل ، ففى نفس الوقت الذى رأينا الحسن البصرى يفعل ذلك ، هو نفسه يقول لأحد تلاميذه : يا مطرف عظ أصحابك ، فقال مطرف : إنى أخاف أن أقول ما لا أفعل ، فقال الحسن : يرحمك الله وأينا يفعل ما يقول ؟ لود الشيطان , أنه ظفر بهذه ( هذه المقولة ) منكم ، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر .

ولذلك كان ذم الله لبنى إسرائيل ليس على أمرهم بالبر مع تركهم له ، بل الذم على الترك وحده وليس على الأمر ، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه ، فإن الأمر بالمعروف مطلوب من الجميع الذى يعمل به والمقصر ، هكذا قال العلماء , واستدلوا بقوله تعالى : { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه } المائدة : 79 ، بعد قوله تعالى : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } البقرة : 44 .

وهذا مثال عملى من أسوتنا صلى الله عليه وسلم ، فى صلح الحديبية ، وبعد أن فرغ الرسول من كتابة الصلح مع قريش ، أمر الصحابة أن ينحروا ثم يحلقوا من أجل أن يتحللوا من عمرتهم ، لأنهم قد حصروا ومنعوا من البيت ، يقول الراوى :

فو الله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد ، قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقى من الناس ، فقالت أم سلمة رضى الله عنها ، يا رسول أتحب ذلك ؟ اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلق لك ، فقام فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنته ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد يقتل بعضهم بعضًا .

6- القدوة وفى نفس الوقت الاقتداء

هل القدوة المؤثرة لا يحتاج إلى الاقتداء ؟

وهل الاقتداء مفروض فقط على التابعين ؟

وهل من العيب على القدوة أن يتتلمذ ويقتدى بغيره ؟

فى قوله تعالى : { واجعلنا للمتقيين إمامًا } الفرقان :74 ، يقول الإمام البخارى فى تفسيرها : ( أئمة نقتدى بمن قبلنا ، ويقتدى بنا مَنْ بعدنا ) ، فكون الإنسان قدوة يتطلب منه أن يتخلق بأخلاق الأنبياء ،وهذه يحتاج إلى مجاهدة عظيمة ، ومن صدق الله , وفّقه الله وأعانه وبلّغه مقصوده ، حتى لا يظن البعض بأنه كقدوة لا يحتاج إلى الاقتداء أو التأسى .

فالتأسى مطلب شرعى ومحمدة لصاحبه ، خاصة إذا كان يقتدى بمن هم أهل لذلك , كالأنبياء والصالحين وكل من سن فى الإسلام سنة حسنة ، وقد ذم الله تعالى الاقتداء بأهل الضلالة , فقال تعالى : { وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } الزخرف : 23 .

والاقتداء إذا كان غريزة بشرية مغروسة فى نفس كل إنسان ، كرغبة فى الاقتداء ، واستعداد للتقليد ، ومرتبط بهدف ، فإنه لقدوتنا ألزم لرغبته الدائمة فى التقديم والتطوير والتجديد ، ولأنه يتجه إلى أسمى هدف ، وهو ما أطلق الله عليه فى كتابه , البصيرة بالدعوة : { قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى } يوسف : 108 ، فكل مسلم على الأقل داعية بالقدوة فى أسرته ، وفى عمله ، ومع الناس ، فالمؤمنون قدوات بعضهم لبعض ، يقول تعالى :{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } التوبة : 71 ، ويقول الحسن فى تفسير قوله تعالى : { وجعلناهم أئمة يهتدون بأمرنا }السجدة  : 24 ، ( من استطاع منكم أن يكون إمامًا لأهله ، إمامًا لحيّه ، إمامًا لمن وراء ذلك ، فإنه ليس شيء يؤخذ عنك , إلا كان لك منه نصيب ) .

وليست القدوة في مجال واحد , حتى نقول : من حقه ألا يقتدي بغيره , ولكن مجالات الحياة كثيرة , في الإدارة والاقتصاد والسياسة والعلم الشرعي والتنمية والإعلام وعلوم الطب والهندسة والكيمياء , وسائر شئون الحياة , فقد نقتدي بقدوة في علم من العلوم , ولا يعني ذلك الاقتداء به في أخلاقه , أو العكس .