شرطة دُبَيْ..
شرطة دُبَيْ..
مثالٌ يُحْتذى
سحر المصري
طرابلس - لبنان
حين تتردّد كلمة "الشرطة" في بعض البلاد العربيّة سرعان ما يتبادر إلى الذهن الكلبشات والقضبان والهراوات والسجون وأناس عاقدي الحاجبين ليتممّوا المراسم الرسمية لتنفيذ القانون.. وأرتالٌ تهرول لتطبيق النظام وآلافٌ يغطّون رؤوسهم وعقولهم "ليحموا" البلد من المتظاهرين الذين يكونون غالباً بأعدادٍ لا تصل إلى ربع أعداد عناصر الشرطة! ناهيك عن ممارسات "لاأخلاقية" خلال التحقيقات ليُُقِرّ بعدها المجني عليه أنه هو الجاني.. وحدِّث ولا حرج! فالشرطة في "خدمة" الشعب!!
صورةٌ سلبيّة بالكليّة خاصّة لدى الإسلاميين الذين أصبحوا في قاموس حكام البلاد وزبانيتهم "إرهابيين" ومخَرِّبين!
كل هذه الصور للشرطة بقيت –عندي- ضاربةً أطنابها في عمق التفكير حتى التقيت بقيادة شرطة دبي الذين أتوا إلى لبنان ليقوموا بدوراتٍ عديدة كان قد أكرمني ربي جل وعلا بالمشاركة بإحداها منذ سنتين تقريباً.. وفي هذه السنة حين عرفت بقدومهم لم أتردَّد لحظة في المشاركة لأنعِش ذاكرتي بنظرةٍ للشرطة مغايرة ولأستفيد بالرقيّ والجميل المفيد الذي يقدِّمون عن طيب خاطر وسمو نَفس وكفاءات مميزة ومقاييس أداء عالية وعرضٍ جذاب..
هذه الشرطة التي أبدعَت وتميّزت في برامجها الاجتماعية وخططها لحماية المجتمع يقودها في أعلى الهرم قائدٌ حافظٌ لكتاب الله جل وعلا.. يحب دينه ووطنه ويتفانى وأقرانُه في تقديم خدماته لهما.. فكانت بحق كما وصفها البعض "مؤسسة خدمية واجتماعية قبل أن تكون مؤسسة أمنية وشرطية".
كانت الدورة الأخيرة عن إعداد القادة والمرشدين الاجتماعيين.. يتساءل المرء لماذا يجوبون البلاد ويقدّمون هذه الدورات مع محتوياتها على أقراص مدمجة تحتوي كل المعلومات ومادة الدورة مع أنّه كان بإمكانهم البقاء ضمن حدود الإمارات العربية المتحدة فقط.. أو في أعظم الأحوال يمكنهم إعطاء الدورة والذهاب من دون الإلحاح على المشاركين أن يعملوا ويُنتِجوا وينفِّذوا المشاريع ويتركوا لهم عناوينهم الالكترونية ليُشرِكوهم في التفكير والنصح! لفتات لم أجدها في الكثير ممّن عرفت.. كل هذا لأنّ هدفهم بكل بساطة هو تنمية المهارات وإعداد قادة والمساهمة عبر هذه الدورات التوعوية والتنموية من إعداد أشخاص قادرين على حماية المجتمع وتطهيره من الأمراض التي استشرت فانغمس الشباب في الموبقات من مخدرات وخمور وزنا والعياذ بالله.. فما عدموا الوسيلة بفضل ربهم جل وعلا أولاً وصدق توجههم وإخلاصهم وعملهم الدؤوب ليصلوا إلى مجتمع محميّ وجيلٍ متميّز يُعيد للأمّة مجدها..
وكانت حملاتهم متعدّدة وبعناوين مختلفة هامة جداً لجيلٍ فئة كبيرة منه منهزمة نفسياً أو منهارة نتيجة التفكك الأُسري والفشل أو ضعيفة منقادة للصحبة السيئة والانترنت والفضائيات والشهوات.. فكانت حملات "معاً من أجل الشباب" التي تهدف لتوسيع مداركهم والحفاظ على طاقاتهم للخير.. وذلك ضمن برامج توعوية ودورات مكثّفة لمعرفة معطيات النجاح الحقيقي وكيفية الحصول عليه، للتشجيع على إكمال الدراسة، للتخلص من الشلّة السيئة، للتحذير من التدخين والمخدرات من خلال نشر المعرفة وتغيير الاتجاهات للوصول إلى تغيير السلوك.. وكذلك إلقاء الضوء على الآثار السلبية للمخدرات على الفرد والأسرة والمجتمع.. والتركيز على أدوار الثلاث مجتمعة للقضاء على الإدمان..
ولا شك أن في الإصدارات والنشرات والمطويات التي تنشرها شرطة دبي الأثر الأكبر في عملية التوعية المجتمعية.. ولعل أكثر ما يميّز هذه المشاريع انبثاقها من قلوبٍ ارتبطت بربّها جل وعلا فكان عملها مرتكزاً على القِيَم الدينية بالدرجة الأولى..
ومن البرامج الرائدة لشرطة دبي برنامج "حماية" لمكافحة المخدرات والذي يهدف إلى تنمية الموارد البشرية العاملة في مجال مكافحة المخدرات وملاحقة التجار والمروّجين لها وتأهيل المدمنين مع إعادة دمجهم في المجتمع وطبعاً التوعية من مخاطر الإدمان..
وأكثر ما شدّ انتباهي هو برنامج "التربية الأمنية" التي بدأتها الشرطة في مدرسة واحدة خلال خمس سنوات ثم انتشرت التجربة الآن إلى كل المدارس الرسمية في دبي لتشمل ثلاثين ألف طالب بعد النتائج المُبهِرة التي حصلوا عليها.. فقد استطاعوا ترسيخ المعاني الوطنية في الجيل وبثّ الروح الإيجابية تجاه المجتمع وتقوية الثقة بالنفس وإشعارهم أنهم مسؤولون أمام الله جل وعلا والوطن..
بالإضافة إلى التقليل من التسرب المدرسي والإنحراف السلوكي ورفع معدّلات التفوق.. فتعزّزت نفوسهم وانضباطهم المسلكي وارتفع مؤشر الأداء الدراسي والتفوق لديهم وبرّهم لوالِديهم.. فكان هذا البرنامج بمثابة الوقاية قبل العلاج.. "لإعداد جيل طلابيّ واعٍ ومحصَّن أمنياً و أخلاقياً".. وقد وصفت الشرطة هذا البرنامج في كلمات: "يسعى برنامج التربية الأمنية إلى تدريب الطالب على التمسك بالنظام بوجه عام في مختلف نواحي حياته ودراسته، وذلك بغرس المبادئ التي تساعده على حمل قدر وافر من الانضباط الذي يسهم إلى حد كبير في تشكيل سلوكه نحو الآخرين والتزامه باحترام حرياتهم وأداء حقوقهم"..
وما هذا إلا غيضٌ من فيض استطعت معرفته في الأيام القلائل التي قضيتها في هذه الدورة مع الإخوة الأفاضل في شرطة دبي وحقيقةً لقد بُهِرت بالمستويات الإيمانية والتدريبية والشخصية الراقية في هؤلاء "الرجال" ووددتُ لو تمّت العدوى لرجال الشرطة في أماكن متفرّقة –وكثيرة ما هي- في بلادنا العربيّة ليكونوا شامة في الناس ديدنهم خدمة المجتمع بحق وليس فقط تأمين المنظر الفولكلوري في الشوارع أو تأمين القوة اللازمة لتفريق مظاهرة قد تكون ضد العدوان على شعبٍ شقيق!!!
أفليس من الحكمة أن تنشغل الشرطة عندنا بتنظيم هكذا برامج بعد أن استفحل الفساد بدلاً من القمع والعمل على الجوانب التعريفية والتقويمية والوقائية للجيل والمجتمع؟!
لقد آن الأوان لتتغيّر النظرة التقليدية للشرطة وطرق تحقيق الأمن إلى منظومة متكاملة ليست فردية بل مع الشركاء في المجتمع من مؤسسات تربوية وتوعوية رسمية وتطوعية..
تحية وشكر من الأعماق لشرطة دبي.. ودعاء أن يجدوا ما عملوا في موازين حسناتهم يوم القيامة..
"نحن شرطة متميزة لسنا كغيرنا من قوات الشرطة، إننا نتطور بسرعة البرق!" وأنتم كذلك فعلاً.. فبورِك الجهد..