الأذرع الطويلة

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يوم اكتسح الغزاة النازيون اليهود حدود ثلاث دول عربية في يونيو 1967م ، ووصلوا إلى شاطئ السويس ومشارف دمشق ونهر الأردن تباهوا بذراعهم الطويلة التي دمّرت أسلحة الدول الثلاث : الجوية والبحرية والبرية وأضافت إلى مساحتها الجغرافية المغتصبة سبعة أضعاف أخرى مغتصبة أيضاً . وبعد عبور قناة السويس في رمضان 1393هـ / أكتوبر 1973م ، قطعت هذه الذراع ، وعرف الغزاة النازيون اليهود أن هناك من يستطيع قطع ذراعهم ، ورقابهم أيضاً عندما تتوفر الإمكانات .

بعد توقيع اتفاقية الصلح الأسود نتيجة لضغوط داخلية وخارجية ، استعادت الذراع الصهيونية الآثمة نُموّها من جديد . قصفت مفاعل تموز في بغداد 1981م ، وقضت على المحاولة العربية المتميزة لبناء مفاعل نووي ، وفى العام التالي2 198 م ، تقدمت القوات النازية اليهودية في جنوب لبنان حتى وصلت إلى بيروت ، وأقامت رئيساً موالياً لها اسمه " بشير الجميل " ، وطردت المقاومة الفلسطينية ، أو ما تبقى منها آنئذ إلى تونس واليمن وأماكن أخرى ، ثم هاجمت " حمام الشط " في تونس وقضت على زعماء مقاومة فلسطينيين ، وظلت تهيمن على الأجواء والبحار والأراضي العربية ماديا أو معنويا ، حتى تم طردها من جنوب لبنان في مايو عام 2000م ، و استخدمت القوة المفرطة ضد الفلسطينيين العزل في الانتفاضة الأولى ، والانتفاضة الثانية ، ودفعها صمود المقاومة في غزة إلى الخروج وفرض الحصار ، ثم كان تدميرها لجنوب لبنان وضاحية بيروت عام 2006م ثم مذبحة غزة التي توقفت في يناير عام 2009م ، ومؤخرا أغرقت سفينة إيرانية قيل إنها كانت محملة بالسلاح إلى المقاومة الفلسطينية ، وقصفت قافلة شاحنات سودانية بالقرب من بور سودان وقتلت أربعين سودانياً ، وقضت على القافلة قضاء تاماً لدرجة تفحم الجثث ، وصنع حفر عريضة عميقة ، وكان السبب كما زعم القتلة أن القافلة كانت تحمل سلاحاً سيتم تهريبه عن طريق مصر إلى غزة .

في البداية لم يعلن اليهود الغزاة القتلة عن جريمتهم ، ولكن صحيفة مصرية خاصة انفردت بنشر الخبر ، فتبعتها وسائل الإعلام الدولية ، ومن ثم الصهيونية .. وكانت النغمة النازية اليهودية هذه المرة ، تستعيد مقولات النصر الكاسح عقب هزيمة العرب عام 1967 ، فلم يتحدثوا عن ذراع يهودية واحدة ، ولكنهم تكلموا عن أذرع طويلة ، تطال العرب والمسلمين في كل مكان ، وتجعل من الكيان الغاصب سيداً بلا منازع في أرجاء العالم العربي التعيس !

على سبيل المثال تحدث " رونين بيرجمان " في يديعوت 27/3/2009م في مقاله الأسبوعي عن نجاحات كبري في مواجهة ما يسميها الجهات الإرهابية في الشرق الأوسط ، وضرب إمدادات السلاح من إيران لحماس ، وجعل العنوان الفرعي لمقاله " اذرع اليهود الطويلة ! " . وذكّر بما نشره " دان رفيف " مراسل إذاعة الـ  سى . بى . إس في فلسطين المحتلة ( نوفمبر 1979م ) وجاء خبراً مدوّياً آنئذ عن قيام سلاح الجو الصهيوني مع سلاح البحرية والأسطول الجنوب أفريقي بتجربة نووية بجانب إحدى الجزر في المحيط الهادئ . في مكان ما بين انتراكاتيكا وجنوب إفريقيا ، مما أصاب العالم بصدمة ، وأثار عاصفة ، ودفع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يومئذ ( جيمي كارتر ) إلى توجيه الأوامر لإجراء تحقيق شامل أحرج الصهاينة !

دان رفيف نفسه أعلن مؤخراً في الإذاعة ذاتها حكاية جديدة انفرد بنشرها حول أذرع اليهود الطويلة التي قامت بإغراق السفينة الإيرانية التي زعموا أنها كانت تحمل سلاحاً للمقاومة الفلسطينية والقافلة السودانية التي تم سحقها بالقصف الجوى الصهيوني .

إن الصحف النازية اليهودية تفاخر بقصف ما تسميه المفاعل النووي في سوريا ( سبتمبر 2007م ) ، وما تدعوه مصنع صواريخ سكود السوري ، في يونيو 2007م . وإحداث الخلل بمصنع تخصيب اليورانيوم في نتناز الإيرانية واغتيال عماد مغنية في دمشق ، وكذلك اغتيال الجنرال السوري " سليمان " الذي كان ضالعاً في المشروع النووي السوري والتنسيق بين حماس وإيران بوساطة فناص يهودي .

يتباهى " رونين برجمان " في مقاله المشار إليه ، بالأذرع الطويلة لجيشه الصهيوني ، بعد المهانة التي لحقت به في جنوب لبنان عام 2006م ، وإن كان لا يعترف بها صراحة ، ويقول إن شيئاً ما تغيّر في الكيان الصهيوني ، جعل الطرف الآخر ( يقصد العرب ) يشعر أنه ملاحق ، وأن الصهاينة قد تغلغلوا في مجاله ، ويعرفون مؤامراته الخفية ، ومشروعاته النووية السرية وإرساليات الأسلحة التي ترد إليه !

وللأسف فإن صحفاً صهيونية أخرى حاولت أن تبدو موضوعية بادعاء أن قصف القافلة السودانية هو انتهاك لسيادة السودان ، ويخالف القوانين الدولية التي لا تقر هذا العمل الاستفزازي ، ولكنها تبدو شامتة في الوضع العربي المأساوي . فالأراضي العربية حسب تعبيرها باتت أرضاً مشاعاً ، والسيادة العربية منتهكة ، والأنظمة العربية تتعامل مع هذه الانتهاكات بطريقة من يصفعك على خدك الأيمن أدر له خدك الأيسر . ولا توجد أي دلائل أو مؤشرات بأن هذا الوضع في طريقه إلى التغيير في المستقبل المنظور ( القدس العربي 27/3/2009م ) .

وإذا كان ما يقوله الصهاينة صحيحاً إلى حدّ ما ، فإنه لا يعنى موت العرب ، وتشييع جنازتهم إلى الأبد كما تصور اليهود الغزاة النازيون عقب هزيمة 1967 الكاسحة . صحيح أن الأحوال لا تبشر بخير ، ولا تنذر بتغييرات في القريب العاجل ، ولكن من قال : إن دوام الحال مسألة محسومة ؟

من المؤكد أن العرب يعيشون هواناً غير مسبوق ، دفعهم إلى استرضاء عدوهم بكل السبل والطرق ولكنه لا يرضى ، ويُصرّ على إذلالهم بكل السبل والطرق ، وجيوشه وطائراته تتقدم في كل الاتجاهات ولا يعترضها أحد اللهم إلا بقايا المقاومة النبيلة الباسلة في فلسطين ولبنان والعراق ، ومع ذلك فمن المؤكد أيضاً أن صحوة تشبه عبور قناة السويس في رمضان 1393هـ / أكتوبر 1973م قد تأتى في وقت غير بعيد ، وساعتها – ستنجلي بإذنه تعالى – الفوارق بين حال وحال ، وزمن وزمن ، وإذا كان العرب يعلمون أن هزيمتهم جاءت من الداخل ، قبل أن تكون من جانب العدو ، فإن التغلب على الهزيمة الداخلية ، يقرّب يوم النصر واستعادة الحقوق وحماية الخدّ الأيمن والخد الأيسر معا .

وأول معالم التغلب على الهزيمة الداخلية هو تكريم الإنسان العربي ، بمعنى الحفاظ على كرامته وحريته وحقه في المشاركة في تقرير مصير وطنه وصنع مستقبله .. وعندها سيقترب اليوم الموعود لوضع الأمور في نصابها ، وتقصير الأذرع الطويلة للعدوّ ، وساعتها لن تجدي طائراته النفاثة إف 16 وما بعدها ، ولا طائراته بدون طيار ( هيرمس ) وأخواتها في مجال المفاخرة والمباهاة .

حاشية :

بات الحصول على المناصب والترقي في درك السلطة يعتمد على الهجوم على الإسلام وقيمه والسخرية منه ومن دعاته ، وقد ترقى مؤخرا بعض الصحفيين الذين أدمنوا الهجوم على الحركة الإسلامية إلى درجة رئيس تحرير في الصحف التي سرقتها السلطة الفاشية ، وبدأ عمله بتقديم ملفات عن الإخوان المسلمين ، تاركا الملفات الخطيرة التي تهم جموع المصريين وتمس حياتهم ليؤكد الولاء ويسهم في دعم ملف التوريث .. ويثبت أن الولاء للحرس القديم لا يمنع من الغزل مع الحرس الجديد ، ولله في خلقه شئون !