المقامة الماجدية..

ماجد سليمان

[email protected]

الأيام قوافل بعضها في أثر بعض، أحمالها ملئ بالمفاجآت، والنكبات، والمفرحات، والمحزنات، فحين يقع القَدَر فلا مفرَّ منه، ولا محيص عنه لو تعددت لنا الدروب أو حتى عددنا فرص الهروب، ها هي الدنيا تعذب محبيها، وتؤانس مبغضيها، فما رأيت أشقى من مَن كان يبتغيها، وفي كل أحواله دائماً بالزيادة يرتضيها، وفي كل صحوة وغفوة يرتجيها.

تجولنا برحلنا في جنبات هذا العمر القصير، ورضينا باليسير وجاهدنا العسير، نشاغب أمرا وندحض بعد الله أمرا، ونسعى بكل ما أوتينا لنال من حلاوة الحياة ما استطعنا لكننا لن نقيل، ولن نستريح فلنا في غابات السعي فحيح، وأهداف لا تقبل التلميح، هكذا هو ابن آدم صريح في مناله صريح.

ما ذقت ألذَّ من العبادة، ولا رأيت أبغض من الإلحاح عادة، ولا أخطر من الطمع في الدنيا وطلب الزيادة، ولا أقبح من العجز والبلادة.

دخلت مع الناس، وغزلت قضايا الحياة مع الجلاس، وجالست، وسامرت، وعاتبت، وعوتبت، وكاتبت، وكوتبت، أشكال، وأزوال، منهم من عشرته كالماء الزلال، ومنهم من عشرته كالسم القَتَّال.

ما ناض في سماء الحياة برق.. إلا قلت: الله أكبر ما اعجب الخلق!.. منهم من هو الآن سيد قومه وقد كان بالأمس في قبضة الرق.. إنني والله أشاهد الفرق.. الله أكبر ما اعجب الخلق!..

علمت أن العفو من الله باب مفتوح، والخبر عنه في القران الكريم مشروح، فما بالنا نندب ما مضى وننوح

فالصلاة الصلاة قبل الممات فالعيش بغير الصلاة ضياعٌ وشتات، وأيامٌ مُكَدَّرة الأوقات، ولنتقن الصيام، ونصل الأرحام، ونبر بالوالدين قبل أن نسقى من الموت كأس مدام.

والظلم حذاري.. حذاري من الظلم، فكم أهلك أصحابه، وأعمى أربابه، لأن دعوة المظلوم سهام ليلٍ قد فتح الله لها بابه.

فلنحمد الله على العافية في الأبدان، واستقرار الأمن في الأوطان، فالحياة مُلَوَّنة الأحوال لا دوام لها على حال ودهرنا بنا دائماً ميّال، ما ابتسمت لأحدٍ إلا أشقته قبل أن يهنأ بابتسامتها، وما أذاقت أحداً من حلواها إلا أطعمته في النهاية من مرارتها.

إلى متى ونحن ندنس حياتنا بحزننا، ونهلك أنفسنا بهمنا وغمنا، وإلى متى نعمق في شغاف قلوبنا أخاديد الحسرة على ما مضى من حوادث الدهر، وما غَرَق من سفائن العمر، وإلى متى يعصرنا حبل الحنين إلى المدبرات من ذكرياتنا المبكية، لنرمي كل هذا خلف ظهورنا، ولنقبل على ديننا، ونأخذ بهدي حبيبنا، ولنترفق بدنيانا، فلن يزيدنا التوجد على ما قد سلف إلا وجعاً وحسافة، وقلقاً وكلافة، فلن نرث من تقليب صفحاته إلا ألماً وأسى، والرابح من ترك ماضيه خلفه ونسى.