هذا وأمثاله ،

يعطّلون عمل المعارضة السياسية ، في أيّ بلد !

ماجد زاهد الشيباني

·   لن أذكر اسمه ، كيلا يؤذيه سدَنة الفساد ، وحماته ، ودهاقنته ! فأنا أحرص عليه ، كما أحرص على كنز حقيقي ! وهو كذلك ، في بلاد عمّ فيها الفساد ، حتى خالط كل شيء فيها ، فامتزج بالطعام والشراب والمسكن ، والهواء والدواء ..!

·   إنه موظّف حقيقي ، رائع ، كأولئك الذين نسمع عنهم ونقرأ ، في عهود الازدهار والعدل ، في تاريخنا .. وفي الدول المعاصرة ، التي تعدّ الموظف فيها ، خادماً للمواطن ، مطيعاً ، مهذّباً !

·   عرضت عليه قضيّتي ، التي قابلته من أجلها .. فأصغى بمنتهى اللباقة والتهذيب والاهتمام .. وكأنه أمام ضيف كبير ، من دولة صديقة عزيزة .. وليس أمام مواطن من مواطني دولته ، المسحوقين تحت سياط أجهزة المخابرات في هذه الدولة !

·       تفهّم قضيّتي ، وتبنّاها ، وأصدر أمره لِمن دونَه ، بإنجاز معاملتي ، دون أيّ عائق ، وبسرعة !

·   علم أني معارض لنظام حكمه .. ومع ذلك ، عاملني كما يعامِل أيّ موظّف محترَم ، مواطناً محترماً من مواطني دولته !

·   جرى حديث عن قضايا الوطن ومشكلاته .. وعن المعارضة ، وما تسعى إليه .. وعن ضرورة حلّ المشكلات ، في البلد ، الذي هو وطن الجميع !

·   سألته عن رأيه في الفساد ، وفي الإجرام الذي يمارسه بعض عناصرالأمن ، مع المواطنين .. وعمّا إذا كان هذا يخدم النظام ، الذي يدّعون الحرص عليه ، والدفاع عنه ، أم يؤذي هذا النظام ! فأجاب ببساطة : إن هذا يؤذي النظام ، وينخر أساسه ، إذ يؤلّب المواطنين ضدّه ، من خلال العدوان على حياتهم وممتلكاتهم .. وكراماتهم !

·   سألني عمّا إذا كان أحد موظفي دائرته ، أساء إليّ ، أو قصّر في تلبية طلبي .. فأجبته بصدق وصراحة : لو كان كل موظّفي البلاد مثلك ، ومثل موظفي دائرتك ، لما عارض أحد نظام الحكم !

·       تبسّم وقال : أتمزح !؟

·   أجبته ، بجدّية تامّة  : إني جادّ كل الجدّ ! ولمَ يعارض المواطنون نظام حكمهم ، إذا كان جهاز الدولة ، المكلّف بخدمتهم ، وتسيير أمورهم ، كله ، من الموظّفين الصالحين الفضلاء !؟ أمّا الطموح ، للوصول إلى كراسي الحكم ، فلا يوجد إلاّ عند فئة قليلة من الناس ، وهي لاتجد لها أنصاراً بين مواطنيها ، إذا كانت الأكثرية الساحقة من المواطنين ، مرتاحة في بلادها ، لاتشكو من ظلم ، أو إهانة ، أو عدوان على حياتها وأرزاقها! أمّا رئيس الدولة نفسه ، فلا صلة له بالمواطنين ، ولا يعرفهم ، وقلّما يرونه ، إلاّ على شاشات التلفزة ! وبالتالي ، فإنه لايسيء إلى أحد من مواطنيه إساءة شخصية ، أو يعطّل أعماله ، أو يحرمه من حقوقه الأساسية ! ومع ذلك ، فكل إساءة من موظّف ، ضدّ مواطن .. تنعكس على شخص الرئيس ، وموقعه .. وتسجّل في سجلّ حكمه ، وتقلّل من محبّة مواطنيه واحترامهم له .. فيفسِد هؤلاء الموظّفون الفاسدون ، الأدعياء ، على رئيس البلاد ، كل مسعى لكسب قلوب مواطنيه وعقولهم ، وتأييدهم له !

·   كان ينظر إليّ باهتمام ، والبسمة اللطيفة لاتفارق وجهه .. ويهزّ رأسه ، بين الفينة والأخرى . وحين أنهيت كلامي ، سألته : هل أنا على خطأ ، ياسيادة ال ... !؟ فأجاب ، ببساطة وجدّية: بل أنت على صواب تامّ ، وأنا أؤيّدك كل التأييد، فيما قلت ، عن التأثير الضارّ ، بل المدمّر .. لهؤلاء الموظّفين الفاسدين !

·   قلت له : هل يعجز رئيس الدولة ، عن تطهير البلاد منهم ، ليدعو له الناس ، بدلاً من أن يدعوا عليه ، بسببهم !؟

·       صمت قليلاً ، ثم قال ، وهو يحسّ بالحرج : إنه يسعى ، لكن.. متى يتحقّق له ذلك!؟ هذا بعلم الغيب !

·   قلت له : وإلى أن يتحقّق له ذلك ، ستظلّ المعارضة تعمل ضدّه ! وكلّما أسرع في التخلّص من عناصره الفاسدة ، كان أقرب إلى إنهاء عمل المعارضة ، بل إلى كسبها في صفّه ، والتفافها من حوله ، بكل صدق وإخلاص ، بلا تزلّف أو نفاق ! وأرجو ألاّ تؤاخذني ، إذا أخبرتك ، بأنك أحد العناصر المعطّلة لعمل المعارضة ، بهذا النبل ، وهذا الاحترام لمواطنيك ، ولنفسك ، ولبلدك .. أولاً ، وقبل كل شيء !

·   نهضت من مكاني ، أمام مكتبه ، ونهض يودّعني ، والابتسامة مشرقة على محيّاه ! وخرجت ، وأنا أتساءل ، بيني وبين نفسي : هل أدعو الله ، أن يكثر من أمثال هذا الموظّف النبيل ، لتنتهي معاضتي ومعارضة أمثالي ، للنظام الحاكم في بلادنا !؟ أم أدعو ، أن يقلّل الله من أمثاله ، لتظلّ أخطاء الفاسدين ، معاول هدم في أسس هذا النظام .. حتّى يضعف ، ويتفكّك  من داخله ، ثم يتهاوى ، تحت ضغط المعارضة!؟ ووجدتني أميل إلى الدعاء الأول !