البائعون كُثُر

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

أرسل إليّ أحد الأحباب يتألم ويتعجب بآن واحد من كاتب كويتي سخّر قلمه لخدمة الدولة العبرية . فقد اعتبر هذا الكاتب ما جرى في غزة من دمار عقوبة يستحقها أهل غزة لأنهم وقفوا بأسلحتهم البسيطة - التي يصنّعون أكثرها محلّيّاً – ضد جبروت الدولة الإسرائيلية بطائراتها ودباباتها وأسلحتها الثقيلة وقذائفها العملاقة وأسلحتها الفتّاكة ، فدمّرت الأبنية وسوّتها بالأرض وقتلت الآلاف وشرّدتهم ، وكان على أهل غزة وقيادتها أن تخنع وتذل كما يفعل جهابذة المتنفّذين العرب  الذين تمنّوا من كل قلوبهم وبِعَون منهم أن تسقط غزة بين عشية وضحاها أو بعد أيام من العدوان ، ولكن شاء الله تعالى أن يثبت الفئة المؤمنة أمام شراسة المعتدي وعدوان الظالم ، وأن تلقنه درساً لن ينساه ، وأن تعلّمه أنّ من يدافع عن دينه وشرفه ومقدّساته فإن الله تعالى ناصره ومؤيده  وأسقط بيد المعتدي الظالم وبيد مَن باعوا أنفسهم له . وكانت ملحمة غزة غرّة في جبين التاريخ الحديث ومعلماً بارزاً من معالم الجهاد في سبيل الله والعقيدة ، ثم الوطن .

- ويتعجب الأخ مرة أخرى ممن يساوون الضحية بالجزار ، والظالم بالمظلوم، فيطلب من الطرفين أن يضبط النفس سواء بسواء ، ويحملهما مسؤولية ما يجري على الساحة من دمار وبلاء .

- ويتعجب أكثر فأكثر ممن يحمّل الضحية مسؤولية الدمار الذي حاق به لأنه لم يكن عاقلاً ! ولم يتصرف بحكمة ، فيذل ويهادن ويخضع ليعيش كما تعيش الرويبضات في قصورها وخشاش الأرض في ملاهيها ، وقد أمنت العدوّ وظلمه حين أسلمته قيادها !، ونزلت على حكمه !، وبذلت له الطاعة ! . ونسي قول الشاعر :

ولا يقيم على خسف يُراد به      إلا الأذلاّن عَير الحي والوتدُ

قالها الشاعر الشهم قديماً ونسيها – أو تناساها- وطاويط العصر الحديث وخفافيش الأمة المسحوقة . ولم يكتفوا بذلك بل دعوا الناس إلى أن يكونوا مثلهم ، وأن يسيروا على الذل سيرهم ، وإلا فالويل والثبور ، وعظائم الأمور .

ولا حاجة أن يتعجب هذا الأخ الكريم ، فهو يعيش في زمن العجيب والعجائب حيث صارت الخيانة مطلباً ، والذل هدفاً ، والخنوع مكسباً ، والصفاقة سبيلاً ، والوقاحة رجولة .

- فعلها قبله كبير المنافقين " ابن سلول " حين دافع عن يهود بني قينقاع قائلاً للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وقد مكنه الله تعالى منهم :

يا محمد ؛ أحسن في مواليّ ! فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال : يا محمد ؛ أحسِنْ في مواليّ ! فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : أرسلني ... وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظُللاً ، ثم قال : ويحك أرسلني .

وهنا يقول المنافق الخائن : لا ، والله ، لا أرسلك ( أتركك ) حتى تُحسن في مواليّ . أربع مئة حاسر وثلاث مئة دارع قد منعوني الأحمر والأسود! ( فاليهود أولياؤه من دون المسلمين ) وتحصدهم في غداة واحدة ؟! والله إني امرؤ أخشى الدوائر !!

ولا أدري مم يخشى المنافقون على أنفسهم لو أنهم وضعوا أيديهم بيد الله تعالى وكانوا عوناً للمسلمين !! بل إنهم على مدى التاريخ عون لأعداء الله وعون لكل ناعق ناعب .

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم لك ... فهل نفعه اليهود في مكره بالمسلمين وو مرةواحدة أو إنهم تركوه ذيلاً مهيناً حين وقف ابنه يمنعه من دخول المدينة المنوّرة إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني المصطلق ؟ !

- وفعلها في العصر الحاضر من لم يرضَ فتح المعابر لأهل غزة إلا بعد موافقة اليهود ولن يوافقوا، والعجيب أنه لم يستحيِ حين قال : لا بد من موافقة الدولة المحتلة لفتح المعابر  .وهو بهذا يضيّق على إخوانه المسلمين – إن كان مسلماً – ويشد أزر العدو ويجلس في خندقه .

وفعلها من حمّل المجاهدين وزر قتل أهل غزة بطائرات الإسرائيليين

- وفعلها قبله من يتاجر بالقضية ظاهراً ويرتمي على أقدام اليهود ويريد أن تكون الولايات المتحدة راعية السلام  .يدّعي الوطنية ، ثم يوسّط القاصي والداني ليكونوا له سنداً في رضاء الدولة العبرية عنه .

- وفعلها قبله من منع الفسطينيين من أهل غزة أن يحجوا ، ومنح السلطة في رام الله حق تأشيرات الحج ومنع حكومة غزة من هذا الحق .....فلما ناشدوه أن يضع الحق في نصابه سكت سكوت الأموات ، وكأن الأمر لا يعنيه !..

- وفعلها قبله من لم يغلق سفارات إسرائيل في بلاده وتفرّج على الدماء الفلسطينية تنزف كما الشلالات  تحت القصف والتدمير ، وتتدفق كما الينابيع غزارة ، ولم يقطع معها علاقاته ...

أرأيت بعد هذا يا أخي أن " آباء أبي رغال " كثيرون كثيرون كثيرون ؟؟!!!

فلِمَ العجب ، وقد بدت الدنيا مقلوبة ، والزمان رديئاً ! .