كيف تكون قدوة مؤثرة 2

كيف تكون قدوة مؤثرة ؟

كيف تجعل عملك يتحدث عن شخصيتك ؟

صفات القدوة المؤثرة

الحلقة الثانية

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

قبل الحديث عن الصفات التأثيرية فى القدوة ، من أين جاءت هذه التسمية ؟ بقول أهل اللغة : القدوة من الاقتداء ، مأخوذة من مادة : قدو ، بمعنى : الاهتداء بالشيء ، ويقول آخرون : إنها فى الثبات على المبدأ , أى يُقتدى به ، بمعنى : لا يقاديه أحد ، أى لا يجاريه ولا يماريه ولا يباريه .

وهل القدوة بهذا المعنى هى صفات موروثة أم يمكن اكتسابها ؟

وهل الناس فى حاجة لمن يقتدون بهم حتى لا نتعب أنفسنا من الأساس ؟

فى دراسة أجريت على 446 شاب و 94 فتاة ، حول أهمية القدوة فى حياتهم ، وهل يحتاجون إليها ؟ تبين أن 75% منهم يرون أن وجود القدوة مهم جدًا فى حياتهم ، ولهذه الدراسة علاقة بالقدوة وارتباطها بالفطرة الإنسانية ، فهى غريزة فطرية فى كيان الإنسان ، تدفعه نحو التقليد والمحاكاة ، ومن ثم فالقدوة أمانة , سواء فى غرس المفاهيم أو القيم أو نقل الأفكار .

وهذا ما يؤكد أن الصفات التأثيرية يمكن اكتسابها ، من باب الأمانة أمام كيان إنسانى مقطور على التقليد , سلبًا أو إيجابيًا .

ومن أهم الصفات التأثيرية المكتسبة لدى كل قدوة :

1ـ السبق فى الصفات والأحوال :

عن أسمر بن مضرس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له ] رواه أبو داود

قال العلماء : يدخل فى هذا الحديث السبق إلى جميع المباحات التى ليست ملكا لأحد ، فى التجارة أو الزراعة , أو العلم أو العمل , أو فى كل أوجه الحياة .

2ـ الثبات على المبدأ :

أكثر الناس مولع بتقليد الثابتين على مبدأهم ، حتى فى طريقة مشيهم أو سعالهم ، لأنها صفة تلهب المشاعر, وتداعب الإحساس ، وتؤثر فى الشرايين والأوردة ، فتراهم يعتزون بمبادئهم ، ويستميتون فى سبيل الدفاع عنها ، ولا يتأرجحون فى مواقفهم ، ولا يتأثرون بالخطوب تحوط بهم :

لو بصيرتهم فينا لضيعنا            فى زحمة الوقت مَنْ باللذة انشغلوا

3- عدم التكلف والتصنع

بمعنى عفوية الأخلاق ، وسهولة الطباع ، وخفض الجناح ، ومرونة التعايش ، ففيما روى الترمذى قول النبى صلى الله عليه وسلم : [ إن أبغضكم إلىّ وأبعدكم منى مجلسًا يوم القيامة ، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ، قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون , فما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون ] .

فعدم التكلف أو التصنع صفة تكتسب بالاعتدال العفوى ، سواء فى مقابلة الناس أو التعامل معهم , بدون رسم أو مظاهر أو ذكاء اجتماعى .

4ـ المبادرة فى الأمر والنهى

المبادرة هى الفورية ، والفورية هى الشروع بالامتثال عقب الأمر أو عقب النهى ، من غير فصل ، والقدوة لا يكون له تأثير إلا إذا رآه الآخرون ينفذ على الفورية ، لقوله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم }آل عمران : 133 ، وقوله تعالى { فاستبوا الخيرات } المائة : 48 ، وقوله تعالى :

{ أولئك يسارعون فى الخيرات } المؤمنون : 61 .

هذا الصورة الفورية دليل على الانقياد للحق والأصح ، وهي ليست إبراء لذمة القدوة فحسب ، لأنه يعمل على جبهيتن : جبهة نفسه ، وجبهة الآخرين الذين يستمدون منه الدافعية والعمل ، ولذلك فإن انقياده للحق ، معناه سريان هذا الانقياد بنفس الفورية فى غيره من الناس .

على هذا فالقدوة لا يؤثر فى الآخرين إلا إذا ملك زمام المبادرة ، ولا يمتلك زمام المبادرة إلا إذا امتلك روح المبادرة ، ونعنى بها استعداد تام , وجاهزية دائمة ، يقول البارودى :

بادر  الفرصة واحذر فوتها ... فبلوغ العزِّ فى نيل الفرص

فابتدر مسعاك واعلم أن مَنْ ... بادر الصيد مع الفجر قنص

5- الاعتراف بالخطأ وتصحيحه

كلنا معرضون للخطأ ، فلماذا لا نخطيء ؟ إن الله لم يخلق القدوة ملاكًا ولو كان ملاكًا ما اختار أكمل خلق الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بشرًا عبدًا ، ليتأسى به القدوات ، فالإنسان الطموح صاحب الهدف , هو الذى يملك وحده شجاعة الاعتراف بالخطأ ، ثم إنه ليس الأمر فى شجاعة الاعتراف بالخطأ , بل فى تصويبه وتصحيحه .

وهذا يعمل فى نفوس الآخرين عمل السحر ، وهو من الصفات السريعة التأثير فى الناس ، وإن كانت هذه العبارة من أصعب ما يعلنه الإنسان ، فهى عند القدوة أمر آخر , حيث يجد عندها راحته ، ويبدأ منها صفحة جديدة ، من التطوير والتحسين والإبداع .

فلا أحد منزه عن الخطأ ، ومعظم الأخطاء يمكن إصلاحها ، والاعتذار ليس من الصعوبة بمكان ، واعتذارك سيجعلك الأفضل ، حيث ليس العيب فى الاعتذار ، وإنما في تعاملنا مع ما يحيط بالاعتذار من أوهام .