وقفة مع غزة أعزها الله

د. عبد الله السوري

د. عبد الله السوري

[email protected]

2

وقف الصهاينة عن القتال أولاً قبل المقاومة، لأول مرة في تاريخ الحروب العربية الصهونية، بعد (22) يوماً من قتال استخدم فيه الصهاينة أسلحة محرمة دولياً وقتلوا مئات الأطفال والنساء والشيوخ، وللعاقل أن يستنبط ملاحظات تفيدنا في مسيرة الحركة الإسلامية المباركة، من هذه الملاحظات :

1- مقارنة بين (1948) و(2009) ما أشبه اليوم بالبارحة :

في عام (1948) كانت المعركة الأولى بين الصهاينة والعرب، وقف الجيش المصري مع أسلحته الفاسدة في سيناء عاجزاً عن التقدم . والجيش الأردني كان تحت قيادة الجنرال ( كلوب ) باشا ، والجيش العراقي كان يتفرج ويقول ( ماكو أوامر ) والذين قاتلوا وأذاقوا الصهاينة طعم الموت هم كتائب الإخوان المسلمين فقط ، الإخوان المسلمون المصريون، والإخوان المسلمون السوريون بقيادة أميرهم الشيخ مصطفى السباعي يرحمه الله ، والإخوان العراقيون بقيادة الشيخ الصواف يرحمه الله ، والإخوان الأردنيون بقيادة الأخ عبد اللطيف أبو قورة يرحمهم الله جميعاً، والتقى إخوان مصر مع إخوان سوريا في القدس، ثم فرضت الأنظمة العربية الهدنة، كي يتسلح الصهاينة وينقلب المؤشر بعد استئناف القتال ، كما تم حل جماعة الإخوان المسلمين المصريين من قبل فاروق وأعوانه ، وتم اعتقال مجاهديهم في سيناء ، وأودعوا في معتقل (هاكتسب) وغيره وسط سيناء . وكان أزلام الأنظمة العربية يعرقلون المقاومة، كما يفعلون اليوم،  يقول الشيخ السباعي يرحمه الله :

(( كانت الذخيرة عندنا قليلة، بل إن فوج اليرموك وفيه (500) مجاهد وبنادقة ألمانية الصنع ، ولم يبق إلا النزر القليل من الذخيرة ...مماحملني على مغادرة القدس إلى دمشق طالباً من قيادة جيش الإنقاذ تزويدنا بالذخيرة ، وقابلت طه الهاشمي ( من قيادة جيش الإنقاذ ) وقلت له إن بنادقنا خاوية من الذخيرة، فأجابني بكل صلف : ماكو ذخيرة ألمانية ( أي لاتوجد )،فذهبت إلى رئيس الجمهورية الذي اتصل بالهاشمي وطلب منه أن يعطيني ذخيرة ألمانية، فلما عدت للهاشمي وجدته مربد الوجه وقال : أمرت بإعطائك (5000) طلقة إكراماً لرئيس الجمهورية ، فقلت له هذه سينال كل بندقية منها عشر طلقات !!ماذا نفعل بها ونحن أمام الصهاينة !!!فأصر على عناده ، لذلك ذهبت إلى وزير الدفاع الذي اعتذر واتصل بالقيادة العربية العليا للجيوش العربية في عمان يطلب مساعدتي ...وفي عمان قالوا ذخيرتنا انجليزية وليس عندنا ألمانية ...ولما يئست منهم ذهبت إلى التجار السوريين والأردنيين في عمان أطلب منهم النجدة، فبحثوا في السوق واشتروا كل ماوجدوه من ذخيرة ألمانية ، فعدت من عمان إلى القدس ومعي آلاف من الطلقات التي وجدتها ، ووصلت القدس ووجدت المعركة محتدمة وجرح الملازم الملوحي واستشهد أكثر من سبعة من الإخوان السوريين ...واشتد ضغط اليهود على باب الخليل ، فأيقظت القائد فاضل عبد الله للاتصال بإحدى العواصم العربية وإبلاغهم بخطورة الموقف ، فكان جوابهم : إذا وجدتم أنفسكم في موقف حرج فانسحبوا من القدس ... ولكن هجوم الصهاينة على باب الخليل فشل والحمد لله ... وبعد أيام قليلة وقعت الهدنة المشؤومة ، وجاءتنا الأوامر من جيش الإنقاذ بدمشق بالانسحاب من القدس ، وتسليمها للجيش العربي ( بقيادة كلوب باشا) ، وقالوا لنا ستذهبون إلى الجبهة السورية !!! . وكنا نشعر ونحن في قلب معركة القدس أن هناك مناورات في الصعيد الدولي وفي أوساط السياسات العربية الرسمية العليا لجعل التقسيم أمراً مفروغاً منه ...ولإخراج القدس من أيدي العرب والمسلمين ...فتشاورنا في كتيبة الإخوان السوريين وقررنا أن ننسحب لأننا لا نستطيع مخالفة الأوامر ، ثم نتسلل فرادى إلى القدس ، وتم ذلك ومن بين الذين عادوا الأخ زهير الشاويش ، والشهيد ضيف الله مراد ، والأخ كامل حتاحت يرحمه الله ، وغيرهم ، وانضموا إلى فرقة التدمير في القدس ...وهذه بعض الملاحظات على معركة فلسطين (1948) :  ( مازال الكلام للشيخ السباعي يرحمه الله ) :

1- جيش الإنقاذ الذي شكلته الجامعة العربية وقاده فوزي القاوقجي ( حموي ) كان مقيماً قرب نابلس ولم يدخل المعركة في فلسطين ...

2- كانت مهمة جيش الإنقاذ تحطيم منظمة الجهاد المقدس التي انخرط فيها الشباب الفلسطيني وأبدوا من البطولات العجيبة ...وكان قائدها الشهيد عبد القادر الحسيني يرحمه الله يتسول الحكومات العربية أن تمده بالذخيرة ...ولايتمكن من ذلك ... ( انتهى كلام الشيخ السباعي يرحمه الله ) .

فما أشبه اليوم بالبارحة ، ومشكلة العرب أنهم لا يقرأون ...وللعلم أقول : بفضل الله ثم بفضل مجاهدي الإخوان المسلمين بقيت القدس بيد العرب حتى عام (1967م) عندما دمر الصهاينة جيوش الأنظمة العربية في ستة أيام ، لذلك سماها الصهاينة حرب الأيام الستة ... واحتلوا القدس والضفة الغربية والجولان يومذاك .

2- لذلك يكرهون الإخوان المسلمين :

تلاحظون أن أمريكا وأوربا والأنظمة العربية والإسلامية يكرهون الإخوان المسلمين، ففي مصر شن عليهم عبد الناصر حرباً أعدم فيها قادتهم عام (1954) وهم الذين قادوا مجاهدي الإخوان في حرب (1948) ضد الصهاينة ، ومنهم الشيخ الفرغلي يرحمه الله وغيره، ومات عبد الناصر وسجون مصر تغص بآلاف الإخوان المسلمين . وفي سوريا سن حافظ الأسد المرسوم (49) القاضي بإعدام كل من انتسب لجماعة الإخوان المسلمين، وأعدم منهم سراً في سجن تدمر أكثر من (17000) أخ يرحمهم الله تعالى، وقتل منهم عدة آلاف أخرى في شوارع حماة وحلب وجسر الشغور وإدلب وغيرها، ولنا عودة في الموضوع القادم لهذا الجانب... وهاهم اليوم يكرهون (حماس ) حركة التحرير الإسلامية ( الإخوان المسلمون الفلسطينيون ) ...لذلك تحالف ( عباس وزمرته ) مع الصهاينة ضد (حماس) أي ضد الإخوان المسلمين ... وما ذلك إلا لأن الصهاينة يقودون العالم ، شرقه وغربه ، ويريدون القضاء على الإخوان المسلمين لأنهم العقبة الوحيدة أمام مخطط الصهاينة في إقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل ، وإقامة هيكل سليمان ، وقيادة العالم ( الجوييم ) الذين خلقهم الله خدماً لليهود ، كما يقول تلمودهم .

إذن المعركة أصبحت واضحة، بين الإخوان المسلمين والصهاينة، بين الحق والباطل ، وجولة الباطل ساعة ، أما جولة الحق فحتى قيام الساعة ....

3

في موضوعنا الثاني ( السابق ) عن غزة وصلنا إلى أنهم يكرهون الإخوان المسلمين ، وحاربهم عبد الناصر وحافظ الأسد ...لأنهم العقبة الوحيدة أمام تحقيق حلم الصهاينة في إقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل ، وسأفرد هذا الموضوع للجهود التي بذلها حافظ الأسد من أجل القضاء على الإخوان المسلمين في سوريا .

1-   عندما كان اسحق رابين رئيساً لوزراء الصهاينة طرح على القادة العرب  كما تقول الشرق الأوسط  أن يتعاونوا معه ضد الخطر الأصولي ، العدو المشترك للصهاينة وللحكومات العربية ....

2-   نشرت صحيفة القدس العربي ( 28/6/1999) موضوعاً سبق نشره في صحيفة ( هآرتس) في (27/6/1999) بقلم شارون غال  جاء فيه :

(( يقول أمنون شاموش وهو الكاتب الصحفي الصهيوني المولود في حلب (1929) وهاجر في التاسعة من عمره ليصبح مقاتلاً في صفوف البالماخ ، واستوطن في ( كيبوتس ) معيان باروخ  في أقصى الطرف الشمالي بالتماس مع الحدود السورية ، يقول آمنون :

الأسد أول من أسس ووطد نظام الحكم في سوريا ، وأضفى عليه الاستقرار ، ....وحتى الآن لم نكف عن التحدث عن المذبحة التي ارتكبها الأسد بحق الإخوان المسلمين ، ولم يجد الأسد طريقة أخرى للسيطرة على الأصولية ، ومن حسن حظنا أنه ذبحهم ، وسيطر عليهم ، وقد يكون من واجبنا أن نكون أول من يشكره على ذلك )) .

3-  اسمحوا لي أن أقارن بين محرقة غزة (2009) ،ومحرقة حماة (1982) ، ومن الملفت للنظر مايلي :

أ‌-  كل منهما كانت ضد الإخوان المسلمين .... أما الصهاينة فقد اتضح لهم أن الإخوان المسلمين ( حماس) هم العقبة الوحيدة ضد التطبيع مع العرب ، وإقامة هيكل سليمان ، وتحقيق حلمهم ( حدودك ياإسرائيل من الفرات إلى النيل ) ، وأما الأسد فقد جيء به إلى السلطة ، من أجل القضاء على الحركة الإسلامية في بلاد الشام كلها ، وقد حقق كثيراً مما أسند إليه ...

ب‌-  كل منهما أراد فصل الشعب عن الحركة الإسلامية ، فقد ذبح الصهاينة كما ذبح الأسد الشعب العربي المسلم كي يفصله عن الإخوان المسلمين ، وقد نجح حافظ الأسد في فصل الطليعة المقاتلة عن الشعب السوري ، فطبق نصيحة الخبراء السوفيات ؛عندما كانت قواته تجمع (50) أويزيد من المواطنين في المكان الذي يغتال فيه أحد عناصر أزلام الأسد ويقتلونهم في الحال ، في الشارع أمام الشعب دون معرفة أسمائهم  ، بينما أخفق الصهاينة في فصل الشعب العربي الفلسطيني عن حماس ، فبقي الشعب ملتصقاً ومتحداً مع حماس ، ومازال وسيبقى إن شاء الله ...

ت‌-  كل منهما دامت نفس المدة تقريباً ...(27) يوماً في محرقة حماة ، و(22) يوماً في محرقة غزة .

ث‌-  كان الصهاينة يذبحون الشعب الفلسطيني برضا الغرب وغيرهم ، كما كان الأسد يذبحهم برضا أسياده الصهاينة والغرب ...

ج‌-  بقي بعض الشهداء في غزة تحت الأنقاض عدة أيام ، كما بقي الشهداء في شوارع حماة عدة أيام حتى نهشت الكلاب من أجسادهم كما يقول روبرت فيسك ( الصحفي الغربي الوحيد الذي دخل حماة بعيد وقف إطلاق النار ) ...

أما الفوارق بين المحرقتين فهي :

أ‌-  قتل الصهاينة قرابة (1200) فلسطيني ، بينما قتل الأسد قرابة (50000) حموي.  معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال .

ب‌-  كانت وسائل الإعلام حاضرة ، وخاصة الجزيرة أدامها الله ونفع المسلمين بها ، في محرقة غزة ، أما في محرقة حماة فقد تكتمت وسائل الإعلام العالمية والعربية عليها ، ماعدا ماقامت به الإذاعة الأردنية جزاهم الله خيراً من نقل مايقوله القادمون من سوريا ، عن المجازر الوحشية التي فاقت مجازر التتار والمغول ... وفي البداية أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية نبأ حصار الجيش لمدينة حماة ، ثم سكتت بعد ذلك ، ولم تسمح السلطات الأسدية لأي صحافي من دخول حماة ، قرابة شهر أو يزيد ، سوى ( فيسك ) الذي حصل على إذن للسفر إلى حلب ، وفي الطريق ، ترك ( الباص) ودخل مدينة حماة بعد وقف إطلاق النار ، ومازالت الجثث في الشوارع ....

ت‌-  ارتكب الأسد مجازر مبرمجة ضد الشعب السوري في حماة ، وكان لديه متسع من الوقت والرجال ليرتكب أبشع مجازر في تاريخ البشرية ، منها المجازر الجماعية مثل مجزرة سريحين حيث جمع الناس من بيوتهم ، ونقلوا في سيارات عسكرية إلى شرق حماة ، وهناك وجدوا أخدوداً حفر بالجرافات ، وفي قعره شهداء تم رميهم بالرصاص ، وطلب من المواطنين العزل القفز داخل الأخدود ، وأطلق عليهم الرصاص ، وشاء الله أن يبق واحد أو أكثر أحياء يتسللون في الليل ويخرجون من الأخدود ويقصون ماشاهدوا لتقرأه في ( جوجل ) مجزرة سريحين ... فالأسد كان يقاتل شعباً أعزل ، بينما كان الصهاينة يقاتلون أبطال المقاومة ( حماس) وينتقمون من الشعب الأعزل فيقتلون الأطفال والنساء .

 ث – حتى التشابه في قتل الأطفال ، فقد تفنن الصهاينة في قتل الأطفال بطائراتهم الأمريكية الصنع ، كما تفنن النظام الأسدي في قتل أطفال حماة كما تقول منهل السراج : ((... أمسك العسكري الولد من قبة البيجامة وراح يلوح به، ويسأل زميله العسكري الآخر في حملة الجمعة، شباط 1982: هل نترك هذا الولد أم نأخذه مع البقية؟ نظر العسكري إلى وجه الطفل المذعور وقال: اتركه، صغير، ردد الولد مؤيداً: نعم أنا صغير. ورغم صوته الرقيق، أخذوه وبالطبع مثل كل من أخذوا في يوم الجمعة المشؤوم لم يرجع أحد. شهادة أم الولد الذي لم يتجاوز الثانية عشرة.

وتقسم أم أخرى أنها هي التي جنت على ابنها، لو لم تسمح للولد الذي يحب عمته أن يذهب إلى بيت جده ليلة الأحداث ويعصى، لكان نفد مثل أخيه، قتل الولد في حضن عمته في منطقة الطوافرة، عمر الولد ثلاث سنين واسمه حازم، أما الأم الثالثة فأشهر من نار على علم، تلك المرأة التي أنقذت ابنها من النيران، وركضت هاربة به فوق الجسر، ومن لهفتها وجنونها على الولد رمته في نهر العاصي، بدل بقجتها. تلك الأمثلة الثلاثة أمثلة عن مئات الأطفال الذين قتلوا وعذبوا في أحداث حماة 1982، حيث لايتسع المقال لحكايات الجميع ....

سبحان الله ، ما أشبه أفعال الصهاينة بمافعله النظام الأسدي في الشعب السوري في حماة وادلب وجسر الشغور وحلب وغيرها ... فلاعجب لأن عدوهم واحد وهم الإخوان المسلمون...