لا تحزن
د. كمال رشيد رحمه الله
" لا تحزن " هو عنوان كتاب للداعية الإسلامي السعودي د. عائض القرني وهو عالم آتاه الله موهبة ولطفاً وسعة في العلم وقدرة على الحفظ وحسن الاستشهاد بالنص القرآني والحديث النبوي والشعر العربي والحكمة والمثل والمعرفة في التاريخ ، وهو مطلع على قدر من المعارف والعلوم الحياتية الأخرى ، وصاحب فهم سياسي متوازن معتدل .
لا اصنع دعاية للكتاب فهو اخذ الرقم القياسي في بيع الكتب العربية والإسلامية في إحدى السنوات ، وقالوا انه طبع منه أو نفد منه خمسة ملايين نسخة .
ولقد قرأت الكتاب واقتنيته ، ووجدت فيه كبير فائدة علمية معرفية ، وهو حشد من اللطائف والمعارف ، وهو يحسن الجمع والاستشهاد في الموقف الواحد .
والآن مع كوارث الأمة وحوادثها وأزماتها وخسائرها البشرية والمادية والنفسية مع تأزماتها واعتلالاتها وانقساماتها ، حيث يرى العربي المسلم كل شيء ولا يقدر على شيء ، وحيث يرى بلاده تحتل وتنهب وتسلب ، ولا احد يغضب ، ، يرى دماء أهله تسيل ، وجراحاتهم تتسع ، والجوع ينخر في عظام كثير من الشعوب وكثير من العائلات والأفراد هنا فإن دواعي الحزن كثيرة وجامحة .
الآن حين يرى الانقسامات الجديدة على أساس طائفي مذهبي ، وعلى أساس سياسي ، وعلى أساس عرقي ، تقف كحد السيف ، ولا تعطي للعقلاء مجالاً للإصلاح والتقريب والتوحيد .
الآن وسياسة سايكس بيكو تفعل فعلها في العراق والصومال والسودان ولبنان ، وربما فلسطين .
الآن وقد غلبت علينا شقوتنا ، وقد تكالبت علينا الأمم وتداعت ولم يبق لنا الا أنفسنا وجهدنا ونحن اضعف من الأيتام في مأدبة اللئام ، ونحن لعبة في ايدي بوش وبلير وقد وجدا فينا من يطيعهم وربما يتعبدهم من سادتنا وكبرائنا الآن نجد أنفسنا بحاجة إلى هذا العلاج " لا تحزن " .
إن الاحداث المشاهدة والمسموعة في المنطقة العربية والاسلامية ترفع منسوب الحزن ، وتصيب الملايين المتعاطفين مع امتهم وأهلهم ،إنهم يكظمون همومهم ويبكون من غير بكاء ، وقد يورثهم الحزن شيئاً من الامراض ، وقد يقعدهم عن العمل .
لا تحزن تأتي لرد الاعتبار ، لاسترجاع القوة ،لإيقاظ الذات وثباتها ، للتماسك ، للتحاب والتعاون ، إذ لا يجوز للفرد ان يحزن على طول المدى ، ولا يجوز للأمة ان تيأس وتستسلم ، لأن اليأس هو الذي يدمر ، وهو الذي يفقد الأمة قدرتها على المواجهة ، وقديماً قالوا " لا يأس مع الحياة ، ولا حياة مع اليأس " ، وحين يصل بنا الحال الى اليأس المطبق لا قدر الله ، فإن تلك هي الهزيمة .
واذا كانت مؤشرات الضعف والهوان والفشل كثيرة ، فإن مقومات العظمة والقوة والنصر والازدهار كثيرة كذلك .
عددنا البشري وقد جاوزنا المليار والربع هو عنصر قوة ، وثروة بلادنا العربية والإسلامية ونحن المصدر الأول للبترول وغيره ، عنصر قوة ، وموقع بلادنا في العالم هو الموقع الاستراتيجي المهم ، ورصيدنا الحضاري وتألقنا التاريخي يعطينا موقعاً متميزاً في بناء الحضارة الإنسانية ، وديننا وما فيه من ضوابط ومناهج وتشريعات وتربويات يبقى صمام الأمان ومصدر القوة والعزة ، فلماذا نحزن وكيف نحزن ، وماذا يفيد الحزن وقد قل العمل .
وقبل ان يقولها عائض القرني فهي مؤصلة في كتاب الله ، وبها كان سابق النصر وتليد المجد " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ".