غزة عزة حضارتنا

غزة عزة حضارتنا

عبد المعز الحصري

[email protected]

الحمد لله الذي فرض الجهاد على عباده ليسود السلام على العالمين، وصلاة وسلاما على رسول السلام والإسلام، أما بعد:  

إن الجهاد قائم ما دامت السماوات و الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر.

إن الأمة الإسلامية التي لا تغزو سَتُغزَى في عُقر دارها، ويُقتل أطفالها، وتُرَمل نسائُها، ويُذبح شيوخها، وشبابُها، وتُنتَهكُ أعراضُها، ويُستهان بعقائدها وعقيدتها.

إن أول ما أُنزل من القرآن هي كلمة إقرأ وهي أول درجة في سلَّم الحضارة والعلم والرُّقي والسيطرة والازدهار.

لقد حث الإسلام على العلم ليرتقيَ بالأمة إلى أعلى مراتب الحضارة فتكون الأمة قائدة للأمم بعلمها وقوتها تدافع عن المستضعفين في الأرض.

ولن يكون لأي حضارة عزة، بدون السيف والقلم جنباً إلى جنب، فقد سار السيف والقرآن جنباً إلى جنب، فالقرآن يهذب النفوسَ ويربيها ويرفع بالأمة بأعلى وأقوى الأعمدة  ألا وهو العلم :

العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها            و الجهل يهدم بيوت العز والكرم

والجهل والذِّل توأمان وجهان لعملة واحدة، ومترافقان ما ترافق الليل والنهار، أمَّا السيف فهو الذي يدافع عن القرآن ويحميه عندما تحمله أيادٍ متوضئةٍ والوجوه التي سيماها أثر السجود، ولن يكون هناك كر وفر إلا بالرجال الناصبة الواقفة بين يدي ربها تستمد النصر والقوة على الأعداء. لن يكون لأي أمة عزة إذا كانت بعيدة عن ربها و سنة نبيها صلى الله عليه وسلم .

إن العزة لا تكون لأحد و إن تقدمت الأمة في الحياة المدنية والعسكرية، فتراها في أحط قيمها الأخلاقية، فبمدنيتها تحلل ما حرم الله من حرام  وتحرم ما أحل الله من حلال.... .

 و بقوتها تدمر وتقتل، فهي أضل من الأنعام لأنها ابتعدت عن الإسلام، فالعزة الوحيدة لله و لرسوله ولراية الإسلام التي ترتفع بنهجها النهج النبوي الشريف على جميع الرايات.

فحمداً لله الذي جعل ذروة سنام الإسلام الجهاد وجعل النصر من عباده سبباً في نصر الله لعباده. "إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم". الآية. فطالما وُجدت العصبة المؤمنة الصادقة المتمسكة بدين ربها وُجد النصر.

إن سنة الله في خلقه أن تكون الفئة المؤمنة المسلمة قليلة منذ عهد الرسول – صلى الله عليه و سلم – وربما إلى قيام الساعة.

فلو نظرنا إلى حالنا ( الدول العربية ) لوجدنا دولنا تحيط بالكيان الصهيوني من كل جانب كالطوق على ( أبناء القردة والخنازير). وهو طوق في غاية الأهمية إن وُظف بشكله الصحيح، نريد من هذا الطوق أن يكون طوقاً قوياً قاسياً على أبناء صهيون طوقاً يمنع عنهم كل شيء في حال اعتدائهم على أهلنا في فلسطين الأبية.

نريده طوقاً على الأعداء لا أن يكون طوقاً لحمايتهم من ضربات المجاهدين في كل معركة كما هو حاصل الآن، فقد مَنَعَنَا هذا الطوقُ اللعين من أن نمدَّ يدَ المساعدة إلى إخواننا فكنا نراهم يُقتلون ويُذبحون وتُدمر بيوتهم ومساجدهم ومدارسهم ونحن نحترق ألماً ولا نستطيع أن نفعل لهم أي شيء، فهم أي دول الطوق أقوياء وأسود لكن على شعوبهم لا على الأعداء.

أسد علي و في الحروب نعامة         فتخاء تنفر من صفير الصافر

إن سنة الله الثابتة في كونه عندما يتمسك المؤمنون بكتاب ربهم فيأتمرون بأوامره ويتناهون بنواهيه، ويأخذون بالأسباب الدينية والدنيوية في الإعداد النفسي والبدني والحربي والسياسي حسب الاستطاعة لا بدَّ أن يكون النصر والغلبة لهم بإذن الله تعالى، وإن كانوا أقلة مستضعفون  في الأرض. " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله" الآية.

ما من أحد  يشك في أن من أهل غزة من اعتز بدينه وتمسَّك بالعروة الوثقى سعى جاهداً لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ولو لم  يكن هذا لما استطاع أسود غزة وبواسلها أن يقفوا أمام أعتى قوة في المنطقة وتمدها بجسر جوي أعتى قوة في العالم.

"إن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون" الآية.

قال ابن خلدون : لن يكون للعرب شأن ولا دولة ولا قيمة عند الأمم إذا لم يكن الإسلام دينهم ومعتقدهم. (بتصرف)

وقول ابن خلدون في مقدمته: هذا الكلام الذي يسطَّر من ذهب حقيقي و صحيح، إن الأمم ( فارس والروم ... ) كانوا يسمون العرب  بالبعرة ...، وحقيقة العرب قبل الإسلام أمة أمية ليس لها احترام أو وزن بين الأمم، رفعها الإسلام إلى أن أصبحت قائدة الأمم و معلمتهم.

لقد أعادت غزة إلى الأمة الإسلامية - في مشارق الأرض ومغاربها- العزة لهم وأثبت صمودهم أن الإسلام بخير وأن الانتصارات تتحقق هنا وهناك طالما كانت العزة مرتبطة بخالقها، والناس يجاهدون في سبيل الله.

فقد كانت قلوبنا تنفطر على الشهداء من أطفال ونساء لكن الخير كل الخير والعزة كل العزة لهم حيث اختارهم الله شهداء "ويتخذ منكم شهداء" فو الله هم الأحياء والناس دونهم موتى، وهذا ما أخبرنا به سبحانه وتعالى، حيث قال: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"

 هم الأحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله  من فضله و في قلوبهم ووجوههم البشرى بأن  نسير على سيرهم و نهجهم بأن نكون أول اللاحقين بهم .

إن غزة حضارتنا وهي التي تُعيد للأمة الإسلامية  أمجادها وانتصاراتها لنعيد نحن من جديد إعادة ترتيب أوراقنا وأولوياتنا. فعلى الأمة الإسلامية الاعتصام بحبل الله المتين (القرآن)، فإن الأمة في أسوأ أحوالها يؤكل من جسدها في كل يوم شبراً من أرضها وكرامتها، قال تعالى: " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا" الآية.

وقد ضرب لنا مثلاً سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري في تفسير الآية الكريمة أعلاه في أحد دروسه في الجامع الكبير في معرة النعمان قائلاً: لو أنزلنا رجلاً إلى بئر لينظفه لمسك بالحبل بأصابع رجليه ولفه على رجليه وبطنه وحنى رقبته عليه ومسكه بيديه ثم ترى قلبه معلقا بالله وهكذا يكون التمسك بحبل الله بالأقوال والأفعال والخواطر.

 إن غزة عزة حضارتنا عندما وقفت أربعة وعشرين يوماً صامدة صمود الجبال في وجه الرياح العاتية لترفع على رأس الجبال علماً من نور عليه نور يسطع كنور الشمس لا تحجبها السحب وإن كبرت فإن السحب تحجب الشمس عما  ركن وسكن تحتها، أما الذي يطير فوق السحب بإيمانه وقوته ستكون السحب الشاحبة والسوداء وحتى وإن كانت بيضاء ستكون تحت قدميه يطير فوقها لا يأبه لها.

ليس لك يا غزة من أبجدية العربية حرفين أو ثلاث  بل قسم الله لك اسما كله عزة، و زاد لك نقطة من كلمة النور فكنت نوراً في عالم ٍ ساد  فيه ظلمات بعضها فوق بعض فأصبحت نبراس هدىً  لمن أراد العزة والجهاد والشهادة والنصر.

لقد صمدت يا غزة العز والإباء  ما لم تصمد له الجيوش أمام أعدائها ست ساعات، لقد كان قلبنا يرتفع إلى الحناجر ثم يسقط كأنما يسقط من أعلى السماء إلى وادٍ سحيق، كلما رأت أعيننا الدمار ولكن إيماننا بالله كبير كلما مر يوم ازداد إيماننا، وتحقق عندنا صمودك الباسل، وتكشَّف أمام أبصارنا حماة العقيدة والإسلام والديار.

فيا أهل غزة فقأتم عين الأسد الهائج الجائع والمتعطش إلى دماء الأطهار والشرفاء، ولو كنتم كما كان المتساقطون في الطريق لرضيت عنكم اليهود والنصارى، وهنا يخطر ببالي كثيراً أن ترك الدين والتشبه بالمغضوب عليهم والضالين، واتباع ملتهم يجعل اليهود والنصارى في رضاً عنكم.

إن تربية شعرات في الوجه الذي علاه سيما السجود والتقوى ونصرة الله والأخذ بالقوة قدر المستطاع يخيف أعدائنا بل ويحقق النصر،  وفي تاريخنا الحديث خير شاهد على ذلك في البوسنة، وحرب أفغانستان ضد الروس، والحرب السابعة ضد الإسلام والمسلمين في غزة نور عزتنا ورمز حضارتنا.

والذين يتخفون وراء المتاريس أمام يد حملت الحصى لتنطق في وجوههم ارحلوا أيها الغرباء أبناء القردة والخنازير، فإن هذه الأرض أرض باركها الله، وقدسها الشرفاء والأطهار من الأنبياء والصديقين، وسقت تربتها دماء الشهداء الأذكى من ريح المسك، وصلى على أرضها الصالحون منذ أن بنى آدم المسجد الأقصى بعد بناء الكعبة  بأربعين سنة.

واعلمي أيتها البشرية ممن وصفهم الله تعالى بأنهم كالأنعام  بل هم أضل.

واعلموا أيها المتخاذلون والمتساقطون وضعاف النفوس والمنهزمون قبل أن تصيح الثكلى بالاستغاثة، وليعلم الجبان أن من لم يعش عزيزاً مات -وهو حي–  ذليلاً.

عش عزيزاً أو مت و أنت كريم          بين طعن القنا و خفق البنود

إن عدو الإسلام لا يرقب في مؤمن إلاً و لا ذمة ( ضعفاً أو عهدا ً )  وقد نطقت قوة سلاح المقاومة في غزة فما يباح كلام وقد جرى القصاص

نطق الرصاص فما يباح كلام           و جرى القصاص فما يتاح ملام 

فلو جاز السجود لغير الله لجاز السجود للأبطال من أهل غزة ولكن السجود لله وحده والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

فيا أهل غزة الإقدام الإقدام على نهج الله وطاعته،  والرجوع والإنابة، فأنتم في خندق النار والمسلمون من ورائكم عليهم الرجوع إلى الله حتى يتم النصر لإخوانهم في فلسطين .

إن أعدائنا يعلمون علم اليقين أن المسلمين لو حافظوا على الصلاة وكانوا في صلاة الفجر كما هم في صلاة الجمعة لجاء النصر، واقترب وعد زحزحة عروش يهود.

-- -----------------------------

سُحِبَ أحد البدو إلى الجيش فلما كان التدريب إلى الأمام سر، سار البدوي فلما قال المدرب للخلف در؛ التفَّ الرتل العسكري إلى الخلف وساروا أما البدوي فبقي يمشي لحاله فقال له المدرب قف وللخلف سر والبدوي يمشي  فقال له أما سمعت للخلف سر؛ فأجابه البدوي أنا دخلت وجئت لأحارب لا لأن أتراجع إما أن أنتصر أو أموت شهيداً فتبسم الضابط مخفياً ابتسامه وعفى عنه جزاء جوابه.

----------------------------

سأل أبو عبد الله أبا محمد، قال أبو عبد الله ماذا أعددت لغزة ؟

فأجابه: أبو محمد الدعاء .

فقال أبو عبدالله: لا يكفي الدعاء ولكن هل أعددت نفسك بالقوة البدنية؟

فأجابه أبو محمد: أمشي كل يوم سبعة كيلو متر.

 فأجابه أبو عبدالله: ممكن هذا ولكن لا يكفي، هل طالعت الكتب عن القوة العسكرية؟ .

فأجابه أبو محمد: أقرأ شيئاً من القرآن .

فأجابه أبو عبدالله: حتى الآن ممتاز ولكن لابد من مطالعة كتب العلوم العسكرية.

فقال له أبو عبدالله: هل ساهمت في الدعم المالي والعيني؟

فأجابه أبو محمد: إن شاء الله وهذا الدعم برأيي أقل القليل.

فقال أبو عبدالله: هل سمعت بالمثل القائل " إذا حلق جارك بلَّ أنت فما بعد جارك إلا أنت.

فأجابه أبو محمد: هذا لعمري حق ما قلته. ولكن كثيراً من المسلمين حتى بعض الدعاة غافلون عما أتحفتنا.

-----------------------------

لا رجعة لكم يا أهل غزة فإنه النصر الذي رفعتم به جبين الأمة وهاماتها إلى السماء، فاستمسكوا بالعروة الوثقى وصفاً مرصوصاً أمام الجبناء.

ولن يكون على وجه الأرض ولن تعرف البشرية حضارة كحضارة الإسلام، والتي يتغازل ويتناغم فيها إشباع الروح والجسد بما يرضي الله تعالى، وصدق القائل: لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب – يقصد المسلمين– يا أهل غزة والكلام لكل من له غيرة على الإسلام والمسلمين، ها قد رفعتم الأمة الإرسلامية من حضيض الحضيض – مثل أسفل السافلين – إلى أول درجة من درجات سلم الحضارة السامِيَةِ في معانيها وبكل ما جاء فيها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى " و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى " الآية.

وقال تعالى: "ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير" فالله جل في علاه هو لطيف بما يصلح المخلوق وخبير وعليم بالنظام الذي يصلح له ويصلحه ويرفعه على سائر الأمم "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله" فما أعذب هذا الكلام لو طبقناه على حالنا لَكُنَّا خير أمة.

----------------------------

يا أهل غزة هنيئاً لكم فإن منكم من هاجر إلى الله بدمائه الذكية الطاهرة، وإن منكم لا شك ينتظر هذا الشرف والوسام العظيم "الشهادة" فهنيئاً لكم جمعتم بين الهجرة إلى الدار الآخرة بدماءٍ رائحتها المسك، والنصرة بالاستعداد، وطلبتم الشهادة بصدق فجاءتكم مسرعة ملبية النداء نداء الأطفال والنساء والشيوخ في حي على الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.

فيا مسلمون أرجوكم ثم أرجوكم أن تعكفوا على قراءة القرآن كتاب الله المجيد لتعلموا صفات اليهود ومكرهم من خلال كلمات القرآن الذي نزل به جبريل على أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فاليهود هم اليهود هم من قتلوا أنبيائهم وكذبوهم وأخلفوا العهود مع النبيين عليهم السلام فمن يخلف العهد مع النبي أولى بأن يخلفه مع من دونهم.

وكذلك مشركي العرب والعجم فإنهم واليهود سواء في عداوتهم للمسلمين على مر التاريخ، قال تعالى: "لتَجِدنَّ أشدَّ النَّاسِ عداوةً للذينَ آمنوا اليهودَ والذين أشركوا...." الآية.

فمهما تكن قرابة الدَّم والنسب فالشرك يفصل بين الحق والباطل، والعداوة باقية بينهما، ولنتذكر عداوة أبي لهب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولنأخذ من هذه الكلمات عبرة وعظة بعدم الثقة بمن لا يؤمن بالله وفي قلبه الجهاد لإعلاء كلمة الله.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين، سبحانك اللهم وبحمك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.