الشيوعية

من المذاهب الهدامة

(2)

الشيوعية

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

الشيوعيةCommunism مجموعة أفكار وعقائد ورؤى اشتراكية ثورية ماركسية تنادى بضرورة وحتمية إطاحة النظام الرأسمالي ، وإقامة مجتمع المساواة والعدل  في إطار أممي مرتكز على الملكية العامة لوسائل الإنتاج ، وخال من التمييز الطبقي والاجتماعي ، وبحيث تختفي الفروق والتفاوتات بين المدينة والريف ، وبين العمل  الذهني والعمل اليدوي ، وبين المرأة والرجل ، ويتم إلغاء الدولة نظرا لانتفاء حاجة المجتمع إليها ، بعد أن تكون قوى الإنتاج وعوامل التوزيع قد تطورت ، وانتقلت من الشعار الاشتراكي   " من كل حسب طاقته ، ولكل حسب إنتاجه " إلى المرحلة الشيوعية " من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته " .

ويرافق ذلك ، ويشكل  شرطا من شروط  تحقيقه ، زوال الفروق بين الأمم (ذوبان القومية )، بحيث  يتكون مجتمع كوني ، لاطبقي  واحد ، وبالتالي فإن المجتمع الشيوعي يشكل  المرحلة العليا في التشكيل الاجتماعي الاقتصادي  للاشتراكية  الأممية  . وتذكر الشيوعية مرتبطة  باثنين : كارل ماركس ، وفريدريك انجلز .

  ويرجع  الباحثون الشيوعية في خطوطها العريضة إلى ما قبل كارل ماركس بقرون ويخرج الباحث إلى أن  الشيوعية شيوعيات ، لاشيوعية واحدة ، إلى أن أدت الأطوار  السابقة إلى الشيوعية الماركسية ، والتي تتميز عن كل ما سبقها من الشيوعيات بأنها تنادى  بحتمية الشيوعية وضرورتها لا بالاستناد إلى مثال أخلاقي  ، أو إلى حاجة دينية ، أو إلى ضرورة فكرية عقلانية ، بل بالاستناد إلى أساس التحليل العلمي للحركة الحقيقية للمجتمع الرأسمالي، ولتناقضاته الداخلية التي تقوده نحوحتفه ، ولنضال الطبقة العاملة التي هي وحدها  القادرة على تجاوز هذه التناقضات ، وبناء نظام آخر من العلاقات الاجتماعية هو النظام الشيوعي .

ويرى ماركس أن الغاية النهائية للشيوعية هي تحرر الإنسان تحررا كاملا ، وقد عبر عن ذلك بوضوح في مخطوطات 1844 والتي عرفت فيها الشيوعية بأنها الإلغاء الإيجابي للملكية الخاصة ، وبالتالي التملك الحقيقي للذات الإنسانية من قبل الإنسان ، ومن أجل الإنسان ، فالشيوعية بصفتها نزوعا نحو الإنسانية الكاملة والمكتملة هي للتناقض والصراع بين الإنسان والطبيعة ، وبين الإنسان والإنسان ، وبين الإنسان والوجود .

  وفي التعريف المثالي السابق نرى أن ماركس كان واقعا تحت تأثير الفلسفة الألمانية المثالية المتمثلة أساسا في كانت  وهيجل . ولكنه في كتابه ( رأس المال عام 1867) نراه يضع تعريفا أقل طموحا ومثالية وأقرب إلى الواقعية .. فالشيوعية في نظره لن تتحقق مباشرة بعد إلغاء الملكية الرأسمالية الخاصة لوسائل الإنتاج ، بل لابد من مرحلة انتقالية  يطلق عليها اسم المرحلة الاشتراكية ، تكون بمثابة الخطوة  الأولى نحو الشيوعية ، وتتضمن هذه المرحلة كل رواسب المرحلة السابقة التي انبثقت عنها ، وتركت عليها تأثيراتها الاقتصادية والفكرية .

وفي  الواقع المعيش تبرز الحقائق الآتية :

1)         أن كل الدول التي تتبنى العقيدة  الشيوعية مازالت حتى اليوم في هذه المرحلة (الاشتراكية ) .

2)   أن هذه المرحلة الاشتراكية مازالت غير مكتملة ، وأن ترسبات الماضي مازالت تلعب  دورا  حاسما في تكوين  المجتمعات الاشتراكية الجديدة ، مما يفسر تعددية هذه  التجارب واختلافها بل  وتصادمها .

3)   أن الاتحاد السوفيتي كدولة كبرى على الساحة الدولية  قد جعله في كثير من الأحيان يغلب مصالحه السياسية والاقتصادية  على مبادئه الأممية ، مما قوى  موقف الذين يقولون بأن  الاتحاد السوفيتي قد استعمل العقيدة الشيوعية لخدمة  مصالحه  القومية . وجاء الصراع الصيني السوفيتي تعبيرا صارخا عن هذا الواقع .

4)   أن "  شيوعيات " متعددة بعد انكشاف سياسة الاتحاد السوفيتي النفعية ، منها ما يسمى (الشيوعية الأوروبية ) أو (الأوروشيوعية )Euro communism قد نشأت في البلاد الأوربية مثل أسبانيا وإيطاليا وفرنسا ، تباين الماركسية اللينينية في كثيرمن السمات.  لذلك نشأ طراز جديد من الشيوعية في أعقاب الحرب العالمية،هو(الشيوعية الوطنية ) ، وكان أول من  انتهج هذا المنهج الرئيس اليوغوسلافي تيتو ، ويعتمد على مقولة أساسية هي أن الشيوعية كما هي مطبقة في الاتحاد السوفيتي لا تصلح بالضرورة لكل مكان وزمان .وبالتالي  فإن على الأحزاب الشيوعية الأخرى أن تبني نظامها الاشتراكي ، آخذة بعين الاعتبار  الخصائص القومية للبلدان التى تعمل فيها .وقد اعتبر الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين هذا النوع من الشيوعية خروجا على الشيوعية الصحيحة ، وانحرافا عنها ، بل تحريفا لمحتواها .

5)   من المبادىء الأساسية في الشيوعية ما يسمى بالتفسير المادى للتاريخ ، وهي فكرة تبدأ من أن الإنتاج المادي  هو أساس الحياة البشرية كلها ، وأساس التاريخ البشري.

   وينعكس هذا التفسير على النظرة للدين والأخلاق  والأسرة ، فكلها لا تعد قيما قائمة بذاتها ، ولا يمكن النظر إليها على هذا النحو ، ومن ثم فليس لها ثبات ولا قدسية، كما أنها في ذات  الوقت انعكاس للأحوال المادية  والاقتصادية القائمة في أي وقت من الأوقات ، وكل وضع مادي أو اقتصادي قائم هو الذي ينشىء الأفكار المتعلقة بالدين والأخلاق والأسرة، وتتغير هذه الأفكار تغيرا حتميا كلما تغير الوضع المادي أو الاقتصادي . يقول انجلز   " ومهما يكن من شىء ، فليس الدين إلا الانعكاس الوهمي في أذهان البشر لتلك القوى الخارجية التي تسيطرعلى حياتهم اليومية ، وهو انعكاس تتخذ فيه القوى الأرضية شكل قوى فوق الطبيعة.."

ويقول لينين :

" يجب على المناضل الشيوعي الحق أن يتمرس بشتى ضروب الخداع والغش والتضليل ، فالكفاح من أجل الشيوعية يبارك كل وسيلة تحقق الشيوعية. "

وقبل ذلك قال إنجلز :

  " إن الأخلاق التي نؤمن بها  هي كل عمل يؤدى إلى انتصار مبادئنا ، مهما كان هذا العمل منافيا للأخلاق لمعمول بها " .

ومن أقوال  إنجلز :

  " إن العلاقات بين الجنسين ستصبح مسألة خاصة لاتعني إلا الأشخاص المعنيين ،والمجتمع لن يتدخل فيها ، والمجتمع لن يتدخل فيها ، وهذا سيكون ممكنا بفضل إلغاء الملكية الخاصة . أما المادة فأزلية أبدية ، لم يكن هناك  وقت لم تكن المادة فيه موجودة ، ولا يجيء وقت لا تكون فيه موجودة .

 والمادة هي الخالق ...هي التي  خلقت الحياة والإنسان ، "الإنسان نتاج المادة" .

وتبعية العقل للمادة في الوجود بصورها ماركس في صورة أن العقل انعكاس للمادة ، وليس كما يصرح هيجل بأن المادة انعكاس للعقل ، وهذا يعني أن العقل  نوع من المرآة العاكسة للعالم   المادي ، وهذا التصور الماركسي للحقيقة المادية  على أنها الأصل شمل – في عموم منطق الماركسية – كل الأحداث  الطبيعية ، وما يحيط بها .

هذا مع أن المادة نفسها  -  كما يقول العقاد -  غير مفسرة وغير مفهومة، فهي من باب  أولى لا تفسر ما عداها ، ولا تزال سرا من الأسرار يتطلب منا الفهم ولا يدنينا من فهم غيره .

 كان المادى – قبل مائة سنة- يخبط الأرض بقدمه ويقول : " هذه هي الحقيقة التي نستند إليها ، وأما ماعداها من الآراء المثالية والعقائد الروحية ، فهي خيال أو ضلال " .

فاليوم  يعلم أن  مادة الأرض التي يخبطها بقدمه أبعد حقيقة ، وأعسر فهما من كل ما يقال عن الروحانيات والمثاليات .

**********

6 )    من البديهي إذن  أن المذهب  ينكر الأديان  ، ويكفر بجميع الأنبياء والرسل ،  ولا يدع أصحابه هذه الحقيقة  للفرض  والاستنتاج  ، بل  يصرخون بعقيدتهم  ،  ويقولون عن الدين أنه ( أفيون الشعوب ) ، لأنه يخدر  أتباعه بالأمل في الآخرة ، فلا يطلبون الإنصاف ولا النعيم في هذه الدنيا .

وهم يسوون بين الأديان جميعا في هذه الصفة ، .. إلا أن الشيوعية قد  تصبرعلى المسيحية ، ولا تطيق الصبر على الإسلام إلا ريثما تتحفز له ، وتغل أيدي أتباعه عن المقاومة .

  وعداوة الشيوعية للإسلام عداءات متكررة وليست بعداوة وحدة :

-            فإنها تعاديه معادات الخوف من منافسته في تنظيم المجتمع على قواعده  وأحكامه .

-            وتعاديه معاداة الحاكم الروسي للمحكوم المطموع في ماله واستقلاله .

-    وتعاديه أخيرا معاداة الشعور بالخطر والإفلاس على أثر إخفاق التجارب الماركسية  واحدة بعد الأخرى خلال السنوات الأخيرة ، .. فقد اعترفت الدولة على كره بحق الملك والتوريث ، واعترفت بالفوارق بين الأجور وأحوال المعيشة .

**********

7)   وحرية القول والرأي  - كما يقول هارولد لاسكي – شرط أساسي  من شروط قيام     الدولة الحرة ؛ لأن  قدرة المواطن على الإعراب  عن رأيه في حرية هي التي تشكل الرأي العام الذي يتعين على حكومة الدولة الحرة أن تسلك وتتصرف  داخل نطاقه ، وحيث لا توجد حرية القول والرأي لا يوجد رأي عام حر ، وبالتالي لا توجد حكومة حرة عادلة تستمد سلطتها من الرأي العام الحر ، أي غالبية المحكومين الأحرار .

وهذه  الحرية مفقودة تماما بقيام الثورة الروسية ، فالحكام هم الذين يفكرون للشعب ، وعلى الأدباء أن يكونوا صوت أسيادهم المتمثلين في البلاشفة ، .. وفي الدين  الجديد  الذي اسمه الشيوعية ، وقد أبان عن هذا ( الالتزام الحتمي) لينين سنة 1905 في مقال له بعنوان (تنظيم الحزب وأدبه ) ، وفيه يرفض أي نشاط أدبي أو فني لا يكون في خدمة الحزب ، وفي هذا المقال الغريب يقول : " لنتخلص من رجالات الأدب غير الحزبيين ، لنتخلص من هواة الأدب المثاليين . على قضية الأدب  أن تصبح جزءا من القضية العامة للبروليتاريا ، وجهازاصغيرا من الألة الاشتراكية الديمقراطية الموحدة والكبيرة التى تحركها الطليعة الواعية للطبقة العاملة كلها .على النشاط الأدبي أن يصبح عنصرا مؤلفا لعمل حزبي اشتراكي ديمقراطي منظم " .

والمعروف أن الفلسفة الماركسية تعتمد اعتمادا أساسيا على فكرة (الصراع الطبقي) لذا نرى – كما يقول هازلت في الدرامة  الماركسية ـ. عالما بتألف  جوهريا من طبقتين تصارع إحداهما الأخرى صراع الموت ، وهما : الرأسماليون وأجراؤهم  من ناحية ، والبروليتاريا الزاحفة من ناحية أخرى .

ومن  الأمثلة الصارخة التي تدل على مبدا  " الإلزام القهري " الذي تفرضه الشيوعية على المفكرين والأدباء  والمبدعين  موقف الشيوعيين من الكاتب الروسي " بوريس  باسترناك " الذي أراد أن يكون أدبه انعكاسا أمينا لضميره ومشاعره ، وتعبيرا صادقا عن رؤيته للواقع والإنسان والحياة .

وحينما طلب منه البلاشفة " أن يكتب اشعارا عن البناء الاشتراكي الجديد والحياة الاشتراكية- الشيوعية – السعيدة ، رفض أن يستجيب لندائهم ،فاحتدم النزاع بينه وبين البلاشفة ، فاتهمه ( المفكرون الرسميون ) بأنه " ذاتي التفكير " برجوازي النزعة ومثالي الاتجاهات ، وفردي الأهداف " .

ثم كانت محنته الكبرى برواية ( دكتور زيفاجو ) التى نال بسببها جائزة نوبل . وهي قصة استوحى مادتها من الحقائق التي لمسها بنفسه ، فأثارت ثائرة المفكرين والكتاب الشيوعيين الرسميين ، فراحوا يصفون مؤلفها بأنه " خائن " و " رجعي" ، و " مرتد " وهرطيق و عدو  لبلاده  .

والسبب الحقيقي في إعلان هذه الحرب على باسترناك أن القصة لاتمجد الشيوعية ، ولا تمجد  القادة البلاشفة ، والمجتمع الشيوعي ، ولم تلتزم بالقيود الجامدة التي تفرضها " الواقعية الاشتراكية " الزائفة على الكتاب ، ورجال الفكر .

ثم كان قرار طرده من اتحاد الكتاب  السوفيت الذي انعقد له مجلس رئاسة الكتاب السوفيت ، ومكتب اللجنة التنظيمية  لاتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية  الاتحادية السوفيتية ، ومجلس رياسة قطاع موسكو من اتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السويفيتية !! ووصل الاعضاء إلى قرار إجماعي نص في ختامه :

" .. ونظرا لتدهور باسترناك السياسي والأخلاقي ، ولخيانته الشعب السوفيتي  وقضية الاشتراكية والسلام والتقدم ، واستهدافه خدمة الحرب الباردة مما أدى  إلى منحه جائزة نوبل ، فإن مجلس رئاسة اتحاد الكتاب السوفيت ، ومكتب اللجنة التنظيمية لاتحاد الكتاب  في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السوفيتية ، ومجلس قطاع موسكو من اتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السوفيتية لاتعتبره منذ الآن كاتبا سوفيتيا ، وتفصله من اتحاد الكتاب السوفيت " .