أصوليون جدد عيونهم زرقاء ولحاهم شقراء

يعيشون في بريطانيا ويحلمون بدولة الخلافة الإسلامية

* عبد القادر دافيز: أمي أدمعت وقالت هل ستفخخ نفسك وتفجرها بعد أن أبلغتها بدخولي الإسلام * سليمان كيلر: استقلت من الجيش البريطاني بعد استماعي إلى بكري * عبد القدير دريبار: وجدت ضالتي * حمزة الصيني: هدفنا الدولة الإسلامية * بتولا تحولت إلى ياسمين

محمد الشافعي - لندن

وجدت التيارات والحركات الاصولية الاسلامية أنصارا جددا في الغرب ليس من ابناء المسلمين العاديين، ولكن من اصحاب الديانات الاخرى الذين تمكنت من اقناع بعضهم باهدافها، وأصبح هناك تيار من الاصوليين الجدد عيونهم زرقاء ولحاهم شقراء أو من أصول صينية يعيشون في الغرب ويرتدون الملابس الأفغانية ويقولون انهم يحلمون بالخلافة الاسلامية. «الشرق الأوسط» التقت مجموعة من الأصوليين الجدد الغربيين أو (الخواجات) بعد 3 أسابيع من الاتصالات مع قادة هذه الحركات حتى تم اختيار عينة منهم التقتهم «الشرق الاوسط» في احد الفنادق الصغيرة بالقرب من مسجد ريجنت بارك في وسط لندن.

يجمع هؤلاء على ان اعتناقهم الاسلام مر بمراحل دراسة وبحث، قرأوا فيه العديد من الكتب الفلسفية والدينية واعتنقوا الاسلام ومنه دخلوا الى تيار الحركة الاصولية الواسع.

ويقول طالب انجليزي انه وجد نفسه في مواجهة الغرب الموحش بكل آفاته من الخمر والنساء اثناء دراسته للهندسة الكهربائية بجامعة شيفيلد، ولم ينقذه الى طريق الهداية سوى اعضاء الحركة الاصولية الذين احتضنوه وأخذوا بيديه، أما الثاني وهو رقيب سابق في مشاة الجيش البريطاني اسمه سيمون كيلر، استمع الى عمر بكري زعيم جماعة «المهاجرون» في بريطانيا اثناء زيارته الى مدينته كراولي، باعتنق الاسلام، واستقال من الجيش بعد فتوى سمعها من بكري تحرم على المسلمين الانخراط في الجيش والشرطة، واصبح سيمون اليوم اسمه سليمان، وهو مسؤول جماعة «معتنقي الاسلام الجدد في اوروبا»، ولديه شركة لبيع اجهزة الكومبيوتر.

وبين الاسلاميين الجدد فتاتان بريطانيتان احداهما بولا التي تحولت الى «ياسمين شهابي» بعدما قالت عنه انه مسيرة من التجارب المرة في مدينتها «ستوك اون ترنت»، اما الاخرى فهي علية رفيق، وهي تعترف ان الاسلام اثر فيها كثيرا خلال زيارة عابرة لاندونيسيا مع والديها. وكلتا الفتاتين عضو في حزب «التحرير الاسلامي» المحظور في معظم الدول العربية.

واجمع الاصوليون الجدد، وهم بعيون زرقاء وشعر اشقر ولحى صفراء وعيون صينية ضيقة، يرتدون السراويل الافغانية والملابس الحديثة على ان قناعتهم بعودة «الخلافة» الاسلامية في الغرب او في اي دولة اسلامية، زادت بعد قراءة العديد من الكتب الحزبية وحضور حلقات الدروس الاصولية لحزب «التحرير الاسلامي» في المركز الاسلامي بريجنت بارك في لندن كل يوم سبت تحت اشراف الدكتور وحيد عمران، وهو طبيب استشاري باكستاني الاصل، وهو الناطق الرسمي باسم الحزب الاصولي في «ولاية بريطانيا»، كما يسميها هؤلاء. ورغم التضييق الشديد في اوروبا بسبب هجمات سبتمبر (ايلول) عام 2001، الا ان هناك اقبالا ملحوظا على الاسلام من الاوروبيين، وهناك اعداد منهم تدخل تيار الحركة الاصولية، ليس على استحياء، بل تتبوأ المناصب ضمن المنظمات والحركات الاصولية، يمهد لها الطريق في ذلك اجادتها للغات والثقافة الاوروبية. وقال الاصوليون «الخواجات» انهم «يتأذون يوميا من ما يروه في الشوارع من النساء العاريات او من رجال تفوح منحهم رائحة المنكر او من مناظر الخمارات عند ناصية كل شارع»، على حد قولهم.

ويقسم عبد القادر ديفيز، ابن الـ31 ربيعا (انجليزي)، بصوت عال في صورة اقرب الى اليقين ان حلم «الخلافة الاسلامية» قادم لا محالة ليس في لندن او في احدى الدول الاوروبية، ولكن في احدى الدول الاسلامية.

* أسلمت.. فمتى ستفخخ نفسك؟

* ويتذكر عبد القادر ديفيز اليوم الذي ابلغ فيه والدته بأنه دخل الاسلام وانه يبحث عن شريكة حياته من بين ابناء الجالية المسلمة، فاذا بالدموع تفيض من عينيها، وهي تقول له في هلع «هل ستفجر وتفخخ نفسك، ماذا حدث لك؟».

وقال عبد القادر انه ما زال كل يوم يدعو لوالدته بالهداية ودخول الاسلام، رغم انها تناصبه العداء بسبب زواجه من فتاة مسلمة استراح لها قلبه. واضاف عبد القادر انه تعرف في جامعة شيفيلد على طالب باكستاني كان يدرس معه، فتوثقت علاقته به، واهداه نسخة من القرآن، وقال «لما قرأت القرآن لاول مرة شعرت كأن القرآن هو الذي يقرأني».

وأوضح قائلا انه «في سنوات اللهو واللعب بعدما حصلت على الثانوية العامة، درست البوذية، ولكني وجدت نفسي في حضن الاسلام عام 1997».

ويذكر انه بعد زواجه من فتاة ماليزية، رزقه الله بطفلين هما «فجر» و«عبد المالك»، ويقول: «وجدت نفسي اقبل على الكثير من الكتب الاسلامية مثل «شخصية اسلامية» و«التكتل الحزبي» و«مفاهيم التحرير»، و«نظام الحكم في الاسلام»، و«الخلافة الاسلامية».

وقال: «لقد مرت عليّ سنوات وأنا اقاوم الدعاء والنظر الى السماء، أما الآن فقد انهارت المقاومة وارتفع الدعاء، اللهم ان كنت تريد لي دخول المسجد فامنحني القوة، نزلت الدرج، دفعت الباب، كان في الداخل شابان يتحادثان.. ردا التحية، وسألني احدهما هل تريد ان تعرف شيئا عن الاسلام؟ اجبت نعم، نعم. وبعد حوار طويل ابديت رغبتي باعتناق الاسلام، فقال لي الإمام قل أشهد، قلت أشهد، قال أن لا إله، قلت أن لا إله ـ لقد كنت اؤمن بهذه العبارة طوال حياتي قبل اللحظة ـ قال: إلا الله، رددتها، قال وأشهد أن محمدا رسول الله، نطقتها خلفه، لقد كانت هذه الكلمات كقطرات الماء الصافي تنحدر في الحلق المحترق لرجل قارب الموت من الظمأ».

* آيرلندي بسروال أفغاني

* أما الشيخ عبد القدير ديربار، فهو آيرلندي يبلغ من العمر 56 عاما، اعتنق الاسلام قبل ثلاث سنوات، وهو مهندس معماري يرتدي السروال الافغاني، ولحيته شقراء وتتخللها خطوط بيضاء بفعل الشيب.

قال عبد القدير: لم يكن من الصعب عليّ ان أتخلص من عادات تعودت عليها طيلة اكثر من 30 عاما، مثل شرب الخمر على الطعام وصحبة رفقاء السوء في «البارات»، الى الالتزام الشديد بأصول الدين الجديد، والتي تطلبت الصلاة خمس مرات يوميا، باعتبار ان الصلاة هي عماد الدين، من أقامها أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين».

واضاف الخبير المعماري عبد القدير: «لن أنسى أبدا اللحظة التي نقطت فيها بالشهادة لأول مرة خلف اسلامي جزائري في موقع للعمل في وضح النهار، بين أكوام الاسمنت والطوب والزلط وخلاطات الخرسانة المسلحة، لقد كانت بالنسبة اليّ اللحظة الاصعب في حياتي، ولكنها الاكثر قوة وتحررا».

* الخلافة ستبدأ من باكستان

* وأوضح المهندس عبد القدير المتزوج من سيدة جامايكية مسلمة، ان الاسلام ينقي الحياة الاجتماعية من الشوائب، رغم ما وصفه بمظاهر الكفر التي تطغى على الحياة اليومية في الشارع البريطاني، مشيرا الى انه ينتظر اللحظة التي يتم فيها اعلان «الخلافة الاسلامية» في اي بلد ما، ولو طال به العمر، حتى ينتقل اليه للعيش في ظله وتحت رايته. وقال في لقائه مع «الشرق الأوسط» «ان الشيطان يحكم المجتمع الغربي، وانواع الكفر تتحرك امام اعيننا يمينا ويسارا» واضاف: «تنتابني حالة من الخوف شبه يومية ان يعتدي احد على زوجتي المنقبة او اطفالي بسبب هيئتهم».

وذكر انه قرأ الكثير من الكتب قبل دخوله الاسلام وانغماسه في تيار الحركة الاصولية، فقد قرأ لابن كثير والمودودي ولشيخ الاسلام ابن تيمية، وهناك حديث شريف علق في ذهنه يقول: «لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس»، او في رواية اخرى «خير لك من الدنيا وما فيها». وقال: «يتملكني الخوف والرهبة بعد كل صلاة، بعدها اشعر بالحب الذي لا ينال الا باذن من الله، احس معه انني ألامس حلما قديما كان يتسلل الى نفسي بالهدوء والسكينة».

واشار الخبير المعماري الى انه وجد ضالته كل اسبوع في محاضرات وحلقات «حزب التحرير»، كل يوم سبت في مسجد كرويدون، ويوم الاحد في المركز الاسلامي بريجنت بارك، ويرشح عبدالقدير دولة باكستان بسبب المد الاصولي القوي فيها، وباعتبارها دولة نووية، لان تكون اول دولة يظهر فيها مشروع «الخلافة».

* حمزة الصيني: أمي صدمت

* وعلى الجانب الآخر، فان حمزة الصيني، 25 عاما، خبير تكنولوجيا المعلومات، قد يكون اصغر ابناء الحركة الاصولية الذين التقيتهم في بريطانيا، ويعتبر حمزة واسمه قبل الاسلام بنجامين يونغ، فيلسوف شباب «حزب التحرير» الاسلامي لكثرة قراءاته في الدين وتعليمه العالي، رغم صغر سنه، وهو خبير في تكنولوجيا المعلومات في مؤسسة بريطانية بوسط لندن، ولها 35 فرعا في عموم انحاء بريطانيا.

وحمزة من مواليد غرب لندن، ووالدته ما زالت تدين بالبوذية، وله شقيق واحد انتشله من الجهل والظلمات، كما يقول الى طريق النور الذي لا نهاية له، واختار لشقيقه ماثيو الذي يصغره بعامين اسم طارق. وتعرف حمزة، وهو من عائلة بريطانية ثرية على الاسلام في الفصول الدراسية لجامعة لندن، اثناء دراسته لادارة الاعمال وتكنولوجيا المعلومات بعد مزاملته لطالب باكستاني، وقال «لم يختر لي احدا اسم حمزة، بل احضر الطلبة المسلمين لي قائمة بالاسماء الاسلامية، واعجبني اسم حمزة عم النبي الكريم لشجاعته».

وقال انه بعد انضمامه لـ«حزب التحرير» وهو في السنة الثانية بالجامعة، ابتعد عن اصدقائه المسلمين غير الملتزمين، واشار الى انه من خلال دراسته اعجبه في الاسلام انه دين للحياة اليومية، على خلاف باقي الديانات مثل البوذية والمسيحية، ومن يتعمق في الدين، حسب قوله يجد «حلولا لكافة المشكلات التي تواجه المجتمعات اليوم». وأوضح ان والدته صدمت مرتين خلال ايام قليلة، لانه ابلغها اولا انه دخل الاسلام، لان قلبه اغلق امام البوذية، ومرة اخرى عندما ابلغها بعد ايام انه في طريقه للزواج من فتاة باكستانية. واشار الى ان الله منّ عليه بواسع علمه ورحمته لانه اسلم وهو في سن صغيرة مقارنة بمن يراهم من زملائه من الاسلاميين الجدد، مشيرا الى ان رحمة الله امتدت الى شقيقه طارق الذي انفتح قلبه بسرعة للدين.

وذكر انه يضع سيرة النبي الكريم امام عينيه في حياته اليومية، وفي تعامله بالرفق واللين مع أمه «غير المسلمة» ومساعدته لزوجته في اعمال المنزل، كما كان يفعل الرسول مع زوجاته، وتوجيهه لشقيقه طارق. وقال انه لم يترك أمه بل ما زال يعيش في منزلها، ويطبخ للجميع الطعام الصيني يوميا الذي يجيد اصنافه.

وقال ان والدته ما زالت تدين بالبوذية، وبدأت في تفهم الوضع الجديد في المنزل، بدخول ولديها الوحيدين الى الاسلام، فهي لا تشتري اللحوم الا من متجر اسلامي، وتغطي رأسها عند دخول غريب الى البيت.

ويهز حمزة رأسه وهو يقول انه ارسل سيرته الذاتية لعدد من المؤسسات البريطانية بعد تخرجه من الجامعة، مرة باسمه حمزة، ومرة اخرى باسمه قبل الاسلام (بنجامين يونغ)، وقال ان معظم المؤسسات لم ترد على طلبه للوظيفة الذي يحمل اسم حمزة.

ويركز حمزة على ضرورة «تسييس» حلقات الشباب الاسبوعية في المساجد، للحديث عما يتعرض له المسلمون في فلسطين والشيشان والعراق من قهر وكبت وظلمَ.

وعندما يتحدث اعضاء الحزب عن بريطانيا او مصر او السودان، فانهم يتحدثون كأنها «ولايات» منتظرة في دائرة «الخلافة الاسلامية» التي يحلمون بظهورها يوما ما على حد قول الدكتور عمران وحيد، وهو طبيب باكستاني، وممثل الحزب في بريطانيا. ويفيد حمزة ان الحزب الذي ينتمي اليه «لا يتبنى العنف ولا يؤمن به، ولم يستطع احد من الانظمة اثبات اي تهمة قتل او اغتيال سياسي على اي عضو فيه منذ ان نشأ حتى يومنا هذا». وقال الصيني الشاب: «على الرغم من ذلك فان مراجعة بسيطة لصفحات لجان حقوق الانسان على الانترنت تشهد بالاضطهاد الذي يتعرض له اعضاء «حزب التحرير» في مختلف البلدان، وخصوصا في دول آسيا الوسطى.