احذروا المباغتة مرة أخرى
يسري الغول
*بدأت إسرائيل حربها الأخيرة على قطاع غزة بضربة مباغتة، طالت الأخضر واليابس في لحظة خاطفة لم تكد تنتهي حتى كانت الدماء تسيل في كل ركن وزاوية من المقار الحكومية الفلسطينية، ووصل عدد الشهداء والجرحى إلى أكثر من سبعمائة شهيد وجريح في اليوم الأول وحده بل ربما زاد العدد عن ذلك. وكل تلك الدماء الطاهرة ما كانت لتُهرق لولا التطمينات المصرية لحركة حماس بعدم قيام إسرائيل بأي عمل عسكري خلال تلك الحقبة خصوصاً بعد زيارة ليفني للقاهرة. لكن حماس فوجئت بالحرب على القطاع وعلى حكومتها تحديداً، وفوجئت بما لم يكن متوقعاً على الإطلاق، وأوقن الكثير من قادة الحركة بأن مصر هي شريك أساسي في هذه الحرب ضدها وأن مصر وسلطة رام الله معنيتان بالدرجة الأولى بإنهاء حكم حماس لقطاع غزة المحاصر، وما يعزز ذلك القول هو ما خرج به شمعون بيريس بالأمس وقوله على الملأ بأن مصر ودول عربية أخرى تعتبر حركة حماس مشكلة كبيرة أكثر مما يُشَكّل على دولة إسرائيل ذاتها وأن الدول العربية ترفض أي قوة تمثلها حركة حماس في المنطقة.
حماس فوجئت بالدفاع المستميت من طرف المصريين لأمن الدولة اليهودية، وأن مصر تدافع كما لو أنها تتبنى الديانة اليهودية وليس الإسلام. لذلك فإن فصائل المقاومة الفلسطينية خصوصاً حركتي حماس والجهاد اليوم أدركتا حجم الأزمة القائمة من خلال التواطؤ العربي العباسي المباشر في هذه الحرب وفي أي حرب قادمة ضد المقاومة خصوصاً حركة حماس التي تمثل رمز المقاومة والصمود في وجه الهيمنة الامبريالية الصهيو يهودية.
ربما لم تنجح الحرب الأخيرة على قطاع غزة، لأنها فشلت منذ الوهلة الأولى لوقوعها، ويكمن فشلها في عدم قدرتها بالقضاء على رؤوس المقاومة الفلسطينية أو الحكومة القائمة، لأن طبيعة عمليات المباغتة هي القضاء على الرؤوس وليس الأطراف لأي دولة أو تنظيم وهذا ما عجزت عنه القيادة الصهيونية منذ اللحظة الأولى من دخولها مستنقع الحرب، لذلك يحق لنا القول بأن المعركة فشلت مع بدايات القتل والدمار.
لكن يبقى لنا هنا أن نتساءل بخصوص الأيام القادمة، وماذا تحمل في جعبتها؟ فهل سيكون هناك مفاوضات وإنهاء للوضع الراهن؟ أم أن الحرب ستعود من جديد وستدك الأخضر واليابس مرة أخرى؟ وهذا ما يخشاه الغزيين على وجه التحديد، أم أن الحال سيبقى على ما هو عليه الآن والمتمثل بحالة اللاسِلم واللاحرب. وأياً كانت الإجابة، فإن الواجب على الحكومة الفلسطينية والمقاومين الأحرار اتخاذ ما يلي:
أولاً: أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، وعدم الالتفات إلى التطمينات المصرية أو العربية بشكل عام، لأن الحكومات العربية المعتدلة لا تريد سوى مزيداً من الدمار والقتل لأبناء الشعب الفلسطيني الصامد والمقاومة الفلسطينية الباسلة وليكن شعار الحكومة الفلسطينية هو قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) لذلك لا يجب الانصياع بأي حال من الأحوال للأقوال العربية التي تدعو إلى عدم الخوف والاطمئنان من عدم حدوث حرب جديدة على غزة.
ثانياً: لا يغرنكم التعاطف العربي والشعبي الهائل، والذي أحرج الحكومات بجملتها، لأن الحكومات لم تتحرك لولا وجود ذلك العدد الكبير من المدنيين، لذلك فإنه من الممكن أن يتم تدمير جميع الوزارات بين لحظة وأخرى على رؤوس من فيها وتبرير ذلك بأن القتلى هم من الإرهابيين الذين يعملون في إطار حكومة إرهابية متطرفة، كما أنه من الممكن تدمير جميع المقار والثكنات العسكرية الجديدة التي لن تكون بعيدة عن آلة الحرب اليهودية الحاقدة، كما أنهم قادرون على اغتيال شخصيات بارزة في الحركة أو في الحكومة الفلسطينية وهذا ما سيغفره الحكام العرب الذين يتوقون لرؤية حماس والحكومة في غزة وهما تذوبان.
ثالثاً: على الحكومة الفلسطينية أن تعطِّل دوام موظفيها في الوزارات والمقار الحكومية حتى يتم انتهاء الوضع الراهن ووضوح الصورة أكثر. فالقرار الإسرائيلي بوقف إطلاق النار أحادي الجانب غير ملزم لإسرائيل التي لم تفي بأي عهد مذ خُلقت على وجه هذه البسيطة، وذلك كي لا يُؤخذ موظفيها وعسكرييها على حين غرة، كما أنه لا يجب على الإخوة الوزراء والقادة من حركة حماس الشعور بالأمن المفرِط، والتواصل عبر الهاتف أو الخروج وممارسة الحياة بطبيعية كما كانت سابقاً لأن ذلك سيجني مزيداً من الخسائر في صفوف الحكومة الفلسطينية الذي ستعتبره إسرائيل نصراً لها ولأحلافها.
رابعاً: على الأجهزة الوطنية المقاوِمة ألا تتراخى، خصوصاً جهاز الأمن الذي كان يعمل طيلة فترة الحرب لحماية وتأمين خطوط المقاومة، فالأجهزة الأمنية لحركات المقاومة يجب أن تستمر وأن تبقى محافظة على دورها الذي يمثل صمام الأمان لتحركات المقاومين وأداءهم، فإن دور العملاء اليوم هو الحصول على أكبر قدر من المعلومات حول المقاومة ووسائلها واحتياطي الصواريخ والسلاح الموجود في القطاع وغيرها من المعلومات التي كانت غائبة عنهم حتى يتم قصفها أو تدميرها حال عدم نجاح مفاوضات التهدئة.
وختاماً فإننا جميعاً ملزمون بالدعاء لأهل غزة ولمجاهديها الصامدين، الذين صانوا طهارة الأرض وقداستها من نجاسة المحتل الذين بقى متمركزاً على التخوم في محاولة منه لاجتياح القطاع الصامد، وعلينا أن نرفع أكف الضراعة إلى الله بأن يحفظ الحكومة الفلسطينية بقيادة الأستاذ إسماعيل هنية التي شكلت ولأول مرة حكومة وطنية أصيلة في هذا الربوع العظيم.
*عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين
غزة – فلسطين