الفلسطينيون والكويتيون حب عميق
لكنه غير معلن بصراحة
محمود خلوف
صحفي وطالب دكتوراه إعلام
كان لي شرف المشاركة في فعاليات المندى الاقتصادي والاجتماعي في الكويت في جانب من القمة العربي الاقتصادية والتنموية والاجتماعية في هذا القطر الشقيق من عالمنا العربي الكبير.
كانت هذه المشاركة فرصة لاستكشاف إجابات لتساؤلات كثيرا ما ترددت أمامي وتتعلق في ذهني بالعلاقة بين فلسطين والكويت، وعلى الرغم من أن البداية كانت صعبة عندما اعتذرت الجهة المنظمة للقمة في البداية عن قبول منحي تأشيرة الدخول، لكنني صممت وصممت، إلى أن تمكنت بالحصول على تأشيرة استثنائية بفضل تدخل السفارة الفلسطينية في مصر، والقنصل الكويتي العام في القاهرة الأستاذ عمر الكندري...
لم تنته المعاناة عند منحي التأشيرة، فيوم الخامس عشر من يناير دخلت مطار الكويت الدولي برفقة خمسة زملاء آخرين من مصر والأردن، كنا ضمن مجموعة واحدة،...أقل من خمس دقائق تنجز معاملاتهم، وأبقى أنا،...الزملاء يستفسرون، ما السبب، الجواب، إنه فلسطيني،...أحد الزملاء مصري الجنسية، يستفسر مجددا "ماذا يعني فلسطيني، الرجل حاصل على تأشيرة دخول..، يرد أحد الضباط الكويتيين" كلامك مزبوط، لكن هكذا الإجراءات مع الفلسطيني، يجب أن نجري له فحصا أمنيا معمقا".
تنتهي مشكلتي في المطار عقب ساعة وربع، تخللها محاولات كثيرة من قبل ضيوف الاستقبال لتسهيل الأمر وللتخفيف عني...كانت فرصة للاستفسار لماذا يجرى هذا معي، كان الجواب واضحا "لا زال هناك جرح اسمه احتلال العراق للكويت، وموقف الفلسطينيين في هذا الاجتياح".
تركنا المطار وسرنا نحو احد الفنادق في العاصمة الكويتية، وقد استفسر السائق عن جنسياتنا، وطبيعة الوفد الذي ننتمي إليه، وعندما علم أن أحد الحضور فلسطيني ذهل!!.
أماكن كثيرة زرناها للعمل والتغطية الصحفية وإجراء المقابلات مع الوزراء والخبراء والساسة، وعندما كانوا يدققون في طبيعة الوفود...كان الفلسطيني علامة فارقه.
عندما كنا نسير في الشوارع شدني كثير "اليافطات المضيئة بلون الدم التي خط عليها عبارة كلنا مع غزة"...اكتمل المشهد يوم السادس عشر من يناير عندما خرج الآلاف في مسيرة ضخمة عب صلاة الجمعة ينددون بالمجازر الدموية في غزة، ويناشدون القمة العربية باتخاذ قرارات حاسمة تصل لدرجة المعاناة...
أحداث غزة لاقت صدا واسعا في الشارع الكويتي في الصحف الوطنية طيلة الأيام الخمس التي قضيتها، ورغم عمق الجرح في قطاع غزة، كان عدد لا يستهان به ممن التقيتهم يمرون ولو مر الكرام على أحداث احتلال الكويت في وقت كانت غزة تعاني من محرقة، مما يدل على حجم المشكلة.
ما كان يزعجني أن 10 ملايين فلسطيني في الوطن واللجوء والشتات يتحملون وزر قلة من المحسوبين على النظام العراقي السابق ممن دخلوا الكويت عقب الاحتلال...، فأحد الكويتيين قال:" لا أثق بكم، انتم نصبتم حواجز التفتيش مع الجيش العراقي، رغم أننا دعمناكم كثيرا"، وأحد الصحفيين قال "انتم تتنكرون للجميل..". نعم البعض نصب الحواجز، ولكن من هذا، ألم يكن "إرهابيا دوليا" اختطف الطائرات، وقتل قادة في الحركة الوطنية الفلسطينية، وكان أداة لتصفية حساب هذا النظام ضد ذاك النظام.
نعم إنها الحقيقة، فمن نصب الحواجز من الفلسطينيين، إما كان من البعثيين، أو الأحزاب المنبثقة عن البعث والتي تلقى الرعاية في العراق، وهم أقلة في شعب وصل مبكرا لقناعة بأن عليه الحفاظ على علاقة وطيدة جدا مع كل الأشقاء وأن لا ينحاز لشقيق على حساب آخر، لأنهم امتداد له، وهو يتعرض للقتل والذبح والإرهاب والتدمير...
قد يكون الفلسطينيون قد انحازوا لشقيق ضد آخر ولكن طبيعتهم كانت للأسف الانجرار وراء كل من يرفع شعار "تحرير فلسطين"، ومن هنا اعتقد أن وقوف قسم منهم إلى جانب العراق في غزو الكويت، لم يأت بسبب كره الكويت، أو نكرانا لجميلها...
أحد الزملاء الكويتيين كان واقعيا في كلامه عندما قال لي وللزملاء المرافقين، الأصل أن نفتح جميعا صفحة جديدة مع الفلسطينيين، فالرئيس الفلسطيني اعتذر عما جرى خلال أحداث احتلال الكويت، والاعتراف بالحق فضيلة، وآن الأوان بأن نتجاوز الماضي إكراما لتضحيات شهداء غزو الكويت وتكريما لشهداء مجازر الاحتلال في غزة..
في الحقيقة بالبداية كدت أن أصاب بخيبة أمل، اعتقدت أن الفلسطيني غير مرحب به في هذا القطر الشقيق، والطيب بأهله والغني بخيراته، وبجمال الطبيعة، ويتسم بالهدوء، وبرودة الشتاء، لكن رويدا رويدا بدأت أشعر بأن ما جرى في المطار، كان شيئا عابرا، وأن استغراب سائق المركبة، وأشخاص آخرين كان سببه عدم احتكاكه بفلسطينيين منذ سنوات طوال، عقب جرح احتلال الكويت، أو بسبب التعامل مع الأمور بسطحية..
وكان مشرفا لفلسطين والكويت على حد سواء بأن يطلق على القمة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية عبارة "قمة التضامن مع أهالي قطاع غزة"، وأن تبدأ أفكار عملية إعادة اعمار غزة من قمة الكويت.
وكم كانت كلمات أمير الكويت الشيخ صباح الجابر الأحمد الصباح عميقة ومؤثرة، انطلقت من النخوة العربية والإسلامية، ولمعرفته التامة بأن العلاقة الفلسطينية-الكويتية لا تتأثر ببعض الأمور العابرة، وأن الثورة الفلسطينية الحديثة انطلقت شرارتها من الكويت، وانطلقت لتوصيل شعب مقهور ومضطهد لحقوقه المشروعة وفي مقدمتها الحرية والاستقلال وتقرير المصير، أسوة بباقي الشعوب.