تكرار النموذج العراقي السيئ
أخطر على أمريكا ،
أم على الحكّام ،
أم على الشعوب المسحوقة !؟
عبد الله القحطاني
· حين سقط النظام العراقي السابق ، دارت ماكينة الإعلام ، باتّجاه الحكّام العرب الآخرين ، الذين يعارضون أمريكا .. تهدّدهم ، وتخوّفهم ، من مصير مشابه لمصير صدام حسين ! ولمّا كانت الحملة العسكرية الأمريكية ، ممزوجة ببعض الحديث ، عن الديموقراطية المجلوبة أمريكياً ، لهدهدة أحلام الشعوب .. فقد تضمّنت الماكينة الإعلامية ، تهديدات للحكام المستبدّين ، الذين يخنقون حريّات شعوبهم! تضمّنت الحملة بعض التهدبدات ، لهؤلاء الحكّام غير الديموقراطيين .. بأنهم سيلاقون مصيراً كمصير صدّام ، إذا لم يحترموا إرادات شعوبهم ، في الحرية والديموقراطية ، وحقوق الإنسان !
· بعد بضعة شهور ، تحولت ماكينة الإعلام ، من تهديد الحكّام المعارضين لأمريكا ، والمستبدّين بالحكم .. إلى تهديد الشعوب ، بأنها ستلاقي مصيراً كمصير الشعب العراقي ، إذا حاولت إسقاط أنظمتها القمعية ! وستدبّ الفوضى العارمة المدمّرة ، في بلدانها.. كما هو حاصل في العراق ! فلتخنع الشعوب لحكّامها ، وتقبل بهم ، على علاّتهم .. لأنهم أقلّ سوءاً ، ممّا ينتظر الأوطان والشعوب ، نتيجة لسقوطهم !
· على ضوء شدّة المقاومة العراقية ، وضراوتها ، وتصاعدها .. في وجه الاحتلال الأمريكي ، خصّصت الماكينة الإعلامية ، قسطاً كبيراً من اهتمامها ، لإخافة أمريكا من حرب جديدة ، تشنّها ضدّ أيّ بلد عربي آخر.. كيلا تلاقي ، في هذا البلد ، ما تلاقيه في العراق ، من قتال شرس ، ومن قتل للجنود الأمريكان ، ومن خسائر مالية ، وسياسية ، وأخلاقية .. ضخمة !
· لكل توجّه من توجّهات الماكينة الإعلامية العالمية ، أسبابه ، بالطبع ! السياسية ، أولاً ، لأطراف عدّة .. والأمنية ، والاقتصادية ، وغيرها ..! وهي أسباب ، كثيراً ماتكون مختلطة ، تكاد تغيم فيها الرؤية ، أحياناً ، لدى مَن لا يتابع مجريات الآحداث ، وتطورات العلاقات ، في المنطقة العربية ، والعالم .. والضغوط المتداخلة ، أحياناً .. والمتعاكسة أحياناً أخرى !
· المحصّلة الراهنة ، الآن ، هي : أن المهدَّد الأول ، وهم الحكّام المستبدّون ، صاروا في دائرة الأمان ..! أمّا المهدَّد الثالث ، أمريكا ، فتحسب سياساتها ، على ضوء التطورات والأحداث ، والمصالح الاستراتيجية ، البعيدة والقريبة ، في تعاملها مع الأحداث ، ومع الحكّام العرب ، وغير العرب ! وتستطيع أن تنيب عنها ، من يحارب عنها ، بالوكالة ، من الدول المحيطة بأيّة دولة ، لاترضى أمريكاعن سلوكها! كما أنابت إثيوبيا ، في احتلال الصومال ، وإسقاط نظام المحاكم الإسلامية فيه ! ولا تخيفها التهديدات كثيراً ؛ لأنها، هي ، صانعة القسط الأكبر منها ،عالمياً ! ولم يبق مسحوقاً، من الأطراف الثلاثة (الحكام والشعوب وأمريكا) سوى طرف واحد ، هو: الشعوب ، الموضوعة ، أبداً ، بين الخيارين المرّين: القبول بالوضع الراهن ، تحت ظلال السلطات القمعية .. أو الدمار على غرار العراق ! ولقد ابتلعت الشعوب الطعم ، وهي تنظر ، كل ساعة ، إلى مايجري في العراق ، وتستعيذ بالله ، من سوء العاقبة !غافلة عن الفروقات الهائلة ، بين الوضع في العراق ، وأوضاع الدول الأخرى ، على المستوى السكّاني ، وعلى مستوى نظام الحكم ، وعلى مستوى الظروف ، التي مرّ بها العراق ، والمؤامرات والخدع الدولية ، التي مورست ضدّه ، لاحتلاله ، والتي لم يعد ثمّة مجال لتكرارها ، أو صناعة مثلها ! لاختلاف المراحل السياسية ، وتطوّرات الأحداث الإقليمية والدولية ، من أوروبّية وأمريكية وغيرها !
· هل تستطيع الشعوب ، المحكومة باستبداد بشع ، أن تنظر بوعي ودقّة ، إلى الأحداث التي جرت في المنطقة ، عامّة ، وفي العراق ، خاصّة .. وإلى الأوضاع القائمة ، الآن ، وإلى الأوضاع التي يمكن أن تنشأ ، لاحقاً ، في وقت قريب .. وأن تبني مواقفها و قراراتها ، على القراءة الواعية المتأنّية ، وعلى الموازنة بين الشرور القائمة ، والتي يمكن أن تقوم ، وتلك التي لايمكن أن تقوم، بل تتّخَذ ذرائع ، لإثارة الرعب في النفوس ، حتى ترضى من الغنيمة بالإياب ، مستسلمةً لقاعدة : أخفّ الضررين ، وأهون الشرّين .. ليظلّ فراعنتها الصغار، متربّعين على صدورها إلى الأبد !؟ نقول : هل تستطيع الشعوب المحكومة بالاستبداد ، أن تلقي نظرة جديدة ، على تفصيلات واقعها الجديد .. أم أن الرعب ، من مصير مظلم مجهول ، قد شلّ حتّى قدرتها على التفكير!؟