وأين فلسطين في مناهجنا التعليمية؟ !!
أ.د/
جابر قميحةيعتمد نظام التعليم في إسرائيل على غرس القيم العدوانية في مناهج التعليم ومقرراته في المراحل التعليمية المختلفة ، وكانت ــ وما زالت ــ حقيقة الحقائق في نظرهم أن الوجود الصهيوني وقيام إسرائيل في فلسطين إنما هو تصحيح لخطأ دام قرونا ، واسترداد لحق انتهبه غير أهله . أي أن الوجود الفلسطيني على هذه الأرض وجود انتهاب واغتصاب يجب تحجيمه ، ثم إلغاؤه تدريجيا بشتى الوسائل .
وأكثر من ذلك يدرس الطلاب أن لليهود حقوقا تاريخية في جزيرة العرب ، وفي المدينة ( يثرب ) بصفة خاصة ، بدعوى أن أجدادهم كانوا يملكون مناطق أربعا شاسعة ، وهي : أرض بني قينقاع ، وأرض بني النضير ، وأرض بني قريظة ، وأرض خيبر ، وأن محمدا نبي المسلمين اغتصب هذه الأرض منهم ، وقضى على سكانها قتلا وتشريدا ، لذلك يجب استعادة هذه الأرض ، وإقامة مستوطنات يهودية اسرائيلية مستقلة فيها ، ذات حكم ذاتي ، وهو واجب على إسرائيل وأبنائها تحقيقه .
**********
بعد ذلك من حقنا أن نسأل : أين مكان فلسطين في مناهجنا ومقرراتنا الدراسية ؟ إن الإجابة تجابهنا بحقيقة مؤسفة خلاصتها : أن القضية لا تشغل في هذه المناهج و المقررات إلا مساحة ضيقة ضئيلة جدا ، وتكاد هذه تكون غائبة ، أو ملغاة في بلاد معينة .
ومن استقراء متأن طويل للمناهج والمقررات المدرسية في أغلب البلاد العربية خرجت ــ للأسف ــ بالمرئيات الآتية :
1- لا مكان لآيات الجهاد والقتال في مقررات التربية الدينية ، وكذلك لأحكام الجهاد في الفقه الإسلامي ، ومتى يكون فرضا كفائيا ، ومتى يكون فرضا عينيا.
2- لا مكان للسيرة الجهادية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه في مواجهة اليهود البغاة.
3- لا مكان لعرض جرائم اليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل : كتاب الموادعة الذي كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم كدستور للمعايشة بين المسلمين واليهود في المدينة وما حولها ، وكذلك مناصرتهم لكفار مكة ، ومحاولتهم عدة مرات اغتياله ، غير استحلالهم الربا والحرمات ، ونشر الإشاعات الكاذبة عن الدعوة الإسلامية .
4- إغفال عرض الآيات القرآنية التى تعرض جرائم اليهود على مدار التاريخ ضد أنبيائهم ، وعبادتهم العجل ، وكذبهم على نبيهم موسى ... الخ .
5- التركيز على موضوع دعوة الإسلام للسلام لتهيئة النفوس لتقبل ما يسمى " اتفاقيات السلام " مع إسرائيل ، ودعوى " الأرض مقابل السلام " ، ولا يجد أصحاب هذه الدعاوى عارا في الاستشهاد بصلح الحديبية لتبرير " اتفاقات السلام " وخصوصا " اتفاقية كامب ديفيد " مع اسرائيل . ويرتكزون على قوله تعالى " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها " الأنفال 61 . ويفسرونه على أنه دعوة مطلقة للسلام ، وفي هذا التفسير إهدار للشرط "إن جنحوا " . والمعروف أن الصهاينة لم يجنحوا للسلام مرة واحدة ، ولم يحترموا اتفاقا واحدا بينهم وبين العرب ، ولم ينفذوا قرارا واحدا من قرارات الأمم المتحدة فأين جنوحهم للسلام ، حتى نجنح له ؟
6- كما أن أصحاب هذه الدعاوى يسقطون من حسابهم آيات هي الأولى بالاستشهاد في واقعنا الذي نعيشه حاليا ، ومنها : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " المنافقون 8 ــ " ولا تهنوا ولا تحزنوا و أنتم الأعلون " أل عمران 139 ــ " فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ، ويكفوا أيديهم ، فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئك جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا " النساء 91 .
7- وفي مادة التاريخ الحديث لا تأخذ القضية الفلسطينية حقها ، فلا تعرض إلا بإيجاز شديد جدا ، وهذا العرض يسقط من حسابه فترات متوهجة جدا في مسار القضية ، مع إقحام ايدلوجيات حزبية معينة في سياق هذا العرض ، والانتصار لهذه الايدلوجيات وإلباس أصحابها ثوب البطولة والفداء ، ومن أمثلة ذلك أن " كتابا " من كتب التاريخ المقررة على المرحلة الثانوية في سنتها الأخيرة في بلد عربي ــ عرض للقضية الفلسطينية من خلال زعيم هذا البلد وفكره و " نظريته " معللا ضياع فلسطين والهزائم التى نزلت ــ وتنزل ــ بالعرب بعدم الأخذ بفكر هذا الزعيم و " نظريته العالمية " .
8- إغفال أدب المقاومة الحقيقي في مقررات الأدب والنقد والنصوص ، أو ضيق المساحة المخصصة لهذا الأدب ، وأذكر في هذا المقام أنه كان من الموضوعات المقررة في الأدب على الفرقة النهائية بالمرحلة الثانوية سنة 1973 في بلد عربي موضوع من ثلاثين صفحة بعنوان " أدب المقاومة " ، وصدمت حينما اكتشفت أن الموضوع لا يدور إلا في شعر أصحاب الاتجاه اليساري الحاد ، وهذا الشعر رأيت فيه استهتارا بالقيم الأخلاقية ، والثوابت الإسلامية ، وأعانني الله على التصدي للموضوع بعدة مقالات إلى أن ألغي الموضوع كله .
9- وفي كتب القراءة " المطالعة " ، وكتب التربية الوطنية وكتب التربية القومية لا ذكر لأبطال الجهاد والفداء والشهداء الذين جاهدوا ، وانضموا لموكب الشهداء من أمثال : عز الدين القسام ، وفرحان السعدي ، وعبد الرحيم محمود ، وعبد القادر الحسيني ، وحسن ياسين ، وأحمد ياسين .
**********
هذا هو واقع المناهج والمقررات الدراسية في علاقتها بالقضية الفلسطينية ، ومكان هذه القضية بكل مفرداتها في هذه المناهج والمقررات . وأنا لا أدعي أن كل هذه النقائص والمثالب والسلبيات متوافرة برمتها في كل منهج ومقرر ، ولكن ما ذكرت له وجود لا ينكر ، مع اختلاف حظها من بلد إلى بلد بين القلة والكثرة والإسراف الذي يكاد يرقى إلى مستوى الظاهرة العامة ، وهي نتيجة خلصت إليها بعد استقراء ، ووقفات ميدانية مع هذه المناهج والمقررات .