ثقافتنا السجينة
عزيز العرباوي
كاتب وشاعر من المغرب
يبدو أن ماهو ثقافي لا يرقى إلى طموحات كل مواطن مغربي على الصعيد الوطني فبالأحرى
على الصعيد المحلي . فالثقافة المادية تستولي على عقول الناس جميعا، سياسيين كانوا
أم مثقفين ، متمدرسين أم غير متمدرسين لأن سيطرة المادة تفرض نفسها عموما أكثر مما
تسيطر الثقافة والمعرفة
.
والخطاب الرائج في بلدنا يغلب عليه
الفشل يساعد في تفشيه الكل دون استثناء ، فكان على الإعلام مثلا أن يكون رائدا
ويقود قاطرة الثقافة ، خاصة وأن العديد من المثقفين في بلادنا يشتغلون في هذا
المجال ، وخاصة الصحافة المكتوبة . لتكون الثقافة واسعة الانتشار تشمل الكل
.
والثقافة السائدة في المغرب تعرف
تضادات ومواجهات مع نفسها بل بين حامليها كل حسب اتجاهاته الفكرية واقتناعاته
المعرفية ، فنجد هناك : ثقافة التنوير تقابلها ثقافة التعتيم والظلامية ، وثقافة
الإيديولوجية مقابل ثقافة التوافق والتبادل والحوار ، وثقافة الرجعية والتخلف مقابل
ثقافة الحداثة والعصرنة والانفتاح على الآخر ... فهل في ظل هذه الحرب الأهلية على
المستوى الثقافي - إن صح التعبير 6 نحن قادرون على الانطلاقة الفاعلة والتأثير في
ثقافات الكون والتأثر الإيجابي بها ؟ وهل نحن قادرون على استرجاع أمجاد الحضارة
العربية عامة والحضارة المغربية والأندلسية خاصة في ظل هذه التباعدات الفكرية التي
نشهدها في حقلنا الثقافي المغربي ؟.
ولكي لا نبتعد أكثر ، أو نخرج عن
موضوعنا ، وبشيء من الوضوح والجدية ، فإن ثقافتنا - وبكل صراحة - سجينة العديد من
الموانع والقواعد الرجعية المانعة لها من التحرر والخروج من نمطيتها وتقوقعها الذي
جعلها حبيسة عقول متحجرة ومتخلفة ورفوف صدئة ومتهرئة ... بل أكثر من
ذلك نجد ثقافتنا - كلما مرت الأيام والساعات - تبتعد عن حلبة العولمة التي بدأت
تنخر عظامنا ونحن نتفرج دون فعل أي شيء ، لأننا كمثقفين قد وجدنا أنفسنا أمام تهميش
وحصار لا حول ولا قول لنا عليه عكس ما جاء على لسان الكثير من كتابنا . فماذا يمكن
لقصة قصيرة لأي كاتب مغربي مبتديء أن تفعل أمام ثقافة استنساخ البشر وعولمة الفضاء
؟ وماذا لقصيدة شعرية مغربية تصف وتقرأ واقعا قد استعمرته ثقافة الكوكاكولا
والهمبورجر ؟ وهل هناك وجود في الساحة لمنابر إعلامية ثقافية تفي بالغرض وتقدر أن
تواجه الجيوش الإعلامية المتطورة والعابرة لقارات التي ينتجها الغرب ؟ الجواب طبعا
سيكون لا
.
يكفينا أن نتجلد بالصبر والتفاؤل
بالمستقبل ، يكفينا أن نهلل بموت الثقافة والهوية والتاريخ ونملأ القراطيس
بالمخاوف والدعوات المعاقة والمعيقة لكل انطلاقة ثقافية كبرى تليق بتاريخنا
وأحلامنا ومستقبلنا . يكفينا أن ندعو إلى المحلية المتحجرة بينما غيرنا قد غزا
العالم بدوليته وعالميته ، يكفينا هذا الصراع الفارغ والهمجي الذي نخوضه فيما بينا
، يكفينا هذ الفشل الذي نحصده بتكاسلنا وخمولنا وضعفنا . يكفينا كل هذا لننهض من
جديد ونبدأ من الصفر كما بدأت دول أخرى وأصبحت الآن في المقدمة تقودنا بما يوافق
مصالحها ، بينما نحن سبقناها في التحضر والعلم والمعرفة ، يكفينا كل هذا أيها
المثقفون لنبني غدا أفضل وأرحب وحر ومنفتح ، متأثرا ومؤثرا ، وقادرا على مواجهة غزو
العولمة الفتاك
.
نتفق جميعا أن الثقافة تحضر في كل شيء
، في جميع مجالات المارسة الحياتية ، لكن الجدار الذي تصطدم به هو ضعفها وتخلفها
ودعم قدرتها على الخلق والإبداع ، كما تصطدم بكثير من الحواجز المتحجرة الموغلة في
التقليدانية والتخلف والرجعية ، وبتقاليد متقوقعة تدعى المحافظة
والأخلاق ، كالانتقاد الذي يوجه لكتابة في الجنس أو
الحب أو عن المرأة مثلا ، وتصطدم كذلك بالدعوة إلى الرجوع إلى الماضي وإلى السلفية
الهمجية التي لا تؤمن بالاختلاف والحوار والرأي الآخر
.
كل هذا يساعد في قلة الإبداع والإنتاج
الفكري والأدبي مقارنة مع جيرانا الذين عبدوا الطريق قليلا لابتعاد عن منطقة الخطر
التي مازلنا لم نبرحها بعد ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين
.
نتمنى أن يكون المستقبل أحسن وأفضل ،
وتكون الأصوات الثقافية والفكرية في بلادنا في مستوى المسؤولية التي وقعت عليها .
كما نتمنى أن يكون هناك مجال
للحرية
الفكرية التي بدونها لن يكون هناك أي تقدم إلى الأمام.