فقه التغيير ـ 4

د. خالد الأحمد

لنتذكر أن قانون التغيير يتصف بأنه :

1-  طبيعي ، والمقصود أن الله سبحانه وتعالى جعله كذلك ، أسباب ونتائج رتبها على هذه الأسباب ، من أخذ بهذه الأسباب وصل إلى النتائج ، دون النظر إلى دين أو جنس أولون من أخذ بهذه الأسباب ...فالله سبحانه وتعالى يقول : { إن الله لايغير ما بقوم ...} وكلمة { قوم } نكرة تعني أي قوم ...

2-  قانون اجتماعي ، والمقصود أن التغيير لايحصل لفرد ، وإنما لقوم ، وكلمة { قوم } تدل على جماعة وليس فرداً ... فتغيير أحوال المجتمع يتطلب تغيير جماعة من الناس لأنفسهم ... وهذا لايمنع أن يحصل ذلك للفرد الذي غير سلوكه فيغير الله أحواله ... لكن ليس هذا مطلوبنا ...

3-  قانـون دنيـوي ، أي أن التغيير المطلوب يقع في الدنيا وليس الآخرة ... وهذه المعاني مأخوذة من كتاب ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) للشيخ جودت سعيد يحفظه الله  ...

وأريد أن أضرب مثلاً واضحاً يبين كيف غير الله عزوجل ما بالقوم بعد أن غير القوم ما بأنفسهم ... وهو من السيرة النبوية ..

الرسول  صلى الله عليه وسلمخلقه الله عزوجل طاهراً خالصاً لله عزوجل ، نفسه وسلوكه وكله لله عزوجل ، لكن لم يأت التغيير الثاني ( تغيير حال القوم ) حتى صارت ثـلة من الأولين معه صلى الله عليه وسلم ، تحملوا وغيروا ما بأنفسهم ، وهاجروا إلى الحبشة الهجرة الأولى والثانية ، واستشهدت سمية وياسر رضي الله عنهما ،  وعندها حان أن يأتي التغيير الثاني ، يأتي به الله عزوجل ، كنتيجة حتمية للتغيير الأول ( تغيير ما بالأنفس ) ، ولنقرأ الآن من السيرة ، بعد أن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على ثقيف في الطائف ، فآذوه ، ثم عرض نفسه على عدة قبائل وهو يقول : من يحميني حتى أبلغ دعوة ربي عزوجل ، ولما حان وقت التغيير الثاني الذي يأتي به الله اقرأوا معي في السيرة النبوية من الرحيق المختوم الطبعة (17) دار الوفاء  ص (133)  بتصرف :

( وكان من حكمته صلى الله عليه وسلم إزاء ما كان يلقى من أهل مكة من التكذيب ...أنه كان يخرج إلى القبائل في ظلام الليل ( في موسم الحج ) ...ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعقبة منى فسمع أصوات رجال يتكلمون ( دون أن يراهم ) فعمدهم حتى لحقهم ، وكانوا ستة نفر من الخزرج ..... وكان من سعادة أهل يثرب أنهم كانوا يسمعون من حلفائهم يهود المدينة ...أن نبياً مبعوث في هذا الزمان سيخرج فيتبعه اليهود ويقتلون ( الأوس والخزرج ) قتل عاد وإرم .  فلما لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال .... ألا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا بلى ، فشرح لهم حقيقة الإسلام ، ...فقال بعضهم لبعض : تعلمون والله ياقوم إنه للنبي الذي توعدكم به يهـود ، فلا يسبقنكم إليـه ، فأسرعوا وأسلموا ...ولما رجعوا إلى المدينة حملوا لها رسالة الإسلام ، ....وفي الموسم التالي ( 12 بعد البعثة ) ، جاء إلى الحج ( 12) رجلاً وكانت بيعة العقبة الأولى ...) ....

والذي أريد لفت الانتباه له ، أن هذا اللقاء بين الخزرج والرسول صلى الله عليه وسلم في منى كان بداية التغيير الثاني الذي أتـى بـه الله عزوجل ، بعد أن امتـد تغيير الأنفس في ثلـة من الأولين ، وصارت أنفسهم مهيئة لإقامة دولة الإسلام ، فجاء التغيير الثاني من عند الله عزوجل ...كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى أن يهاجر إلى الطائف ، أو أي قبيلة عرض نفسه عليها ، لكن التغيير الثاني أتـى به الله عزوجل ...الذي هيأ عقول هؤلاء النفر من الخزرج وجعلها مهيئة لقبول الإسلام ، فسارعوا إلى الإسلام ، وبعد عام تمت بيعة العقبة الأولى ، وبعد عام آخر بيعة العقبة الثانية ، ثم بدأت الهجرة ، ثم قامت الدولة المسلمة الأولى ....

فمتى نغير أنفسنا لتكون قريبة من أنفس تلك الثلـة من الأولين فيغير الله حالنا ، ويقيم لنا في بلدنا دولة ديموقراطية ، تقيم العدل والحرية والمساواة لكل مواطن ، والتغيير مطلوب من عدد كبير من المواطنين السوريين ، لا أدري كم هي النسبة المئوية ، لكن لابد من عدد كبير ، كي يأتي التغيير الثاني من الله عزوجل ... ولنكن دعاة لهذا التغيير تغيير ما بالأنفس ، وهذا أمر ميسور ، ولاتستطيع أي قوة في العالم أن تحول بيننا وبينـه ، سوى الشيطان وجنوده ،  فمتى تغلبنا على الهوى وجنود إبليس ، وغيرنا أنفسنا وصلنا إلى مانريد إن شاء الله تعالى وعسى أن يكون ذلك قريباً ..