شغب إيديولوجي ماضوي على قمة العشرين

أديب طالب - معارض سوري

[email protected]

ولدت مجموعة العشرين الاقتصادية في عام 1999 كتوسيع ل مجموعة الدول الصناعية الثمانية وبحيثية محددة هي : ان يمثل اعضاؤها ثلثي سكان الارض و90 % من الاقتصاد العالمي وثلثي المبادلات التجارية الدولية .

لقد انتهى مجلس الامن الدولي الاقتصادي او ما سمي بقمة مجموعة العشرين الاقتصادية للدول المتقدمة والدول النامية + رئيس البنك الدولي + رئيس صندوق النقد الدولي + الامين العام للامم المتحدة السيد بان كي مون ...... انتهى المجلس الى دراسة مفتوحة للازمة المالية العظمى حول الاسباب والاجراءات والاساليب الوقائية والعلاجية وتأسيسا على انها ادت الى خسارة 25 الف بليون دولار حتى اللحظة وكان من اهم فقرات تلك الدراسة ما يلي : 1- انعاش الاقتصاد العالمي ب 1،3 ترليون دولار و 2- السعودية ستقدم 400 بليون دولار في خمسة اعوام ؛ لزيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد السعودي والمساهمة في نمو الاقتصاد العالمي و 3- الصين قررت انفاق 586 بليون دولار في عامين و4 – امريكا رصدت 170 بليون دولار للسنة الاولى و 5 – تعهد من الدول المتقدمة لدعم اقتصاديات الدول النامية المتأثرة بالازمة المالية والجدير بالذكر ان السعودية سبق وتشاورت مع الامريكان في الست اشهر السالفة حول نمو الازمة وتعاظمها ومواجهتها . ان تمثيل العالم العربي والاسلامي في قمة العشرين بدول قريبة من الاسلام ، تركيا ، اندنوسيا ، وبدولة الاسلام الاولى السعودية ؛ مؤشر على اهتمام حقيقي بالدور المتعاظم والمؤهل له العالم النامي العربي والاسلامي المعتدل، الامر الذي سيساعد في احتمالات نجاح تلك القمة .

بعد هذه المقدمة التعريفية الموجزة لقمة العشرين والتي لا بد منها ؛ لا بد لنا من الانتقال الى الشغب الحالم الايديولوجي الماضوي حول تلك القمة .

في مساء 13 / 11 / قال مندوب الجزيرة في واشنطن السيد محمد العلمي : امريكا تحاول ان تتهرب من المسؤولية عن الازمة الحالية وان اجتماع قمة العشرين قد عجز عن الوصول لاسباب الازمة ، قال العلمي تلك الاقوال انسجاما مع سياسة الجزيرة الاعلامية الشعبوية وبما يرضي الجماهير الغفورة لحكامها المستبدين والمتحفزة للفتك الوهمي بامريكا واغلب قادة قمة العشرين

ولعلم هذه الجماهير انه لن يترتب عليها بسبب تحفزها أي مسؤو لية او عقاب من جهة المتحفز – بفتح التاء – عليهم فضلا عن ان التحفز يرضي حكامها ويخفف من احباطها التالي لعجزها الراهن .

قال صحفي مع صدام حيا وميتا : امريكا .... ازمة بنوك ام ثمن لسعي امبراطوري ساقط ! .

قال كاتب شيوعي قح : ديناصور الامبريالية الى انقراض وبلبل الشيوعية أبدي التغريد !!

في القدس العربي ، في 17 /11 / 2008 / ، قال الاستاذ المفكر العربي السيد مطاع الصفدي – كان استاذي في المرحلة الاعدادية زمنا ما ، جزاه الله خيرا -  وتحت عنوان " افلاس النظام العالمي وليس اقتصاده فقط " :

<< الحل هو كيفية اعادة رسملة النظام الراسمالي ، ليس بالمال وحده ، فقد حان ضخ العدالة في عروقه الجافة وان الانسان الامريكي مطبوع تربويا وتقليديا بأخلاق " فضائل " ثلاث هي بمثابة حقوق له 1- التمسك بالحرية الفردية . 2 – الجري وراء الكسب والربح 3 – تبديد هذا الكسب والتمتع باسباب الرفاه .

قال ماركس : ثمة حتميتان تاريخيتان ، سقوط النظام الراسمالي وقيام الاشتراكية بدلا عنه الصوفيون والكسالى والمجانين الذين سلفوا، والباقون والآتون ... هذه الرزمة البليدة وهي فقط ؛ من الممكن ان تعترض على الاخلاق والفضائل الثلاث التي ذكرها استاذنا الصفدي . وان 99 بالمئة من شباب العرب والكورد والمسلمين وحتى شباب العالم كلهم ؛ يباركون تلك الاخلاق ويتمنون الحياة في ظلها ، اما لكاره فكاره بسبب عجزه او استحالة وصوله الى ذاك الظل . وقد علمنا التاريخ ومن بداية المجتمع الانساني وحتى فناء الارض بعد عشرين مليون سنة – احتمالا - ؛ فان الانسان قاتل من اجل حريته الفردية ومن اجل الكسب ومن اجل الانفاق ضروريا ام كماليا وفق الوفرة او عدمها .والفضائل الثلاث هي عماد انتقال الانسان من البدائية الى الحضارة المعاصرة .

وفي راي الذين اقتبسنا عنهم الاقوال المأثورة السابقة ؛ أن الوطن التافه والمنحل والمتفكك ومعدوم الروح الانسانية هو الذي يؤمن ويحمي حرية وحياة منتجة وعصرية لأكثر من  95 % من ابنائه عبرتوفير فرص العمل وتنوعها وتطابقها مع درجة التأهيل والكفاءة العلمية او المهنية او الخدمية !!!!!!! .

امريكا محور السياسة والاقتصاد في العالم ، وما عداها تروس تدور مع هذا المحور ، وقد يتلكؤ ترس او اكثر في الدوران الا ان هذا لا يلغي وحتى لا يخفف من مركزية هذا المحور بدليل اولا : استمرار الصين وروسيا نهج الاقتصاد الحر وبدليل ثانيا : ثناء الصين الاخير على مؤتمري نيويورك والعشرين وبدليل ثالثا : ان استاذنا الصفدي طالب باعادة رسملة العالم مع العدل وليس الغاء تلك الرسملة ! .

واذا كانت ساعة غرينتش مركز الزمن في العالم ، فان ساعة مانهاتن مركز السياسة والاقتصاد فيه .

ورغم عنف الزلزال الانتخابي الاوبامي فان السادة بوش ، اوباما ، ماكين ، متفقون على المشاريع المستورة لحل الازمة الاقتصادية الامريكية – العالمية ، وعلى رأسها معالجة الضعف البنيوي في الاقتصاد الامريكي والصيني معالجة لاتمس مبادىء السوق الحر ولا تنتهك سيادة الدول الاقتصادية عبر السعي لراسمالية اكثر احتراما  وعدالة  للانسان وعبر تنمية المجتمع المدني حتى يواجه عجرفة وتكبر الحكومات وقد اشار " اندريه غلوكسمان " في الفيغارو الفرنسية اشارة واضحة ومقاربة للمنطق الذي حكينا به فقرتنا الاخيرة .

ان عودة اوباما الى نهج الرئيس جون كيندي بتأطير السياسة الاقتصادية بالتخطيط والرقابة والتوجيه ؛ لا يعني سقوط الامبراطورية الامريكية ، ولا يعني أن " ديناصور الامبريالية الى انقراض وان بلبل الشيوعية أبدي التغريد " ، ولا يعني ان اوباما سيصفي امريكا كما صفى السيد غورباتشوف شريك بيتزا هات الاتحاد السوفياتي ,,.

رؤساء امريكا اجمالا وكيندي وبوش الاب وبوش الابن واوباما ؛ أباطرةامريكيون ، ليس في دمهم قطرة واحدة تمت بصلة قربى من الدرجة العاشرة الى الشيوعية او الاشتراكية او حتميات الماركسية .

ازمة 1929 الرهيبة ؛ وفرت ظروفا مناسبة لتأسيس الشيوعية وانتشارها في اجزاء واسعة من العالم . ولم يأت عام 1989 حتى تم قبر الشيوعية في مقابر جدار برلين المتهاوي .من مولد الشيوعية الى احتضارها سبعون عاما ، كانت الراسمالية قبلها وبقيت معها وما تزال بعدها .لم يكن بلبل الشيوعية بلبلا وانما كان غرابا ناعقا مات ودفن بلا حزن وبلا مهابة

النظام الراسمالي لم تسقطه الازمات وانما كانت فرصا لاصلاح عيوبه وتجدده واستمرار بقائه . وهذا ما يخطط له اوباما وقادة العالم في مؤتمر العشرين .

قال المدير العام لصندوق النقد الدولي " دومينيك ستروس " : اننا نشاهد تشكل نظام اقتصادي عالمي جديد اكثر حيوية وشمولية مما شهدناه في أي وقت مضى .

بين عالم الاجتماع الالماني " فيرنر سومبارت " في كتاب كلاسيكي صادر عام 1906 بعنوان " لماذا لا توجد الاشتراكية في الولايات المتحدة الامريكية "؟ :

<< ان خصوصية المجتمع الامريكي تكمن في ان مبدأ الاقتراع العام قد اعتمد في الولايات المتحدة منذ مطلع القرن التاسع عشر وباستثناء السود الذين منح لهم حق التصويت بعد نهاية الحرب الاهلية 1865 ، في الوقت الذي كان هذا الحق محصورا في فرنسا في طبقة النبلاء وكبار ملاك الارض ؛ فلم تكن الطبقة العاملة مقصية في امريكا من الحقل السياسي ، ولذا لم تستقطبها اطروحات اليسار الفوضوي والماركسي التي اكتسحت الفئات المضطهدة في المجتمعات الصناعية الاوروبية ، ومن هنا ندرك كيف مرونة النموذج الاقتصادي الامريكي بقدراته الاندماجية السريعة التي خففت من حدة الصراع الطبقي فلم يكن الصراع اذن محور الحياة السياسية . >> .

اثر الازمة الاقتصادية الراهنة ، رد الماركسيون عليها بعودة الحلم الشيوعي واقامة الجنة على الارض بدل جنة السماء ؛ مستندين الى حتميتي ماركس بسقوط النظام الراسمالي وقيام الاشتراكية مكانه في كل الارض . ان رد الماركسيين وحلم الشيوعيين دلالة على هزال الفكر السياسي اليساري والمتمسك بردود الفعل السطحية والشكلية والملونة بالانشاء المدرسي فاقد الابداع .وان عليهم ان يعرفوا جيدا ان الارتقاء بالراسمالية الى راسمالية اكثر ديمقراطية اكثر عدلا ونضجا مرهون بقدرة الشعوب النامية النايمة على استيعاب الديمقراطية ومدى قدرتها على ذلك الاستيعاب وتنمية حوافز العمل لحياة تسد الرمق فقط وانما لحياة فسيحة الاساسيات والكماليات .

ازمة عام 1929 اعظم بكثير من ازمة 2008 ومع هذا تصدت لها الراسمالية وعالجتها في الوقت الذي كانت فيه اضعف بكثير من ازمة الراسمالية الراهنة عام 2008 ؛ لذا قلنا من البداية ان مايراه الايديولوجيون الماضويون لا اكثر من اضغاث احلام .