ثقافتنا والحال المحزن

هايل عبد المولى طشطوش

[email protected]

الثقافة هي حصيلة من المعارف التراكمية التي يحصلها الإنسان خلال مسيرة حياته وهي خاصة بالنوع البشري دون غيرة من المخلوقات ،لذا فهي ما يميزه عن غيرة مما خلق الله من الكائنات وذلك لأنها مرتبطة بأكبر نعمة من الله أنعمها على الإنسان ألا وهي نعمة العقل والفكر والتدبر والتفكر ، وخلال مسيرة النوع البشري على وجه هذه البسيطة توفرت له وسائل متعددة للثقافة اختلفت باختلاف الزمان والمكان ..... ، وقد كانت الكلمة هي الأساس الذي لا غنى عنه فهي راس الأمر كلة ولكن وسائل تقديم الكلمة والحصول عليها تنوعت واختلفت حتى وصلت إلى أرقى ما قدمه الفكر الإنساني للحضارة البشرية وهي الوسائل الالكترونية الحديثة التي تقدم لنا الكلمة على طبق من ذهب وعلى اكف الراحة ودون عنا ، ولكن على الرغم من تيسر وسائل الثقافة وتنوعها وتعددها إلا أن بعض المجتمعات اصمت آذانها ووضعت على عيونها الغشاوة وتعامت عن أسمى ما قدمه الفكر الإنساني لهذا العقل لكي يزداد تألقا وتفكرا وإبداعا ، ومن هذه الأمم نحن العرب (أمة إقراء ) أي أننا أساس القلم والكلمة والحرف أي إن امتنا هي معلمة الأمم والشعوب وهي التي وضع الله سبحانه على عاتقها الارتقاء بأمم الأرض بالفكر والعلم والاختراع والتفكر والتفكير وصناعه الحضارة الإنسانية الراقية التي تهيئ لهذا الإنسان سهولة أداء واجبة تجاه الكون وهي عمارته التي كلفه الله به .

لقد قصّرت الأمة المعاصرة في أداء رسالتها في نشر العلم والمعرفة - بعد أن كانت سيدة العلم والمعرفة - بل إنها أصبحت متلقية لما يطرحه الآخرون من أفكار وعلوم ومعارف لذا استكانت وهانت على نفسها ومن ثم هانت على الآخرين !!! ..... ، تشير الأرقام إلى أن المواطن العربي هو اقل سكان الأرض قراءة للكتب وهو اقلها انشغالا بالثقافة وهو اقلها إسهاما في التنمية الثقافية.... !!! ،  حقا إن هذا الواقع هو مبعث للحزن ومدعاة للشفقة ، فالثقافة في الأمم هي هويتها التي تقدمها لغيرها من الأمم وهي الصورة المشرقة التي تضعها على سلم الأمم الراقية وهي وسيلتها الأولى للإسهام في صياغة المجتمع الإنساني وبناء الحضارة الإنسانية والمدنية الراقية .

الثقافة في امتنا هي من الشؤون الأقل اهتماما وهي ما زالت وظيفة النخبة ومهنة الفقراء والمنسيين من الناس إلا ما ندر ، فكيف لها أن ترقى وترتقي وهي ما زالت محصورة في فئة معينة وخاصة لنخبة محددة من الشعب ، لن تكون الثقافة ذات تأثير في مجتمعاتنا إلا إذا أحدث المثقفون فيها التغيير نحو الأفضل فهم الأقدر على صياغة الفكر ورسم الملامح الحقيقية للنهضة والتطور ، ولن يكون إنساننا مثقفا إلا إذا رضع الثقافة مع حليب أمه من خلال حاضنة الأولى وهي الأسرة التي يقع عليها ترويضه على القراءة والمطالعة منذ نعومة الأظفار حتى تتلقفه المدرسة التي تبلور أفكاره وتعوّدة على القراءة حتى إذا ما ولج أسوار الجامعة كان جاهزا لكي يكون مشروعا لمثقف بكل ما تحتويه الكلمة ، ولكن الذي يتابع واقع الثقافة بين شبابنا يرى إنها أخر اهتماماتهم بل لعلهم لا يفكرون بها أبدا فهم لا يقراءون سوى وريقات من الكتاب الأكاديمي المقرر لغايات النجاح في الامتحان وتخطي هذه المرحلة والتخلص في نهاية العام من كل ورقة أو كتاب قد يصبح حملة أثقل من الجبال على كاهله بينما لا يتورع عن حمل ثلاثة أو أربعه أجهزة خلوية وجهاز (لاب توب) أو اثنين لغايات الدردشة والرسائل والاتصالات.... أو لغايات أخرى ..؟؟؟!!  ،حقا انه حال محزن ومخزي في ذات الوقت يفرض على الجهات المعنية بالثقافة النزول إلى الشارع وبناء الثقافة في النفوس من قواعدها الشعبية ثم الارتقاء بها إلى قمة الهرم الاجتماعي وبغير ذلك يبقى حال الثقافة في بلادنا محزنا أشد الحزن !!.