المرأة من زاوية أخرى

جان كورد

[email protected]

تعتبر العالمة النفسية الكندية سوزان بينكر احدى أشد النساء فعالية في عالم المرأة المعاصرة لما قدمته من دراسات علمية عميقة تتسم بالذكاء الحاد في التحليل والمقارنة والاستنتاج، وهي سيدة متفوقة في اختصاصها "الطب النفسي"، وربة بيت ناجحة لها عدة أطفال.

تعترف هذه الطبيبة بأنها قبل انجاب الأطفال كانت تفكر في الشهرة الشخصية وترى أن بالامكان تخصيص جزء من مالها لرعاية الأطفال عن طريق تكليف مربية / خادمة بذلك، وقد فعلت ذلك بعض الوقت حقا، إلا أنها لم تكن تشعر بالسعادة، وتقول بأن طبيعتها الأنثوية ما كانت تقبل بذلك الحل وتدفعها صوب الانكفاء عن السعي وراء الشهرة والعودة إلى تأدية دورها كأم وكسيدة بيت.

وتتعمق في هذا الموضوع (الشهرة والأمومة) فتقول في احدى مقابلاتها الصحافية مع مجلة دير شبيغل الألمانية (39/2008) على الصفحة (61) بأنه لو قارنا بين المرأة والرجل فلن نراهما كائنين مختلفين تماما عن بعضهما، بل هناك ميزات مشتركة عديدة بينهما، وهناك بالتأكيد نساء يسعين للشهرة بشكل متطرف أكثر من الرجال، ولكن المعدل العام من النساء اللواتي يتصرفن في هذا المجال تصرفا مختلفا واضح للعيان... ولذا ترى بأن المحصلة النهائية لمميزات جنس من الجنسين (الرجل والمرأة) خاصة بذلك الجنس دون الآخر...

وهي في الوقت الذي لاتهمل التراكمات التاريخية – الاجتماعية التي أدت مع مرور الزمن إلى تربية نفسية ذات منحى معين لدى المرأة، فإنها تؤكد على أن القاعدة البيولوجية للتصرفات والرغبات للمرأة مختلفة عن تلك التي للرجل، ويمكن اثباتها في مجال علم الطبيعة، وهي متجذرة في الدماغ، وتأتي لذلك بأمثلة، منها أن المرأة تتمكن من تذكر دقائق الحالات العاطفية، ويحتمل أن يكون السبب فعالية الجزء الخاص بذلك في النظام الليمفي (الآميغدالا) حسبما تقول العالمة سوزان بينكر، وبشكل عام فإن المراكز اللغوية في الدماغ الأنثوي أشد ترابطا فيما بينها من تلك التي لدى الرجل، والوشائج التي تربط بين فصي الدماغ لدى الأنثى أقوى مما عليه لدى الرجل، وهي تساعد في النمو اللغوي، اضافة إلى الهرمون الجنسي (أوكستوسين) الذي تمتلكه الأنثى والذي يساعد في تعبير أفضل لمشاعرها واظهارها على الوجه بشكل أكثر وضوحا وتأثيرا...بينما هذه التأثيرات ضعيفة لدى الرجل.

وتقول العالمة هذه بأن عملية بخ قطرات من هرمون (الأوكستوسين) في أنف الرجل تزيد من مشاعره اتقادا، كما تؤكد على أن المرأة تمتلك بشكل أساسي هرمونا جنسيا يؤثر بفعالية في تعابيرها ومشاعرها لايمتلكه الرجل.

ترى هذه العالمة بأن علم البيولوجيا ليس في نهايته وانما لا يزال في بدايته، وصحيح أن هذا العلم قدم اكتشافات متواضعة في مجال الفروق بين الجنسين إلا أنها في الوقت ذاته فروق أصولية أساسية.

وتقول العالمة بأنها مع مساواة المرأة بالرجل في مختلف شؤون الحياة من علم وعمل وشهرة، ولكنها ترى اختلافا جوهريا لتصرف المرأة في حياة العمل عن تصرف الرجل، وهذا مثبت – حسب قولها -  في دراسات دقيقة...ففي مجال العلوم الطبيعية حيث هناك نساء متفوقات جدا في الرياضيات والفيزياء مثلا فانهن يفضلن العمل في مجالات أكثر حيوية من مجالات المادة وتفرعاتها، وتقول بأن 70% من العاملين في الحقل النفسي في الولايات المتحدة من النساء، وكذلك فإن الأغلبية من الدارسين في حقول الطب البشري وطب الحيوان والصيدلة والبيولوجيا منهن، حيث المزيد من الاحتكاك بالبشر، فالاختيار الأنثوي لطبيعة ومسار العمل – في غالبيته- مختلف تماما عن الاختيار الذكوري.

معلوم أن الركض وراء الشهرة والعمل لها يضر ضررا بليغا بالحياة الخاصة، بالأسرة وبصحة أفرادها على حد سواء ، وبرأي العالمة بينكر أن المرأة تسعى في البداية كالرجل لتصبح شهيرة، إلا أنها –كما يبدو- غير مستعدة لتقديم التضحيات الكبيرة من أجل الشهرة، ومن ناحية أخرى فهي غير مبرمجة لدفع الآخرين عن طريقها نحو الأعلى، وهي لاتجد سعادتها في ذلك وانما في الحياة الاجتماعية مع الآخرين، إن أبطال الروايات هم في معظم الأحيان رجال، من روبنسون كروزو وطرزان إلى رامبو ومتسلقي الجبال والى انديانا جونز وسوبرمان وعمالقة وول ستريت...ولكن تخلي المرأة عن دور الراكض وراء الشهرة والمجد في عالم المادة ليس دليل ضعف، وانما دليل على أن برامج التطور لم تهيىء المرأة لتصب جام طاقتها في مشروع واحد كالرجل، إذ عليها أن تعيش طويلا من أجل أسرتها، والأولاد خاصة...وهي فعلا تعيش – اجمالا- أطول من الرجل بعدة سنوات حسب الاحصاءات وإن نسبة النساء من البشر المنتحرين في حدود 25% في حال أن نسبة الرجال منهم 75%...

من الناحية البيولوجية تبدو المرأة أضعف، ولكن الشباب يعانون أكثر من الفتيات بكثير من المشاكل اللغوية، التصرفات غير الطبيعية، ومن حيث تعدادهم في المشافي والعيادات النفسية وقيد المعالجة، أو نسبتهم في ارتكاب الحوادث بسبب ارتفاع مستوى (التستوسترون) والتشوش اللغوي والشرود الكلي (الآوتيسموس)...

الفتيات يملكن حماية (جينية) أشد من الفتيان لأن لديهن اثنين من (الاكس-كرموزوم)، في حين أن    لدى الفتيان من هذا الكرموزوم واحد فقط، ومن (الايبسيلون- كرموزوم) واحد، فإذا ما حدث خلل وظيفي في الكرموزم لدى الفتيات فلديهن احتياطي لايملكه الفتيان. والتفسير البيولوجي التطوري لذلك هو أن الرجل مخلوق لانتصارات قصيرة المدى ولحب المغامرة، وكلما ازداد هذا الاتجاه لدى الرجل لقي قبولا من المرأة التي تسمح له بزرع (جينه) في أحشائها وبالتالي بقاء شيء منه لديها قبل أن ينتهي من الحياة......

 ولكن الرجل لاستخدامه كل طاقته في البحث عن الشهرة والتفوق والانتصار السريع يموت بشكل أسرع من المرأة لنفاذ تلك الطاقة التي لديه بعد حين، فالرجل يعمل من حيث طبيعته بجد ونشاط وأحيانا بشكل جنوني، ولكنه بعد الأربعين من عمره يصبح أهدأ حلا وعندما يبلغ الخامسة والستين فإنه يخلد للراحة. أما المرأة فإنها غير عجولة مثل الرجل وتتمتع بالحياة وبأنوثتها لأنها مخلوقة لبناء الأسرة وتنشئة الأطفال وتعمل بعقلانية وواقعية وهي سعيدة بعملها على الرغم من أن الرجل يحصل أكثر منها على الراتب بنسبة قد تزيد عن 15%، وصحيح أن نسبة الأذكياء والعباقرة بين الرجال وبين حملة جائزة نوبل الشهيرة أكبر بكثير عما لدى المرأة إلا أن نسبة الأغبياء بينهم أكبر أيضا بكثير عما لدى النساء.

تقول هذه العالمة الكبيرة التي درست بامعان حياة الكثيرات من النساء الشهيرات والمتفوقات في العالم بأن عملية مسح دماغ شاملة جرت للبشر خلال مئات القرون الماضية من تاريخهم بحيث بدت المرأة في خاتمة المطاف خائفة مرتعدة ووجلة، ولكن في الحقيقة فإن الرجال أكثر خوفا من النساء، كما ثبت أن المعامل التي تشغل أكبر عدد من النساء تنتج بشكل أفضل من المعامل التي يقل فيها عددهن، إلا أن المرأة بحكم وظيفتها الاجتماعية وتركيبها البيولوجي تختار الجانب الأشد حركية في الحياة، ألا وهو انجاب الأطفال وتنشئتهم والتمازج مع المجتمع (العمل بين الناس ومعهم ومن أجلهم)، وهي تعنى بصحتها وسعادتها وسعادة من حولها أكثر من الرجل الذي يبحث بقوة واندفاع بحكم تركيبة بيولوجية أخرى ووظيفة اجتماعية أخرى عن التفوق القصير المدى والأقل حيوية اجتماعية...