المسلمات الإنسانية

في التذكير والتأنيث

هل سنقبل بأن تتلاشى!؟

ابتهال قدور

[email protected]

كاتبة سوريه مقيمة في الكويت

ترى لماذا يختار الفرد معاكسة طبيعته، وفطرته، و سلاسة أموره...ويفضل أسلوب السير على رأسه!؟

وكيف ينسلخ عن ذاته، وعن تصنيفه الأزلي كرجل أو امرأة ويختار الذهاب الى منطقة اللاانتماء الجنسي!؟

وإلى أي مدى يعتبر هذا الانحراف عن الطبيعة صياغة بشرية تقاسمت البطولة فيها عدة جهات كالبيت والمدرسة والشارع والصديق وتقنيات التأثير الثقافي، كالتلفزيون والسينما وجهاز الكمبيوتر..الى آخر ماهنالك من أدوات تستخدم في عمليات الصياغة الثقافية للفرد؟   

ثم...ماهي الطريقة المثلى للتعامل مع هذه القلة التي اختارت الانعطاف في مسار مناف لكل ماجادت به الأديان، والأعراف، والأخلاق، والأذواق السليمة؟!

انعطفت بقسوة، الى حيث أسست مملكتها الشاذة والمنعزلة عن الإيقاع الطبيعي والسوي للحياة الانسانية بأدوارها المتنوعة التي منحتها سمواً ميزها عن باقي المخلوقات.

أعداد قليلة لكنها تتكاثر

إننا اليوم أمام قضية بالغة الأهمية، قضية لاينبغي أن تقاس بالعدد الضئيل نسبياً لأصحابها، إذ لابد أن تقاس بحجم تداعياتها وتأثيراتها وماتخلفه من شروخ في بنى المجتمعات العربية والإسلامية التي مازالت الى حد ما متماسكة ..

كما ينبغي أن تقيّم من زاوية احتمال كونها ناتجة عن خلل معين في الفعل الانساني، خلل قد يكون متعمداً وقد يكون غير متعمد، فإن صح وجود هذا الخلل أشار ذلك الى أن هذا العدد الضئيل لمرضى الشذوذ قد يتزايد ويتضخم إذا لم يتم تدارك وإصلاح ذاك الخلل. فلابد إذن من الذهاب الى أبعد مما تمثله الظاهرة من "كم" للخوض في "الكيف"... لأن ذلك يعني البحث عن طبيعة الخلل الحاصل وتصنيفه، ويعني أيضاً البحث عن وسائل تمكننا من وقف الزحف المتسارع لهذه الظاهرة، بالإضافة الى أنه سيصبح من الأسهل الاستدلال على رأس الخيط ، حيث يجدر بنا أن نضع جلّ تركيزنا وثقلنا  الإصلاحي.

وقد يرى البعض أن ما يبدر عن قلة من الأفراد من سلوكيات شاذة تحيد بهم عن جنسهم الأصلي وتجعلهم يتشبهون بالجنس الآخر في ما يسمى"الجنس الثالث" و"الجنس الرابع"، لايرقى لأن يشكل خطر "الظاهرة" ، وقد يكون بعض الصّحة في ذلك، لكن علينا أن لانتجاهل أن الظواهر الخطيرة تبدأ دوماً بواحد، ثم يعمل سكوتنا عمل السحر في جعل مدّها يتنامى وزحفها يتسارع، إلى أن تتفاقم وتخرج عن السيطرة !!

فهي إن لم تكن ظاهرة حالياً في المجتمعات العربية، فلا شك أنها مشروع التأسيس لها.هكذا بدأت الأمور مع "الجنس الثالث"، عدد قليل، أهملناه وتجاهلناه، ربما بدافع التعالي والترفع الذي أوهمنا أن القضية لاتستحق الوقوف عندها، فهي لا تتعدى قلة من الشباب المتهور، ولا تمثل الخطورة التي تستدعي التهويل، وأمام لامبالاتنا، وعلى غفلة منّا، تكاثر ذلك العدد القليل، وسرعان ما تشكلت منه جماعات راحت تعتقد بأن لها الحق في أن يكون لها جمعية معترف  بها  رسمياً و قانونياً!!

ووسط دهشة غير مسبوقة، نقلت صحيفة "النهار" الكويتية في عددها ليوم الاثنين        10-9-2005 خبراً مفاده أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الكويت، قد تلقت طلباً لتأسيس جمعية خاصة بالمثليين والمتحولين إلى "الجنس الثالث"، جاء هذا بعد ما تزايدت أعدادهم ورأوا أن في ذلك مبرراً كافياً، لكي ينالوا حماية القانون الكويتي، فتتوفر لهم مظلة تحميهم من الملاحقة والمحاسبة والتجريم بسبب تغيير جنسهم ودخولهم خانة "الجنس الثالث".  

وتأتي تحركات مثليي الجنس "المنظمة" لمواجهة القوانين التي صدرت أخيراً عن مجلس الأمة الكويتي، والتي أدانت تحول الفرد إلى غير جنسه، وأدانت من يُظهر ذلك في الأماكن العامة، و يأمل المثلييون إن يجاز هذا الأمر قانونياً، وإن يتم إخضاعه لرعاية قانونية.

"الجنس الثالث" اليوم، و"الجنس الرابع" غداً

 فالتجارب تؤكد لنا أن مواجهة ثقافية أكثر جدوى، هي تلك المواجهة التي يتم تفعيلها حين تكون القضايا في بداية تشكلها، لكننا على الرغم من ذلك نصر على تأجيلها إلى أن تبلغ مرحلة التضخم وتصل إلى المنقطة التي يصعب العودة منها، وكأننا لا نستشعر جدوى المواجهة الثقافية، إلا حين يطغى خطرها ويستفحل.       

ذاك ما قدمته لنا التجربة مع "الجنس الثالث"، ويبدو أن انتظارنا لن يطول، لكي نشهد نفس المطالبات من "الجنس الرابع"، لأن العد التصاعدي قد بدأ بالفعل وبوتيرة متسارعة، ونستشهد هنا بما ذكره الدكتور "عبدالله العوضي" رئيس مركز المرشد العالمي للاستشارات النفسية والاجتماعية في الكويت، في دراسته حول ظاهرة "الجنس الرابع" في الكويت..."فقد تبين من خلال رصد لحركة هذه المجموعات أن إحدى المدارس قد ضمت بين طالباتها 7 حالات فقط، في العام الماضي لكن هذه الحالات السبع وصلت هذا العام الى 70 حالة !!"

أن يضرب العدد في عشرة خلال سنة واحدة!! أمر جدير بأن يخرجنا من قمقم الصمت والتجاهل، لكي نرى الأمور بعين أكثر اتساعاً وأبعد أفقاً، ولكي نقرر وبسرعة التحرك الجاد والصارم في مواجهة هذا الانحراف البالغ الخطورة.

ولقد بدأت التحذيرات بالفعل من عدة جهات منها "تجمع الفضيلة ولجنة القيم"، التي لفتت النظر إلى أن عدد فتيات "الجنس الرابع" في الكويت قد تفاقم ليصبح بالآلاف..

آلاف لاتنتمي كلها الى نفس الوسط، ولا تنحدر من أسر منحلة كما ذكر الدكتور "عبدالله العوضي"، بما أنها قد ظهرت في أسر متدينة، مرجعاً السبب في ذلك الى خلل في التربية والتنشئة..

ولم تعد هذه الحالات تظهر على استحياء كما كان الأمر في بداياته، فقد اكتسبت صاحباتها الكثير من الجرأة التي راحت تمكنهن من الإفصاح عن توجهاتهن الشاذة، لا في مظهرهن فقط ولكن في سلوكياتهن المشينة والبعيدة عن أدنى مقومات الحياء كالتحرش المقزز ببنات جنسهن من الفتيات، أو بإبداء ممارسات حميمة مقززة  في مختلف الأماكن العامة كالنوادي الرياضية الخاصة بالسيدات، أو المقاهي أو الأماكن المخصصة للترويح.

على ماذا يستندون؟؟

ويتبادر إلى الذهن سؤال حول مصدر وطبيعة هذه "القوة" التي يستندون إليها، إن صحت التسمية، وكيف يمتلكون القدرة على مواجهة القيم والأعراف السائدة بهذا التجرؤ وهذه اللامبالاة، وهم أبناء هذا المجتمع، وهو سؤال مهم لأننا ندرك أن من يقوم بتحدي القيم السائدة في المجتمع، يعمل ألف حساب لردود أفعال الناس ويضع ذلك في حسبانه قبل الإقدام عليها، فمواجهة القيم والأعراف السائدة كانت ومازالت من أصعب المهام التي يقوم بها الأفراد والجماعات..

وحين يواجه أحدنا المجتمع متحدياً منظومة القيم التي تحكمه، يستعين على إنجاز أمره بتبني محور رئيسي من بين اثنين.

المحور الأول هو الدعوة إلى ما ينفع الناس، وما يصلح المجتمع من مختلف النواحي، ويتبنى هذا المحور أفراد أو جماعات آمنوا بخيرية الرسالة التي يحملون فراحوا يغربلون السائد في المجتمع لكي يغيروا الواقع السيئ إلى واقع أفضل منه، وقد بدأ الأنبياء والرسل هذه المهمة، ولاقوا في سبيلها الكثير من المتاعب، لكن الرصيد الإيماني الكبير الذي كانوا يحملونه مَكّنهم من المثابرة في أفضل صورها، ومَكّنهم أيضاً من مواصلة تحديهم بنفس الزخم وذات القوة...

ذاك كان الإيمان بالقوة الإلهية، والإيمان بصدق الرسالة التي يحملون، والإيمان بجدوى تلك الرسالة وتلك القيم في إعلاء شأن المجتمعات وتحقيق نهوضها، فضلاً عن الارتقاء بإنسانية الإنسان..وبعد انقطاع الوحي السماوي، واصل العقلاء والمصلحون تلك المهام البناءة التي تتناول مختلف جوانب الحياة، مهتدين بالإرث الذي تركته الرسالات السماوية، معملين بوصلة العقل في ما ينفع الناس...

أما المحور الثاني فهو ذاك الذي يحمل الضرر للأفراد، وينشر الأذى في المجتمعات، ويعمل على الانحدار بالمعاني الإنسانية، متجاهلاً المصلحة العامة، مُرَكِّزاً على قضية الشهوة بمستوياتها المتدنية والحيوانية التي تقيم عوازل مانعة بين الفرد وبين معاني الرقي الإنساني، ويكون هذا المحور محمل بالدوافع والخبايا الشيطانية التي تقوم بتجميل المهمة...ولكن، حتى هذه الدوافع والخبايا لا تستمر بدون رصيد قوي يدعمها، ويقوي دعاتها ويمنحهم القدرة على المواجهة والتحدي في مسيرة الباطل التي ينهجون فما هو هذا الرصيد يا ترى؟؟

لا يمكننا أن ندعي أنه رصيد ذو علاقة بالإرث السماوي، ولا يمكننا الحديث عن إعمال عقل، ولا عن دوافع مصلحة، ولا عن احترام لطبيعة الأمور، ولا حتى عن تصنيفات الجمال والذوق السليم...هناك إذاً رصيد من نوع آخر، يدفعنا إلى التخمين الذي يستحضر العديد من الأمور. من ذلك استحضار تلك المطالبات الدولية التي تحرص بشكل لا يخلو من مبالغة على قضية الحرية الشخصية اللامحدودة، وترى الصواب في احترام حرية الفرد الشاذ، الى درجة تجعلنا نتساءل عن حقوق باقي أفراد المجتمع الأسوياء، الذين يجرحهم ويؤذيهم مشاهدة السلوكيات الشاذة..وكأن الحق عاد حق القليل الشاذ دون الغالب السليم والسوي !!

ومن ذلك استحضار الانفتاح غير المدروس على الآخر الذي استطاع أن ينسف الكثير من خصوصيات المجتمعات وثقافاتها المميزة، ليعلن وبكل إصرار عن أفضلية ثقافة واحدة تعم العالم من أدناه إلى أقصاه...على الرغم من كل الأمراض الأخلاقية والاجتماعية والصحية والاقتصادية والبيئية التي سببتها تلك الثقافة !!

ومن ذلك استحضار تلك الحملات التي تأخذ شكل "العلمي" وتزرع الاعتقاد بأن الناس يولدون شواذاً وأهلهم "يؤنثونهم" أو "يذكرونهم"، ثم تجيء حملات الشذوذ بأبطالها ومخلصيها لكي تنقذهم وتخرجهم من أقفاص طبيعتهم التي يعتقدون أنهم سجنوا بداخلها - خطأً- سنيناً طويلة! 

ومن ذلك استحضار ضعف وسائلنا وأساليبنا في مواجهة ثقافية محمومة فقدنا فيها  المقومات الأساسية التي يشترط وجودها في أية معادلة ثقافية ناجحة ..

ومن ذلك أيضا استحضار الضمور الذي طرأ على حجم الجانب الروحي لدينا وانخفاض مستوى ودرجة التعلق بالله، وفقداننا لجدوى العمل في سبيل جنة نراها بعيدة، وخوفنا من نار لا نرى لها أثراً، نحن الذين أُصبنا بداء الاستعجال في مختلف نواحي حياتنا فتعلقنا بعصفور هزيل نحصل عليه الآن وفضلناه على عشرة بعيدي المنال...

أمور كثيرة قد تدخل في دائرة الاستحضار تلك، قد يكون بعضها أو كلها هو ما يشكل الرصيد الذي يستند عليه أصحاب المحور الثاني، من دعاة الشذوذ وحملته حين يتجرؤون على منظومة القيم التي يحملها مجتمع بأكمله! و لكن يبقى علينا في كل الأحوال أن نستغرب من كم الفراغ الموجود في أنفس ضحايا هذه الهجمة، فراغ كان متعطشاً للامتلاء حتى وإن كان ذاك الامتلاء على الطريقة الشيطانية، وحتى لو كان بطلها إبليس نفسه!

لا بديل عن مواجهة التحدي

إن ثقافتنا، قيمنا، أخلاقياتنا، مسلماتنا الإنسانية في التذكير والتأنيث، على محك تحديات كبيرة، لا غنى عن الاستعداد لها، بأساليب أكثر فاعلية لكي نحد من زحف هذا الوبال ونضع سداً منيعاً أمام من يقوده وينظمه ويتبناه، على الأقل لكي نوقف  تأثيرهم المحتمل على الآخرين.  

بداية لابد من رفع الصوت عالياً في وجوههم لأنهم مخطئون، ولابد من توجيه أصابع الاتهام إليهم لأنهم يريدون نشر خطئهم بين الآخرين، ولا بد من الحزم معهم لأنهم يخالفون جميع القوانين الإنسانية السليمة...وجميع الشرائع السماوية، ولابد من كبح جماح حرياتهم التي تعتدي على حريات الآخرين، ولا يكون هذا إلا باتخاذ إجراءات حاسمة ورادعة تمنع ظهورهم بالشكل المستفز في المجتمع، وتضع حداً لترددهم على الأماكن العامة، وفصلهم من المدارس، ومنعهم من دخول الحرم الجامعي، وإعادة النظر في قضية توظيفهم. إذا لم يكن ذلك بسبب الأذى الذي يسببونه للآخرين، فليكن ذلك لكي لا يستمريء المجتمع ظهورهم وتواجدهم وكأنه وضع طبيعي لا غبار عليه، ولكي لا يكونون محط أنظار وانبهار أبناءنا الذين يمرون بمراحل عمرية مختلفة، أخطرها مرحلة المراهقة حيث لا يكونون قد بلغوا مرحلة الاتزان النفسي والرشد العقلي، ويكونون في حالة قابلية للانبهار بكل ما هو غريب، مستعدون لإتباع آخر التقليعات والصيحات التي تلفت الأنظار، خصوصاً أولئك الذين يمرون بمرحلة التمرد على المجتمع، والرغبة في التعبير عن ذلك بشتى الوسائل، إثباتاً للآخرين بأنهم قد أصبحوا أحراراً وتخلصوا من هيمنة الأسرة عليهم، بالنسبة لهؤلاء المراهقين يشكل عالم الشواذ ملاذاً رائعاً يحتوي تلك الميول.     

بعض المخاطر من تكاثرهم..

قد يطول الحديث عن الإشكالات الثقافية والأخلاقية والدينية والاجتماعية لهذه القضية الخطيرة، لكنه ربما كان من الأهم هنا لفت النظر إلى مخاطر قد يحملها المستقبل القريب إلينا، حين نجد أنفسنا أمام مواجهة هي أخطر مما نتصور، بسبب عدة أمور، منها أن يتزايد عدد الشواذ بمختلف تصنيفاتهم، ويصبح من ثمة من حقهم فرض وضعهم على المجتمع بمختلف مؤسساته، بما في ذلك تسربهم إلى مجال التعليم، أو إلى العمل السياسي، أو دخولهم مجلس الأمة، وتبوئِهم مراكز اتخاذ القرار في المجتمع، حينها ستصبح الطامة كبرى، وسنكون قد وصلنا فعلاً إلى نقطة اللاعودة.

ولو أننا ذهبنا إلى ما يراه التيار الذي يؤمن بوجود منظمات خارجية تدعم هذا الوباء وتشجعه وترسم له معالم طريقه، لكان من البديهي التّيَقن من أن هذا التسرب هو من ضمن مخططاتهم بلا ريب!

مازال الصدى المؤلم لكلمات أم مصابة في ابنها تتردد في سمعي وهي تقول: "ليته مات ولم يتحول إلى "جنس ثالث"، إذاً لكان الأمر أهون على نفسي..."  

علينا أن نكون أكثر حباً لأبنائنا ولهذا المجتمع، علينا أن نكون أعمق إحساساً وأشد وعياً لما يدور حولنا....