حاجة البشرية إلى الإسلام
عبد العزيز كحيل
جعلت الأزمة المالية التي تعصف بالعالم بعض الأوساط الأكاديمية والاقتصادية الغربية تدعو إلى الالتفات إلى التسيير الإسلامي للمال وتصرح بإفلاس النموذج الرأسمالي المبني على الربا الذي يبلغ حدود إمكاناته،بعد أن عصف باقتصاديات العالم، وهذه فرصة ينبغي أن يغتنمها المسلمون لعرض البديل الذي يستقونه من الوحي المنزل،ولكن بشرط إفهام الجميع أن الحل الإسلامي حل شامل لا يمكن أن تظهر إيجابياته بوضوح إلا بتبنيه جملةً وبجميع مقتضياته بعيدا عن التناول الترقيعي الجزئي الذي يفسد سمته ويخل بتكامله"أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض"-"يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة"،ذلك أن الإسلام منهج حياة يصلح الإنسان كله(أفكاره وعواطفه وسلوكه) والحياة كلها(في جميع الميادين بدون استثناء)وإنما يؤتي ثماره في حياة الناس إذا انتظم تطبيقه في منهجية منضبطة متكاملة تشمل التربية والاجتماع والسياسة والاقتصاد والقانون والفن والعلاقات الدولية.
ومن التربية تبدأ رحلة التغيير لتكون عملية مستمرة تمد العقول بمختلف المعارف الدينية والدنيوية وتزكي والقلوب وتنمي الحواس وتنشطها،عملية تساهم فيها المدرسة بمختلف أطوارها وكل المؤسسات المعنية بترقية الإنسان والعناية به وعلى رأسها المساجد.
ويقيم الإسلام حياة المجتمع على دعائم العدل(في الحكم وفي توزيع الثروة) والأخوة (بناءً على قاعدة التعاون لا الصراع الطبقي أو غيره) والأخلاق(التي تساير نشاط الإنسان والمؤسسات في كل المجالات) فيكون المجتمع أقرب إلى الاستقرار الازدهار..
وللإسلام كلمته في الاقتصاد والمال ويمكن تلخيصها في أن مدار الأمر على العمل المتفاعل مع المال وليس على المال وحده كما في النظام الرأسمالي،فلا مكان للربا الذي يرفع تكاليف الإنتاج ويرهق المستهلك والمدين ويجمع الأموال الطائلة في أيدٍ قليلة ويوسع الهوة بين الأغنياء والفقراء،وإنما الاعتماد على الفائدة الناتجة عن تفاعل المال والعمل وفق منظومة عملية منضبطة ليس بالسوق فقط ولكن أيضا بالضوابط الأخلاقية التي تدفع إلى الحلال والتعاون وتحمل الأعباء لجميع الأطراف بالعدل بعيداً عن إذلال الناس بوساطة رأس المال الطاغي المتحكم في الإنتاج والاستثمار والتوزيع الاستيراد والتصدير، وبالتالي في كل مرتكزات الحياة من سياسة وإعلام...
والإسلام إذ يعتمد على التربية والتوعية والموعظة وإيقاظ الضمائر فهو يعتمد كذلك على منظومة قانونية تردع الجناة والمفسدين بقدر ما تحمي ذوي الحقوق والذمم البريئة وهي منظومة العقوبات التي يزعم الزاعمون أنها تتميز بالقسوة غاضين الطرف عن الجرائم المنكرة التي تروع الأفراد والمجتمعات في ظل تقاعس القوانين الوضعية وانحيازها للمجرم لا للبريء،ولنا أن نتصور الأمن الذي سيسود عندما تطبَّق أحكام السرقة والزنا والحرابة والقذف-بعد أن يكون المجتمع قد مر على دورة متكاملة ممتدة من التربية ونعم بالازدهار الاقتصادي وأعاد للإعلام دوره الطبيعي بعد أن كان معولا لهدم الأخلاق والقيم والفضائل-
هذه هي-في عجالة-ملامح الحل الإسلامي البديل الذي لن يستهوي البشرية بالخطب والكتب ولكن يجذبها عندما ترى المسلمين طبقوه في ديارهم وسعدوا في ظلاله.