أيضرُّ النسرَ.. غربانُ

الشيخ العلامة يوسف القرضاوي

سحر المصري

طرابلس - لبنان

[email protected]

ما زالت قضية العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله جل وعلا تتفاعل حتى اليوم فتصريحاتٌ هنا ومقالاتٌ هناك.. وبين مستنكر لأقوال الشيخ ابتداء ومندِّد لمواقف العداء له ينقسم الناس من أبسطهم إلى أكثرهم ثقافة وإطّلاع..

والشيخ – عمدة الوسطية – والمرجع السنّي العالميّ ما كان ليدلو بهذه التصريحات لو لم يشعر بالخطر الداهم لتلك الفئة التي تعتلي ظهر المقاومة وتستثمر انتصاراتها لتُظهِر جبروتها وقوتها وتُعمي أبصار الناس وتعتبر بعدها أن المد الشيعي في المجتمعات السنيّة هو "ضمن معجزات أهل البيت عليهم السلام التي لا يدركها إلا أولو الأبصار"! طاعنة بهذا القول المذهب السنّي ومقدِّمة عليه مذهبها الذي يسبّ الصحابة ويأخذ بالتقيّة وينتظر ولاية الفقيه.. وليس علينا أن نفتح أفواهنا في زمن "المقاومة" حتى لا نكون مفتاح الشرور ونُتَّهَم أننا أدوات للحاخامات الصهيونية.. وأين يا تُرى معجزات أهل البيت فيما هو حاصل في العراق على أيدي فيالق بدر وفِرق الموت والتحالفات الشيعية مع القوات الأميركية ضد أهل العراق؟!

لا مساس! فأهل المقاومة مغفور لهم وما يُدريك لعل الله جل وعلا اطّلع عليهم وقال اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم! فاستباحوا - بعد انتصارهم على الكيان في حرب يوليو 2006 - شوارع بيروت وعربدوا فيها تحت مسمّى حماية المقاومة ولكنهم لا يُسألون عمّا يعملون والقرضاوي يُسأل إن حذّر من مدِّهم في أقاصيها! ودخلوا المعترك السياسي في لبنان ليجنوا ثمار انتصار المقاومة حقائب وزارية وهيمنة سياسية فتحوّل خطابهم إلى التهديد والوعيد حتى كفر بعض أهل السنّة بالمقاومة التي تحوّلت من الحدود الجنوبية إلى سدّة الحكم وإلى الأحياء الآمنة..

معادلاتٌ مضحكة مبكِية في زمن غياب المشروع السنّي الشامل لإحياء الأمّة وتكتيف الأيادي السنّية وزرع رجالها في غيابات السجون واعتبارهم الخطر الأعظم على المشاريع التوسعية العالمية وعلى الكيان الصهيوني فهم يعلمون جيداً أن أهل السنّة والجماعة إن انطلقوا في مشاريعهم الإسلامية وانتشروا فلا يُباعوا ولا يُشرَوا.. ولا يقبلون من يحرِّك دفّة القيادة فيهم إلا كتاب الله جل وعلا وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم.. وحينها ستندثر كل الطفيليات من مذاهب حاقدة تدّعي وحكّام خونة تبيع وتشتري وأنظمة عالمية تسيطر وتفتري!

معذرة إليك يا شيخنا القرضاوي.. ففي زمن الصمت العربي لا يحق للحق أن ينتشر.. فعلينا دائماً الرضوخ للقوي.. محليّ كان أو أجنبي! نسوا يا شيخ صوتك حين ارتفع مطالباً بحق ايران في تخصيب اليورانيوم وامتلاكها السلاح النووي السلمي.. ونسوا سعيك الى التقريب بين المذاهب والوحدة بين المسلمين منذ سنين وليس بالأمر الجديد عليك.. التقريب والمكاشفة وليس المداهنة والمصالحة على حساب الدين!..

أرادوا أن تميّع الدين وتكبِّر باسم علماء قُم والنجف لتستحق الثناء.. ولكنك لم تفعل وبقيت على الثوابت التي صرّحت بها منذ سنتين ولم تزل فشرطاك للتقريب بين المذاهب اثنان وسيبقيان: الانتهاء عن سبّ الصحابة والتوقف عن "غزوهم" المجتمعات السنيّة الخالِصة.. ولكنه بالأمر الكبير يا شيخ! فبكلامك هذا تحطّم أحلامهم وطموحاتهم!! ولعل أغلب الناس لم تقرأ التقارير التي تصدر بين وقتٍ وآخر لتؤكِّد انتشار المد الشيعي في البلاد السنيّة والتي تشير إلى أرقام كبيرة جداً والتي تشكِّل ليس فقط خطراً من الناحية الديموغرافية والدينية وإنما أيضاً من الناحية السياسية! يريدون لأئمّتنا السكوت عن هذا الهرج الحاصل في شرائح مجتمعية تفتقد الوعي الديني وتبهرها بعض الانتصارات ويسوقها التعطّش للقضاء على هيبة الكيان الصهيوني فينجرّون إلى اعتناق مذهب مَن يقوم بذلك غير مدركين أن مَن يحصد الانتصار قد قام بأخذ الأسباب لهذا الانتصار فتأتي النتائج ايجابية لأنها سُنّةٌ كونية ولكن احياء الأمّة والنصر الحقيقي والاستخلاف في الأرض لا يكون على غير أيدي متوضئة صادقة تؤمن بالصحابة أنهم كالنجوم بأييهم اقتدوا اهتدوا.. وتتّبع السنّة المطهّرة وتلتزم طريق أهل السنّة والجماعة.. وما دون ذلك فزبدٌ ومصيره أن يذهب جفاء..

ما صرّحتَ به شيخنا لم يعجب حسن زادة وأمثاله فانهالوا عليك بأوصاف لا يقبلها مؤمن ويربأ الكريم بإعادة خطّها لدناءتها ولكن كل إناءٍ بما فيه ينضح.. ولو أحسنوا الظنّ لعلموا أن جلّ همّك –كما أوضَحْت- كان الإنذار عما يُمكِن أن يحدث إن انتشر المذهب الشيعي في البلاد السنيّة من تصادمات في قابل الأيام حين يشعر أهل السنّة بمدّهم الشيعي وبتجاوزاتهم على الصحابة وأمهات المؤمنين وغيرها من الممارسات غير المقبولة في مجتمعات أهل السنّة والجماعة..

وحقاً يلفتني هذا التغاضي لهؤلاء عمّا لا يثير الزوبعات والكَيل بمكيالَين واستغلال الفرص للهرطقة الإعلامية.. فقد نشرت بعض وسائل الإعلام منذ فترة قريبة رداً للشيخ القرضاوي على سؤالٍ وجّهه إليه أحد السائلين عقب محاضرة له في الدوحة عن ضوابط الاجتهاد "فيما إذا كان يصح أن نقول إن هناك مسلما سنيا ومسلما شيعيا بالنظر إلى أن الإسلام دين واحد" فقال فضيلته: "إذا كان المقصود دعم الوحدة بين المسلمين وتحقيق التقارب بينهم فأنا أتفق مع السائل (في عدم صحة قول ذلك)؛ لأن مصلحتنا تتطلب الوقوف ضد أعدائنا الصهاينة"، مشيراً إلى أن السنّة والشيعة تجمعهما شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصّلون إلى قِبلة واحدة. أمّا إذا كان قصد السائل إزالة الفوارق بين المذهبين فهذا كلام غير مقبول؛ لأن أصول مذهبي السنة والشيعة مختلفين في أسس جوهرية".

ثمّ ما الجديد الذي قاله الشيخ القرضاوي والذي لا نعلمه نحن ولا همّ ولا شعوب الأرض قاطبة؟! ومن قبل القرضاوي حفظه الله دأب السلفيّون على إعادة هذه المنظومة بل تخطّاها البعض إلى تكفير الشيعة فلِم لَم تقم القيامة إلا حين تكلّم شيخنا عن خوفه من هذا المدّ الشيعي؟!

تناسوا يا شيخ مواقفك ضد اليهود حتى اعتبروك الصهاينة أنفسهم الخطر الأكبر!.. وتناسوا وقفتك ضد التبشير النصراني وتناسوا ثوابتك ووسطيّتك وحكمتك.. فهاجموا شخصك وأرادوا بهذا الهجوم هزّ صورة العالِم السنيّ والمرجعيّة العالمية ليُطيحوا –ربما- بأئمّة مذهبنا والنيل من هيبته.. فقد أرادوها فتنة لا تُبقي ولا تذر لأنهم مَرَدوا على الفتن وإشعالها!

 ثم يقولون قرِّبوا بين الشيعة والسنّة ولا تتكلموا مذهبياً بل توحّدوا لمواجهة الخطر الأساس المتمثِّل في الكيان الصهيوني وأميركا الشيطان الأكبر..

فهل فعلتم أيها الإمامية؟!!

وهل الوقوف في وجه الصهاينة يكون على حساب ديننا وآيات ربّنا؟! وإن كان دائماً ليس الوقت مناسباً لقول الحق فمتى يكون؟! وهل فقه الموازنات والأولويات يجعلنا نقزِّم الدين وأحكامه؟!

لطالما شعرت أن أهل السنّة عندهم من الطيبة ما يفوق الحد! فلا نتكلم عن مواطن الخلاف مع الشيعة من أجل وأد الفتنة.. ولا نأتي على ذكر "مآثر" النصارى ضد المسلمين من أجل العيش المشترك.. ولا نتكلم إلا بما يؤدّي إلى وحدة الأمّة.. ونتفرّد نحن – أهل السنّة -دون الناس جميعاً بذلك! وشعارنا الحب والسلام والحنان والأمان وغيرنا "يشطح" في عدائه! ولئن حصل وفتح أحدنا فمه فيا للهول من مآل الأمور وشق الصدور وفتح القبور!!!

شيخنا القرضاوي.. ستبقى إمامنا فاصدع بالحق كما أُمِرت.. والله يدافع عن الذين آمنوا.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون..