طبال رمضان "المسحراتي"، يعطي دروسا في حب الوطن ...
طبال رمضان "المسحراتي"،
يعطي دروسا في حب الوطن ...
رضا سالم الصامت
رمضان جاءنا هذا العام في فصل الصيف و رغم الحرارة و ما يترتب عن ذلك من معاناة للصائمين بسبب الجوع و العطش ألا ان الاجواء الروحانيه فيه تزيل هذا التعب، و تكاثف اجواء العبادات، ورؤية مأدبه الافطار وما فيها من ما طاب و لذ ، وتجمع الاقارب والعائله الواحدة ولم شمل الأسرة وكثرة الزيارات والعزائم وتداول الافطار بين الجيران وغيرها مما يجعل شهر رمضان مميزا عن بقية الشهور، ومن العادات و التقاليد وجود " طبال رمضان " بوطبيلة او المسحراتي بيننا في رمضان
فهكذا نبدأ ايام الشهرالفضيل بصوت " بو طبيلة " الجميل، و هو يوجه نداءاته بلطف قصد ايقاظ الناس لتناول السحور لأن في السحور بركــــــة و يكفي القليل من الطعام ومن بعد ذلك صلاة الفجر .
المسحّر هو الرجل المميز في شهر رمضان، ووظيفته ان يوقظ الناس وان يعيد لنا اجواء هذا الشهر الفضيل، ولكل حي مسحراتي وذلك بحسب مساحة ذلك الحي، وفي القديم كان يرافقه فتى يحمل فانوسا من اجل اضاءة الشوارع و الأنهج و الأزقة و الساحات المزدانة بمظاهر الزينة احتفالا بقدوم شهر الرحمة و الخير و البركة ...
بوطبيلة أو طبال رمضان هو رجل المهمات الصعبة ، في القديم كان يجر وراءه جريدة نخل خضراء بكل همة فتحدث هذه الجريدة خربشة على الأرض مما تخيف الكلاب السائبة فيفرون بعيدا ويتركون أبو طبيلة يطبل و يهتف مناديا : قم يا صائم قم تسحر، ففي السحور بركة... اصحى يا نايم و حد الدايم ....
طبال رمضان يمشي فخورا بعمله هذا الذي ورثه أبا عن جد ، ينقر على الطبلة : دق - دق - دق يا نائم قم اتسحر و..... وحد الدايم .... اصحى يا نايم ....
تسمع نقرات على الطبلة و هي نقرات محببة إلى النفوس فنشعر بحق أنك في شهر فضيل كريم ، هو شهر رمضان المعظم ، تشعر بالطمأنينة و الأمان و الفرح يغمر القلوب .
كنا و نحن صغار نتخيل كيف تكون هيئة هذا الرجل و كيف هو ؟ و نحن نستعد للنهوض إلى مائدة السحور ، فنشعر بالسعادة و بكرم الشهر المبارك " أبو طبيلة " صورة لا تكتمل الا بشهر رمضان ، وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بتقاليدنا الشّعبية الرّمضانيّة، بل قل حتى بتراثنا الثقافي العربي و ان هذه الظاهرة موجودة منذ القدم فطبال رمضان او أبو طبيلة او المسحراتي موجود في الثقافة التراثية العربية ان صح التعبير و لكن للأسف مع تطور العصر الحديث بدأت هاته الظاهرة تتقلص و تنقص ... فقبل الإمساك بساعتين يبدأ " المسحراتي " جولته الّليلية في الأحياء الشّعبية موقظاً أالأهالي للنهوض على نقرات طبلته وصوته الجميل يصدع بأجمل الكلمات ما يضفي سحرا خاصّا على المكان، ومن العبارات المشهورة للمسحّراتي قوله: يا نايم وحّد الدّايم يـا غافي وحّـد الله.. قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم، يا نايم وحّد مولاك اللي خلقك ما ينساك و كل عام و انتم حيين بخير .....
أبوطبيلة أو كما يحلو للغير تسميته المسحراتي في الشرق أو بوطبيلة في المغرب العربي إنسان كأي إنسان مسلم أمين ورث عمله هذا عن جده و أبيه ، يقوم به متحديا أي خطر من أخطار الطريق و الكلاب السائبة و اللصوص و قطاع الطرق فقلت في نفسي - لا يكون بوطبيلة رجلا عاديا ، قد يكون ثابتا شجاعا صاحب مبدأ و عزيمة لا تقهر، لأن عمله هذا فيه مجازفة و تحد فرمضان هذا العام ليس كرمضان العام الفائت و هكذا ، انه يمسك الطبلة و ينقرها بعصا رقيقة و هي تحدث لحنا جميلا يدخل الطمأنينة على قلوب الصائمين و القائمين ، انه يخرج في رمضان كل ليلة سواء جاءنا رمضان في الشتاء أو في الصيف أو في الربيع أو حتى في الخريف موسم الأمطار فالرجل على ما يبدو لا يخاف الأمطار و لا الرياح و لا الحر و لا البرد عمنا هذا لا يفارقنا طيلة ليالي رمضان و لا تفارق نقرات طبلته مسامعنا لآخر وقت من الفجر فيدغدغ آذاننا ويجعلنا كل ليلة ننتظر مجيئه بفارغ الصبر لأننا اكتشفنا أنها عادة من عادات الشهر الكريم و هي عادة جميلة ، فحتى الأطفال الصغار يحبذون سماع طبلته و يشتاقون لرؤيته و اليوم و قد صارت امة الإسلام حرة بعد ثورات حدثت تغير الوضع و لم يفقد الطبال أو المسحراتي الأمل بل ازداد تفاؤلا بوطن أعيدت له حريته و كرامته بعد أن كان وطنا مسلوبا تحكمه عصابات من البوليس و الشعب يعاني الظلم و الاستبداد فيخرج الطبال و هو مؤمن ببهجة الشهرالكريم و محبة الإنسان لأخيه الإنسان فلا يخاف و لا يرتبك و لا يتراجع إلى الوراء ، بينما في السابق يقضي ليلته في بيته دون أن يساهم في إدخال فرحة الشهر على الصائمين...
" طبال رمضان " رجل نبيل يعرف تماما أن الشعب الذي قام بالثورة هو شعب واع ، لا ينام على الظلم و القهر و الجبروت فقلبه ملأن بالحب و بالأمل لغد أفضل ، قلبه ملأن أيضا بحب الله و وطنه . فهو يخدم بثقة و عزم و نية صافية و إيمان صادق بهمة و عزم باعتبار أن الوطن أمانة في أعناقنا جميعا و أن لا مكان للإرهاب بيننا ، خاصة في شهر الرحمة و كل أيام السنة ..
أبوطبيلة ، بعد صلاة العيد يخرج من بيته و معه طبلته ليدخل البهجة و الفرحة على الأطفال فيتعلموا منه معنى الوطن و قيمته و محبته فيسعدون به و يرحبون به أيما ترحاب بل تجدهم في انتظاره و كلهم وراءه يتبعونه كجريدة النخل الخضراء ، سعداء بنقرات طبلته و أهزوجاته المحببة إلى نفوسهم والتي يطلقها من حين لآخر ، فتراهم يرقصون و يصفقون و يكبرون * الله أكبر... الله اكبر ...
ألا نستنتج أن هذا الرجل البسيط " طبال رمضان" أو ما يسمى بالمسحراتي في كل شهر رمضان يعطينا دروسا في حب الوطن و حب أوطاننا العربية ... فله مني أجمل تحية.