أقدم أسير في العالم
فهمي هويدي
من يعرف أن ثمة فلسطينيا قابعا في ظلمات السجون الإسرائيلية منذ 33 عاما في حين تدعي إسرائيل انه مفقود وبطبيعة الحال فإن احدا من اهله لم ير له وجها ولا سمع عنه طيبا طوال تلك المدة، حيث صدقوا انه لم يعد له أثر، حتى ظهرت المفاجأة قبل اسابيع،
حين اطلق سراح سمير القنطار، الذي كان يعرف بأنه عميد الأسرى العرب، لأنه قضى 30 عاما في السجون الاسرائيلية، حيث ذكر بعد خروجه في صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله، ان الشاب الفلسطيني حسين سعد فياض على قيد الحياة، وانه التقاه في رحلته الطويلة وراء القضبان.
في حدود علمي فإن احدا في عالمنا المعاصر لم يقض في السجن 33 عاما، في دولة تدعي أنها ديموقراطية، لقد سجن الزعيم الأفريقي نليسون مانديلا 27 عاما، ودخل التاريخ من هذا الباب. وحين قضى سمير القنطار 29 عاما محتجزا لدى اسرائيل فإنه سجل رقما أعلى مما سجله مانديلا. وها هو حسين فياض يتجاوز الاثنين، ليسجل حتى الآن 33 عاما، ويبقى منسيا لأجل لا يعلمه الا الله، ولا اعرف ما الذي ستفعله منظمة حقوق الانسان العربية والدولية، حين يصل الى علمها ان فلسطينيا عاش تلك المدة غير العادية في السجون الاسرائيلية التي اختفى وراء جدرانها طوال تلك المدة، مسجلا بذلك حالة غير مسبوقة في العالم المعاصر، لكن الذي اعرفه ان اغلب تلك المنظمات اعتادت اما ان تتستر على الجرائم الاسرائيلية او ان تبررها. في تواطؤ مفضوح مع الدولة العبرية، باعتبار ان ثلاث فئات من البشر لا كرامة لهم احياء ولا دية لهم إن ماتوا، والثلاث هم: المسلمون والعرب والفلسطينيون.
كان الشاب الفلسطيني حسين فياض قد قام في عام 1975 بعملية فدائية في منطقة دبوريا بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، انطلاقا من جنوب لبنان، وهو في الأصل لاجئ من مواليد عام 1953، لكنه غادر بلدته في الأغوار الشمالية عام 1973 لكي يلتحق بصفوف منظمة التحرير في جنوب لبنان، ومن هناك انطلق بعد عامين ضمن الخلية التي نفذت عملية دبوريا، وقد استشهد اثنان من المنفذين ووقع خمسة آخرون في الأسر.
حسب تقرير بثه موقع الجزيرة نت من عمان فإن طلال شقيق حسين فياض، الذي اذهلته المفاجأة عبر عن شعوره بالأسى والحزن لأن منظمة التحرير تنكرت لملف شقيقه، وتقاعست عن متابعة ملفه، رغم انه أسر حينما كان أحد مقاتليها. ويبدو ان حالة حسين فياض ليست وحيدة، لأن ثمة روايات متواترة ينقلها أسرى فلسطينيون وعرب سابقون عن وجود أسرى داخل السجون الإسرائيلية يظهرون لفترة بسيطة ثم يختفون،
ومن هؤلاء عميد الأسرى الفلسطينيين الأردنيين سلطان العجلوني، وقال انه بعد ان نفذ عمليته عام 1990 نقل بعد التحقيق الى سجن (1391) الذي لم يكشف النقاب عن وجوده رسميا الا في عام 2003 واذ بقي هناك مدة 47 يوما فإنه اعطي رقما كان الجنود يتعاملون معه من خلاله، ولم يكن احد يرى وجهه الذي ظل مغطى طوال الوقت، الى ان نقل الى السجون المعترف بها واضاف ان جميع الموجودين في ذلك السجن، غير موجودين ضمن قوائم الاسرى.
بالتالي فإن المفقودين الذين لم يتم التأكد من انهم استشهدوا عادة ما يكونون موجودين في ذلك السجن، ولفت العجلوني الانتباه الى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون كان قد صرح لاحدى الصحف عام 2003 بأنه يوجد لدى اسرائيل «بنك اسرى» يحتفظون فيه بأناس من العرب يمكن مبادلتهم مع الجهات التي تختطف اسرائيليين وكانت تلك هي المرة الأولى والاخيرة التي يعلن فيها هذا الكلام.
ما حدث على الاردنيين لابد ان يكون قد تكرر على غيرهم من العرب، والمصريون في المقدمة منهم الامر الذي يثير اكثر من سؤال حول الجهود التي تبذل للتعرف على حقيقة كم المواطنين العرب الذين تخفيهم اسرائيل في سجونها، ذلك انني اشك كثيرا في ان هذه العملية مأخوذة على محمل الجد، وذلك امر لا غرابة فيه، لأن المواطن اذا لم يحترم وهو في داخل بلده، فلن يحترم خارجها.